يوم التغابن أحد اوصاف يوم القيامة الذي يحشر الناس فيه، و المراد من التغابن أن السعداء و الاشقاء يشعرون بالغبن في ذلك اليوم، فالسعداء يندمون على قلة العمل الصالح الذي قاموا به و التقصير في كسب الفضائل و عدم استغلال الفرصة التي منحت لهم على اكمل وجه، و لماذا لم يكثروا من الصالحات و لماذا لم يعدوا أنفسهم اعداداً يمكنهم من الارتقاء أكثر في مدارج الكمال، بل يمتنى الفقراء ان لو لم يتصدق عليهم أحد ولو بدرهم او لقمة من طعام لينالوا جزاء ذلك من يد الباري تعالى، و هكذا يشعر المذنبون و الكافرون بالغبن و يندمون على ما فرطوا في جنب الله تعالى و يتمنون ان لو كانوا في صفوف المؤمنين الاتقياء.
و في الحقيقة ان الغبن في الآية إستعارة من التاجر الذي خسر في معاملته، و أنه ضم الى عدم الربح خسارة في رأس ماله. و هكذا يكون حال الكافرين و الاشقياء حال ذلك التاجر حيث انهم افنوا حياتهم في طريق لو سلكوا غيره لتمكنوا من الكمال و نيل الفيوضات الالهية في جميع عوالم الوجود، الا انهم أهدروا تلك الثروة العظيمة فوقفوا يوم القيامة موقف ذلك التاجر المنكسر الخارس لرأس ماله، يعيشون الحسرة و الندم على ما فرطوا به.
"ذلك يوم التغابن"[1] و هذا المقطع جزء من الآية التاسعة من سورة التغابن التي كانت بصدد الحديث عن يوم القيامة، ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه العباد ليرورا ثمار أعمالهم و سلوكياتهم الدنيوية، و قد عبّرت الآية المباركة عنه بيوم التغابن.
و قد اختلف كلمة المفسرين في بيان سبب التسمية انطلاقا من الروايات، فتبنى كل فريق منهم نظرية خاصة في هذا المجال، من المناسب الاشارة اليها بعد بيان المعنى اللغوي للمفردة.
قال الراغب الاصفهاني: الغَبْنُ: أن تبخس صاحبك في معاملة بينك و بينه بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال: غَبَنَ فلانٌ، و إن كان في رأي يقال:غَبِنَ ، و غَبِنْتُ كذا غَبَناً: إذا غفلت عنه فعددت ذلك غَبَناً، و يوم التَّغَابُنِ: يوم القيامة لظهور الغَبْنِ في المبايعة المشار إليها بقوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة/ 207]، و بقوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...الآية [التوبة/ 111]، و بقوله: الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران/ 77]، فعلموا أنّهم غُبِنُوا فيما تركوا من المبايعة، و فيما تعاطوه من ذلك جميعا، و سئل بعضهم عن يوم التَّغَابُنِ؟ فقال: تبدوا الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدّنيا، قال بعض المفسرين: أصل الْغُبْنِ: إخفاء الشيء، و الْغَبَنُ بالفتح: الموضع الذي يخفى فيه الشيء.[2]
بعد معرفة المعنى اللغوي للكلمة نشير الى آراء المفسرين فيها:
الاول. الغبن في الآية إستعارة من التاجر الذي خسر في معاملته، و أنه ضم الى عدم الربح خسارة في رأس ماله. و هكذا يكون حال الكافرين و الاشقياء حال ذلك التاجر حيث انهم افنوا حياتهم في طريق لو سلكوا غيره لتمكنوا من الكمال و نيل الفيوضات الالهية في جميع عوالم الوجود، الا انهم أهدروا تلك الثروة العظيمة فوقفوا يوم القيامة موقف ذلك التاجر المنكسر الخارس لرأس ماله، يعيشون الحسرة و الندم على ما فرطوا به.[3]
الثاني: "يوم التغابن" هو الذي اليوم " یغبن أهل الجنة أهل النار"، كما يقول الامام الصادق (ع)[4] ؛ يعني أن لكل إنسان مكاناً في الجنّة و آخر في جهنم، فإن ارتكب عملا استحق به جهنم فإن مكانه في الجنّة سوف يمنح لغيره، و إن عمل عملا صالحا استحق به الجنّة، فيمنح مكانا في الجنّة و يترك مكانه في جهنم لغيره.[5] و بعبارة أخرى: التغابن تفاعل من الغبن و هو أخذ شر و ترك خير أو أخذ خير و ترك شر فالمؤمن ترك حظه من الدنيا و أخذ حظه من الآخرة فترك ما هو شر له و أخذ ما هو خير له فكان غابنا و الكافر ترك حظه من الآخرة و أخذ حظه من الدنيا فترك الخير و أخذ الشر فكان مغبونا فيظهر في ذلك اليوم الغابن و المغبون.[6]
الثالث: يوم التغابن يعني أن السعداء و الاشقاء يشعرون بالغبن في ذلك اليوم، فالسعداء يندمون على قلة العمل الصالح الذي قاموا به و التقصير في كسب الفضائل و عدم استغلال الفرصة التي منحت لهم على اكمل وجه، و لماذا لم يكثروا من الصالحات و لماذا لم يعدوا أنفسهم اعداداً يمكنهم من الارتقاء أكثر في مدارج الكمال، بل يمتنى الفقراء ان لو لم يتصدق عليهم أحد ولو بدرهم او لقمة من طعام لينالوا جزاء ذلك من يد الباري تعالى، و هكذا يشعر المذنبون و الكافرون بالغبن و يندمون على ما فرطوا في جنب الله تعالى و يتمنون ان لو كانوا في صفوف المؤمنين الاتقياء.[7]
تحصل: ان يوم التغابن يعم الجميع الا الاولياء الالهيين كالانبياء و الرسل و الائمة الذين استغلوا الفرصة التي وهبها الله لهم على أكمل وجه و لم يفرطوا في شيء منها ففازوا بالفردوس الاعلى و رضوان من الله أكبر.
[1] التغابن، 9.
[2] الراغب الاصفهاني، مفردات الفاظ قرآن، ماده «غبن».
[3] أمین، السیدة نصرت، مخزن العرفان در تفسير قرآن= مخزن العرفان في تفسير القرآن، ج 12، ص 345- 346، نهضت زنان مسلمان، طهران، 1361ش.
[4] . الشیخ الصدوق، معانى الاخبار، ص 156، جامعه مدرسین، قم، 1361ش.
[5] انظر: مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج15، ص: 169، نشر مدرسة الامام علي بن ابي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ؛ و انظر: شریف لاهیجي، محمد بن علي، تفسير شريف لاهيجي، ج 4، ص 491، دفتر نشر داد، طهران، 1373ش.
[6] الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 10، ص 450، ناصر خسرو، طهران، 1372ش.
[7] طیب، سید عبد الحسین، أطيب البيان في تفسير القرآن، ج 13، ص 40، اسلام، طهران، 1378ش.