فمثلاً عند ما تقام بعض الصلاة المستحبة فی المساجد من قبل فرد أو مجموعة أفراد و یقرأ القرآن بصوتٍ عال، فما هو تکلیف الآخرین، هل هو السکوت أم لا ؟ فلو أن أحد المصلین صلى الغفیلة بین المغرب و العشاء، و قرأ «و ذا النون اذ ذهب...» بصوت عالٍ فهل یجب على الآخرین السکوت أم بإمکانهم تلاوة الآیة أم یجوز لهم الانشغال بأذکارهم و أدعیتهم؟
إضافةً إلى ذلک یرجى إیضاح التکلیف الإسلامی حینما یتلى القرآن من الأجهزة الصوتیة کالرادیو و التلفاز و غیرها؟
من آداب قراءة القرآن السکوت و الإنصات لآیاته و التفکر بمعانیها و مدلولاتها، و أن ظاهر الآیة الدالة على ذلک عامة و شاملة، و لکن المستفاد من الروایات الکثیرة و اتفاق العلماء أن هذا الحکم استحبابی، و من الراجح أن یسود الصمت و الاستماع فی أی مکان و زمان یتلى فیه القرآن الکریم احتراماً لآیاته و تدبراً لمعانیه و استفهام مفاهیمه و الاستفادة منها فی الحیاة، و ذلک لأن القرآن لیس کتاب قراءة و حسب، و إنما کتاب فهم و إدراک و من ثم عمل. و من الطبیعی أن متابعة القارئ فی محافل القراءة لا یتنافى مع احترام القرآن، بل یمثل مظهراً من مظاهر الاحترام و الاهتمام.
و المورد الوحید الذی یتخذ فیه هذا الحکم الإلهی صفة الوجوب هو فی حالة متابعة إمام الجماعة فی الصلاة، فعلى المأموم السکوت عند ما یسمع قراءة الإمام.
أکد القرآن على أهم آداب القراءة بالقول: «و إذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلکم ترحمون»[1].
اعتمد بعض المفسرین على کلام ابن عباس فی مورد سبب نزول الآیة فقالوا: کان المسلمون فی بدایة الأمر یتحدثون أثناء إقامة الصلاة، و فی بعض الأحیان یأتی أحدهم و هو متأخر عن الصلاة فیسأل المصلین عن عدد الرکعات المنقضیة، فیتلقى منهم جواباً على ذلک فنزلت الآیة الکریمة لتنهى المسلمین عن هذا العمل.
و عن الزهری: عندما کان النبی یتلو القرآن کان شاب من الأنصار یتابعه فی القراءة بصوت عالٍ فنزلت الآیة المتقدمة للنهی عن ذلک.
و ظاهر الآیة أن الحکم فیها عام لا یختص بحالة معینة، و لکن الروایات الواردة عن أئمة المسلمین حملت العلماء على القول بأن هذا الحکم العام الشامل حکم استحبابی، أی أنه من اللائق و المستحب أن ینصت الإنسان إلى القرآن حین تلاوته فی أی زمان و على أی حال. على الآخرین احترام القرآن و السکوت حین تلاوته، و أن یصغى إلى التلاوة بآذان القلب و الروح لاستلهام النداء و الخطاب الإلهی و من ثم الاستفادة منه فی الحیاة العملیة، لأن القرآن لیس کتاب تلاوة و حسب، و إنما کتاب فهم و إدراک و من ثم عمل، و أن هذا الحکم المستحب على درجة من الأهمیة بحیث جاء التعبیر عنه فی بعض الروایات بلفظ الواجب.
و فی حدیث عن الإمام الصادق نقرأ: « «یجب الإنصات للقرآن فی الصلاة و غیرها» »[2]. حتى أنه یستفاد من بعض الروایات أنه إذا کان أمام الجماعة مشغولاً بالقراءة حین الصلاة و سمع شخصاً یتلو آیة من القرآن الکریم یستحب له السکوت حتى ینهی القارئ تلاوة الآیة ثم یستأنف الإمام صلاته، و قد روی عن الإمام الصادق فی قصة ابن الکوى المنافق مع أمیر المؤمنین: « قال(ع): إن علیا (ع) کان فی صلاة الصبح فقرأ ابن الکواء و هو خلفه: "وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ "[3] فأنصت علی (ع) تعظیما للقرآن حتى فرغ من الآیة، ثم عاد فی قراءته، ثم أعاد ابن الکواء الآیة، فأنصت علی (ع) أیضا، ثم قرأ فأعاد ابن الکواء فأنصت علی (ع)، ثم قال: "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لا یُوقِنُونَ [4] ثم أتم السورة، ثم رکع. »[5]
و یتضح من مجموع هذا البحث أن السکوت و الإنصات حینما یتلى القرآن الکریم أمرٌ محبب و مطلوب و ذات قیمة کبرى، و لکنه لیس واجباً بشکلٍ کلی. و إضافة إلى الروایات الدالة على الاستحباب فإن قوله تعالى: «لعلکم ترحمون» فیه إشارة استحباب الإنصات و التدبر.
و المورد الوحید الذی یتخذ فیه هذا الحکم الإلهی صفة الوجوب هو فی حالة متابعة إمام الجماعة فی الصلاة، فعلى المأموم السکوت عندما یسمع قراءة الإمام[6]، حتى أن بعض الفقهاء اعتبر هذه الآیة دلیلاً على سقوط قراءة الحمد و السورة عن المأموم فی صلاة الجماعة.
إن الأمر بالسکوت فی المجالس التی یتلى فیها القرآن من أجل أن یتوجه الإنسان إلى کلام الله و تدبر آیات کتابه[7].
فإذا کان القرآن یتلى فی مجلس ما و کان البعض یتحدث فی أموره و أعماله الخاصة فإن الآیة المتقدمة تشیر الى ان الاجدر بالمؤمنین السکوت و الإنصات إلى القرآن تأدباً واحتراما و أما إذا کانت القراءة جماعیة أو کان الشخص یتابع القارئ من أجل التعلم فذلک لا ینافی احترام القرآن، بل مثال و مفردة من مفردات الاحترام و الاهتمام.
و من الجدیر بالذکر أنه لا یوجد فرق فی مطلوبیة السکوت حین التلاوة ما بین البث المباشر أو غیر المباشر. و لکن بعض العلماء و مراجع التقلید لا یرى وجوب السجود عند سماع آیات السجدة إذا کان البث غیر مباشر[8]، و لکن الإتیان بها لا إشکال فیه.
[1] الأعراف، 204.
[2] تفسیر البرهان مجلد 2 ص628.
[3] الزمر،65.
[4] الروم،60.
[5] تفسیر البرهان، ج2، ص 628.
[6] کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء (ط-الحدیثة)، ج3، ص: 461.
[7] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج5، ص: 347.
[8] الامام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج2، ص629، المسالة الرابعة: لو سمع آیة السجدة من مثل الرادیو فان أذیعت قراءة شخص مستقیمة وجبت السجدة، و إن أذیعت من المسجلات لا تجب..