للظلم معنيين؛ معنى عام شامل لجميع الرذائل، وهو ارتكاب أيّ قبح شرعی وعقلي. ومعنى خاص وهو إيذاء الآخرين ومضايقتهم والاضرار بهم، مثل: القتل، والضرب، والسب، والغیبة والقذف، والسرقة، وأيّ سلوك وكلام مزعج. لذلك يقال إنّ الظالم هو الذي لا يعتبر نفسه ملزمًا بالشكر على النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى. وکذلک على أداء الواجبات الدينية، ولا يشعر بالمسؤولية تجاه قدراته ومواهبه، وبالاضافة الی ذلک فانّه ینتهک حقوق الآخرين.
وبشكل عام، فانّ كلّ خطيئة هي مصداق للظلم، ولكن في تحديد المصداق، فانّ بعض الآيات والأحاديث قد صرّحت بأن بعض الخطايا مثل: الشرك، وعدم مراعاة الحدود الإلهية، والصداقة مع أعداء دين الله، وأخذ الربا، وما إلى ذلك هی من مصدایق الظلم.
الظلم في اللغة بمعنی وضع الشيء في غیر موضعه،[1] او مجاوزة الحد والاعتدال.[2] والظلم بهذا المعنى يشمل جميع الرذائل، وارتكاب أيّ من القبح الشرعي والعقلي، وهذا هو الظلم بالمعنى العام.[3] لكن للظلم معنى آخر وهو: إيذاء الآخرين والاضرار بهم، كالقتل أو الضرب، أو الشتم، أو الغيبة، أو الاستيلاء على أموال الآخرين بغير حق، أو غير ذلک من الأفعال أو الأقوال الّذي يؤدي إلى إزعاج الآخرين، وهذا هو الظلم بمعناه الخاص.[4] وعلى الرغم من ذكر كلا النوعين من الظلم لمرّات عديدة في الآيات والأحاديث، إلّا أنّ الكثير من الناس يستخدمون عبارة الظلم فقط بمعنى اضطهاد الآخرين.
علی أیّ حال، فان "الظلم" هو بمعنی عدم رعایة الحق. ففي هذا التعريف يكون للحق مكانة مركزية. انّ علماء الأخلاق قد قسّموا الظلم الی اقسام وفقًا لمن له نوع من الحق على الإنسان، ومنها: ظلم الله، وظلم النفس، وظلم الآخرين، فالظلم في كل هذه الحالات، يعني تجاهل الحقوق التي يكون الإنسان مسؤولاً عنها.
ولذلک فأن الظالم هو من لا يقوم بالشكر على النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى ولا يعتبر نفسه ملزما بأداء الواجبات الدينية، ولا يشعر بالمسؤولية تجاه قدراته ومواهبه، وبالاضافة الی ذلک فانّه ينتهك حقوق الآخرين.[5]
الظلم من کبائر الذنوب وعقابه والندامة علیه في الآخرة أشد، ونتائجه أثقل.[6] لقد تم لعن الظالمین في القرآن الکریم بشدة، و تم ادانتهم ايضا في روايات عدیدة بشکل كبير. وإذا لم يكن هناك تحذير أو تهديد غير هذه الآيات، فان ذلک يكفي الإنسان لأن يمتنع عن الظلم: «وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فيهِ الْأَبْصار».[7] «وَ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».[8]
انّ منشأ الظلم في الواقع، هو بسبب عصيان القوى لاطاعة العقل، ونتيجة ذلك اتجاه الرؤى والميول والعواطف والمشاعر البشرية إلى جانب آخر. مع استمرار هذه العملية، سيتم إضعاف حكومة العقل الصالح وإسقاطه، کما ان هذا الامر سیشمل المجتمع على نطاق أوسع.[9]
من أهم أسباب الظلم ضعف الإيمان والمعتقدات الدينية. ولا ريب أنّ عدم الإيمان بالغيب والآخرة، والحساب والجزاء على الحسنات والسيئات، يجرؤ الانسان على الظلم. يعد سوء إدارة القوی الانسانیة وعدم كفاية الهیمنة والتحكم علی الامیال والرغبات النفسانیة سببًا آخر للظلم، بل الأكثر شيوعًا. عندما يكون الإنسان غير قادر على تربیة النفس الحريصة وإدارتها، فإنّه لا محالة يذهب بعيدًا في إرضائها وينتهك حقوق الآخرين. على سبيل المثال، الشخص الحریص الذي يطمع بمال الآخرين، أو الشخص الذي لديه مزاج عنيف وغير لطيف، أو العاهر الشهواني الماسور فی قید نفسه المتمردة، يتعرضون جميعًا للظلم ويهددون الأمن الأخلاقي للمجتمع. ربما هذا هو الذی ادّی الی اعتبار السلطة أو الثروة سببا للظلم. و فی الواقع ان الجاهل والضال، بدلاً من استخدام هذه النعم العظيمة بالشكل الصحيح، فانه یستخدمها في طريق الكفران والجحود.[10]
بالنظر الی المقدمة المذكورة يمكن القول؛ انّ كلّ عصيان وتمرد علی الأوامر والقوانين الإلهية هو نوع من الظلم. أي أن الظلم کالكفر والشرك یعتبر من المفاهیم المشککة و له أنواع ومراتب مختلفة، من اقل الظلم إلى أكبره، ومن ظلم النفس الی ظلم الآخرین و...؛ فلذلک قد استخدم سبحانه و تعالی عبارة "اظلم" في القرآن الكريم: «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ».[11]
