توزعت النظرة الى الصفير في المصادر الدينية الى اتجاهين؛ يذهب الاول الى تقبيح هذا العمل و ذمه و عدم انسجامه مع اخلاقيات الانسان المؤمن، و يذهب الآخر الى القول بانه يقع في دائرة المباحات. و سنحاول هنا الاشارة الى آية قرآنية و بعض الروايات التي تعرضت لهذا الموضوع.
1. قال تعالى في كتابه الكريم مشيراً الى صلاة المشركين قبل البعثة النبوية الشريفة و كيفية تحركهم العبادي في الكعبة المكرمة: " وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیتِ إِلاَّ مُكاءً وَ تَصْدِیةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ....".[1]
2. ورد في بعض الروايات أن هذه الخصوصية من صفات قوم لوط، و لما كانت صفات هؤلاء القوم ذميمة جداً فمن البديهي ان يكون ادراج تلك الصفة ضمن سائر الصفات إنما يأتي من باب الذم و التقبيح، " نقل أبو الْقَاسم بن قُولَوَیهِ عن الأَصْبَغ قال: سمعتُ علیاً(ع) یقُولُ: سِتَّةٌ مِنْ أَخْلاقِ قوم لوطٍ الجُلَاهِقُ و هو البندُقُ و الخَذْفُ وَ مَضْغُ الْعِلْكِ وَ الصَّفِیرُ وَ إِرْخَاءُ الْإِزَارِ خُیلَاءَ وَ حَلُّ الْأَزْرَارِ".[2]
3. روي عن الامام الصادق (ع) أنه قال في جواب السائل، كيف يعلم قوم لوط أنه قد جاء لوطاً الرجال؟ " قال: كَانَتِ امْرَأَتُهُ تَخْرُجُ فَتُصَفِّرُ فَإِذَا سَمِعُوا التَّصْفِیرَ جَاءُوا، فَلِذَلِكَ كُرِهَ التَّصْفِیرُ".[3]
4. روي عن النبي الاكرم (ص) مرسلا: "اَنَّهُ قال: اللَّعْبُ بالْكِعَابِ و الصَّفِیرُ بالحمام و أَكلُ الرِّبَا سواءٌ".[4]
5. و لكن ورد في رواية أخرى عن أَحمد بن محمَّدٍ، عن أَحمد بنِ أَبي محمودٍ الخراساني، عن عثمان بن عیسى، قال: رأَیت أَبا الحسنِ الماضي[5] (ع) في حوضٍ من حیاض ما بین مكَّةَ و المدینة علیه إِزارٌ و هو فی الماء فجعل یأخذُ الماء في فِیهِ ثُمَّ یمُجُّهُ و هو یصفِّرُ. فقلْتُ هذَا خیرُ من خلقَ اللَّهُ في زمانه و یفْعَلُ هذا ...».[6] إلا ان هذه الرواية لا يمكن الاطمئنان اليها لوجود أحمد بن أبي محمود الخراساني الذي لم يترجم له في ما تحت ايدينا من المصادر الرجالية. أضف الى ذلك أن هذا النوع من التصرف و خروج الصوت اثناء مج الماء من الفم لا يصدق عليه الصفير عرفاً.
و مع الآخذ بنظر الاعتبار الآية المباركة و الروايات الواردة في هذا المجال يمكن القول: بأن الصفير في حد ذاته يعد من الاعمال غير المحبذة، الا انه يمكن النظر الى القضية من الزاوية العرفية او المهنة او ما شابه ذلك و كو ن الصفير منطلقاً من أمر عقلائي، كأن يكون وسيلة للتواصل بين العامل و استاذه لعدم وجود وسائل الاتصال اثناء العمل مثلا، فحينئذ لا اشكال في استعمال هذه الوسيلة للتواصل و التفاهم اثناء العمل و في دائرتهم الخاصة، و كذلك الصفير الذي يعتمده الحكام في الرياضة او في الصحارى و الوديان السحيقة التي لا يمكن التواصل فيها من خلال الكلام و الاصوات الطبيعية، و هكذا عمل الرعاة في التعامل مع حيواناتهم و سوقها بالاتجاه المناسب، و الحراس الذين يحذرون السراق و ينبهونهم بوجودهم، و غير ذلك من الحالات التي يقدرها العرف و يتسامح فيها في استعمال الصفير كوسيلة للتخاطب او التنبيه.
[1] الانفال، 35.
[2] الحر العاملي، وسائل الشیعة، ج 5، ص 45، مؤسسه آل البیت، قم، الطبعة الاولى، 1409ق.
[3] وسائل الشیعة، ج 11، ص 507.
[4] النوري، حسين بن محمد تقي، مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، ج 13، ص 218، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الطبعة الاولى، 1408ق.
[5] يعني الامام الكاظم (ع).
[6] المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج ۷۶، ص ۲۶۵، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق.