ان القول بكون أبي لهب موحداً و أن كفره ينحصر بمخالفته للنبوة و محاربة الرسول (ص)، قول لا يستند الى دليل، بل لا ينسجم مع الادلة النقلية و التقارير التأريخية الكثيرة التي تؤكد كون الرجل مشركا و من عبدة الاوثان، و لم يكن كفره بسبب خصومته للنبي (ص) فقط.
ان القول بكون أبي لهب موحداً و أن كفره ينحصر بمخالفته للنبوة و محاربة الرسول (ص)، قول لا يستند الى دليل، بل لا ينسجم مع الادلة النقلية و التقارير التأريخية الكثيرة، منها:
1. روي عن الامام الصادق (ع) أنه قال: " من مضت له جمعة و لم يقرأ فيها بقل هو الله أحد ثم مات مات على دين أبي لهب".[1]
و لما كان المحور الاساسي لسورة الاخلاص هو التوحيد من هنا تؤكد الرواية بان الاعراض عنها ينسجم مع دين أبي لهب و الذي يكشف عن كون الرجل لم يكن موحداً قطعاً.
2. حينما همّ المشركون بقتل النبي الاكرم (ص) في ليلة المبيت، أرسل ابو طالب (ع) و لده علياً (ع) يحث أبا لهب على الدفاع عن النبي (ص) و يحرك فيه الجانب العاطفي و النسبي فقال له: " إِنَّ أَبي يقول لك إِنَّ امرأً عمُّهُ عينُهُ في القوم ليس بذليل! فقال لهُ: صدق أَبوك" ثم خرج مغضباً فقال للقوم: " أُبايعكُمْ على ابن أَخي ثمَّ تريدونَ قتلهُ! و اللات و العُزَّى لقدْ هممتُ أَن أُسلمَ ثمَّ تنظُرون ما أَصنعُ"[2]
و الملاحظ في الرواية أن الرجل لم يقسم بالله تعالى بل اقسم باللات و العزى الامر الذي يكشف عن اعتقاده بهما و ايمانه بربوبيتها، مما لا ينجسم مع إدعاء كونه موحداً.
علما ان الرجل بعدما هدأت الفورة العاطفية التي حركته عاد ليقف في صفوف المشركين ضد الرسول الاكرم (ص) و في نفس الليلة.[3]
3. روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: " إذا قرأتم تبت يدا أبي لهب و تب فادعوا على أبي لهب فإنه كان من المكذبين الذين يكذبون بالنبي (ص) و بما جاء به من عند الله عز و جل".[4]و من الواضح أن التوحيد يقف على رأس العقائد التي جاء بها الرسول الاكرم (ص) و التكذيب بما جاء به يعني التكذيب بالتوحيد، و من يكذب بالتوحيد كيف يكون موحداً؟!
4. و جاء في هذا السياق أيضاً، ان النبي الاكرم (ص) لما جمع بني هاشم في حديث الدار المعروف، قال لهم النبي (ص): إني بعثت إلى الأسود و الأبيض و الأحمر، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين و إني لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن تقولوا "لا إله إلا الله" فقال أبو لهب: أ لهذا دعوتنا!! ثم تفرقوا عنه فنزلت "تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَب".[5]
و من الواضح أن النبي الاكرم (ص) قد صرح بان دعوته دعوة توحيدية، الا ان الرجل رفض الانصياع لها و قال بصريح العبارة: أ لهذا جمعتنا!! و لو كان موحداً لرد على النبي قائلا: إننا موحدون قبل يومك هذا فما الجديد في دينك؟! و لكنه لما لم يفعل، كشف ذلك عن شركه و ايمانه بالاصنام.
هذه نماذج من الادلة التي تشير الى شرك الرجل، و لكن الجدير بالذكر هنا أن معاوية حاول خلال فترة حكمه تطهير ذيل البيت الاموي عن وصمة الشرك و عبادة الاوثان، فحاول التضخيم من شرك و كفر أبي لهب لغرض توجيه البوصلة باتجاه رجل من البيت الهاشمي و عدم الالتفات الى الجرائم و الموبقات التي قام بها ابو سفيان و رهطه من البيت الاموي حتى فتح مكة، و الشاهد على ذلك أن معاوية قال يوما لعقيل: ما ظنك بأبي لهب؟! قال: يا معاوية إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب أ فناكح في النار خير أم منكوح!![6]
و لكن لا ينبغي لهذه المساعي الاموية ان تغير موقفنا من الرجل فلا نطهر ساحته من الامور التي كانت فيها، بعد ذم القرآن الكريم و المعصومين (ع) له.
تحصل: ان الشواهد التاريخية و الحديثية تؤكد كون الرجل مشركاً.
[1] الشیخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص 128، انتشارات الشریف الرضی، قم، 1364 ش.
[2] الشیخ الکلیني، الکافي، ج 8، ص 277، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.
[3] انظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 19، ص 51-50، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.
[4] ثواب الأعمال، ص 127.
[5] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 25، انتشارات علامة، قم، 1379 ق.
[6] الثقفي، ابراهیم بن محمد، الغارات، ص 381، مؤسسة دار الکتاب، قم، 1410 ق.