وهنا نذكر بإيجاز بعض الحالات التي اعتبرها القرآن والأحاديث من جملة مصادیق الظلم:
- الشرك بالله: إنّ الله تعالى يسمّی الشرك في القرآن الكريم بأنه اسوأ أنواع الظلم وأعظمها: «أن الشرك لظلم عظيم».[12]
- الحكم بغير حکم الله: «مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون».[13]
- تعدي الحدود الإلهية: «وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه».[14]
- إنكار آيات الله: «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ كُلٌّ كانُوا ظالِمين».[15]
- الإصرار على المعصية والامتناع عن التوبة: «وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ». [16]
- الصداقة مع الأعداء المحاربين: «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون».[17]
- طاعة الصدقة الواجبة: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون».[18]
- اکل الربا: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ... وإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُون».[19]
- التقصیر فی الوفاء بالديون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم».[20]
- الرضا بالظلم: انّ الرضا بالظلم أو تبريره هو نوع من الظلم. قال الإمام باقر(ع) في هذا الصدد: «مَنْ لَمْ يَعْرِفْ سُوءَ مَا أُوتِيَ إِلَيْنَا مِنْ ظُلْمِنَا وَ ذَهَابِ حَقِّنَا وَ مَا نُكِبْنَا بِهِ فَهُوَ شَرِيكُ مَنْ أَبَى إِلَيْنَا فِيمَا وَلَّيْنَاهُ».[21]
و الذی ینبغي ان یقال هو، أن الظلم من حيث النتيجة والحكم علی ثلاثة أنواع، كما قال الإمام علي(ع): ألا و إنّ الظلم ثلاثة فظلم لا يغفر و ظلم لا يترك و ظلم مغفور لا يطلب، فأمّا الظلم الذي لا يغفر فالشّرك باللَّه تعالى قال اللَّه تعالى: «إنّ اللَّه لا يغفر أن يشرك به».[22] أما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات و أما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص هناك شديد ليس هو جرحا بالمدی و لا ضربا بالسّياط و لكنه ما يستصغر ذلك معه.[23]
[1]. ابن درید، محمد بن الحسن، جمهرة اللغة، ج 2، ص 934، بیروت، دار العلم للملایین، الطبعة الاولی؛ الازهرى، محمد بن احمد، تهذيب اللغة، ج 14، ص 274، بیروت، دار احياء التراث العربي، الطبعة الاولی؛ ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج 12، ص 373، بیروت، دار صادر، الطبعة الثالثة، 1414ق.
[2]. الواسطی الزبیدی، مرتضی، تاج العروس من جواهر القاموس، المحقق، المصحح، الشیری، علی، ج 17، ص 448، بیروت، دار الفکر، الطبعة الاولی، 1414ق.
[3]. النراقی، ملا احمد، معراج السعادة، ص 475، قم، الهجرة، الطبعة السادسة 1378ش.
[4]. نفس المصدر السابق، ص 476؛ راجع: ابن حميد، صالح، موسوعة النضرة النعيم فى مكارم اخلاق الرسول الكريم(ص)، ج 10، ص 4871 – 4872، جده، دار الوسيله، الطبعة الرابعة.
[5]. عليزاده، مهدى، اخلاق اسلامى (مبانى و مفاهيم)، ص 212 – 213، قم، مکتب نشر المعارف، الطبعة الاولی، 1389ش.
[6]. راجع: معراج السعادة، ص 476.
[7]. ابراهیم، 42.
[8]. الشعراء، 227.
[9]. اخلاق اسلامى (مبانى و مفاهيم)، ص 214.
[10]. نفس المصدر، ص 214 – 215.
[11]. الانعام، 21.
[12]. لقمان، 13.
[13]المائده، 45.
[14]. الطلاق، 1.
[15]. الانفال، 54.
[16]. الحجرات، 11.
[17]. الممتحنه، 9.
[18]. البقرة، 254.
[19]البقرة، 278- 279.
[20]. ابن شعبه الحرانی، الحسن بن علی، تحف العقول عن آل الرسول(ص)، المحقق، المصحح، الغفاری، علی اکبر، ص 267، مكتب النشر الاسلامی، قم، الطبعة الثانية، 1404ق.
[21]. الشیخ الصدوق، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ص 208، قم، دار الشریف الرضی للنشر، الطبعة الثانیة، 1406ق.
[22]. النساء، 48.
[23]. الشریف الرضی، محمد بن حسین، نهج البلاغة، المحقق، المصحح، صالح، صبحی، ص 255، قم، الهجرة، الطبعة الاولی، 1414ق.