لقد وضع الامام (ع) - طیلة حیاته- نفسه الشریفة و قدراته کافة فی خدمة الاسلام وتطوره و الحفاظ علیه وصیانته من أی خطر یحدق به. و إن تعاون الامام علیه السلام مع الخلفاء ینطلق من هذا الهدف السامی والهم الکبیر الذی کان یحمله (ع) وذلک لکی یقطع الطریق أمام النفعیین و المتربصین بالاسلام والمسلمین؛ ولکن هذا لا یعنی بحال من الاحوال أنه (ع) یرید أن یضفی الشرعیة على الخلفاء أو یؤید شخصیتهم الحقیقیة، بل کان علیه السلام یسجل اعتراضاته علیهم فی المواقع المناسبة. ویمکن إجمال العلل التی دعت الامام للتعاون مع الخلفاء بالامور التالیة: 1- المنع من تضییع حقوق الناس؛ 2- التعریف بحقیقة الاسلام؛ 3- الحفاظ على الوحدة الداخلیة مقابل الاخطار الداخلیة و الخارجیة.
لایخفى على أحد مدى الإیثار و التضحیة التی یتحلى بها الامام (ع) من أجل الحفاظ على الاسلام. ففی الوقت الذی کان الدخول فی الاسلام یؤدی بصاحبة الى التعرض الى أشد المحن و الآلام و لم یکن الدخول فی الاسلام بالامر الهین ولایعد نزهة بل کان یعد مغامرة ومجازفة، فی تلک الفترة العصیبة نرى الامام (ع) أول من إعتنق الاسلام بعد الرسول (ص) وکان فی ذلک الوقت صبیاً، وتحمل مع النبی (ص) کل الصعاب والمشاکل. فمن المواقف التی عاشها (ع) مبیته فی فراش النبی (ص) لیقیه بنفسه ولیفشل على المشرکین خطتهم فی اغتیاله (ص). و فی الفترة المدنیة کان الرجل الاول فی المعارک التی خاضها المسلمون ضد المشرکین و کانت مواقفه البطولیة والفدائیة مشهودة للقاصی والدانی، وهکذا واصل (ع) مواقفه فی حمایة الدین والدفاع عنه الى آخر أیام حیاته المبارکة فلم یبخل ولم یتوان فی إعلاء کلمة الدین الحنیف وبذل الغالی و النفیس فی هذا المجال.
من هنا لابد أن یدرس موقف الامام (ع) فی مساندة الخلفاء من هذه الزاویة والخصوصیة التی یحملها (ع)
فاذا عرفنا أن فلسفة الامامة لیست مجرد الحکومة بل من مهام الامام حفظ الاسلام و التصدی لکل ما یؤدی الى انحرافه أو القضاء علیه، و السعی لهدایة البشریة بالاضافة الى المرجعیة العلمیة والثقافیة للمسلمین فلیس بغریب حینئذ على علی بن أبی طالب وبنیه أن یجندوا کل إمکانیاتهم وطاقاتهم فی سبیل نشر الإسلام، وإعلاء کلمته. فإذا اتجه الإسلام فی طریقه، فلیس لدیهم ما یمنع من أن یکونوا جنوداً فی سبیله، حتى ولو مسهم الجور والأذى وقد قال أمیر المؤمنین أکثر من مرة: والله لأسالمنَّ ما سلمت أمور المسلمین ولم یکن جور إلا علیَّ خاصة»"[1]
ویمکن اجمال العوامل التی دعت الامام (ع) لمساندة الخلفاء و التعاون معهم فی الامور الثلاثة التالیة:
1- حفظ حقوق الناس من الضیاع:
شاهد الامام (ع) فی کثیر من الاحیان تعرض حقوق الناس للضیاع بسبب الاجتهادات الخاطئة الامر الذی دعاه للتدخل فی الامر و الحفاظ على تلک الحقوق. فعلى سبیل المثال لما "أمر عمر برجم امرأة حامل کانت قد زنت فنهاه علی - علیه السلام - وقال له: إن کان لک علیها سبیل فلیس لک على ما فی بطنها سبیل أمهلها إلى أن تضع وترضع. فامتثل عمر وقال: "لولا علی لهلک عمر".[2] ولاریب انه لولا تدخل الامام (ع) فی هذه الحادثة وامثالها لقتل انسان بریء بسبب الاجتهاد الخاطئ.
2- التعریف بالاسلام الواقعی
کانت لارشادات الامام (ع) ومواقفه التصحیحیة فی الامور القضائیة وغیرها الدور البارز فی التعریف بحقیقة الاسلام و تعرف الناس على احکامه الصحیحة.
3- الحفاظ على الوحدة الاسلامیة وصیانتها من التهدیدات الداخلیة والخارجیة
لم یکن الامام (ع) یفکر بحقوقه الشخصیة، بل کان جل اهتمامه وتفکیره منصباً على الاسلام و المجتمع الاسلامی. فبعد رحیل النبی الاکرم (ص) واجه الاسلام موجة من الاخطار الخارجیة و الداخلیة. فمن الواضح لکل مطلع على أوضاع الامّة الإسلامیّة أنّ الدولةالإسلامیّة الحدیثة التأسیس کانت محاصرة من جهتی الشمال والغرب بأکبر إمبراطوریّتین هما الامبراطوریّتان الرومانیة، وإلایرانیة.هذا من الخارج.
وأمّا من الداخل؛ فقد کان الإسلام والمسلمون یعانون من جماعة المنافقین الذین کانوا یشکّلون العدوّ الداخلی المبطّن لضرب الاسلام من الداخل و التآمر علیه لتمزیق الوحدة الداخلیة. من هنا نرى الامام یقف وبکل صلابة للتصدی لتلک الاخطار التی احاطت بالامة، وقد کتب الى أبی موسى الاشعری قائلاً: " وَ لَیْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (ص)وَ أُلْفَتِهَا مِنِّی".[3]
انطلاقاً من ذلک کله کانت مساندة الامام ومؤازرته وتقدیمه النصح و المشورة للخلفاء من قبله، ولقد اشار (ع) الى هذه الحقیقة حیث قال: " أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا، صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، نذیرا للعالمین، و مهیمنا على المرسلین، فلمّا مضى علیه السّلام تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو اللّه ما کان یلقى فى روعى و لا یخطر ببالى أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن أهل بیته و لا أنّهم منحّوه عنّى من بعده فما راعنى إلّا انثیال النّاس على فلان یبایعونه، فأمسکت یدی حتّى رأیت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام یدعون إلى محق دین محمّد، صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فخشیت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فیه ثلما أو هدما تکون المصیبة به علىّ أعظم من فوت ولایتکم الّتى إنّما هى متاع أیّام قلائل یزول منها ما کان کما یزول السّراب أو کما یتقشّع السّحاب، فنهضت فى تلک الأحداث حتّى زاح الباطل و زهق، و اطمأنّ الدّین و تنهنه".[4]
یستفاد من کلامه علیه السلام أن الامام علیه السلام لما رأى و منذ الایام الاولى أن حیاة الاسلام فی خطر تصدى للذب عنه سواء على مستوى الحروب الدفاعیة أو حروب فتح البلدان فکان یقف الى جانب الخلفاء یرشد ویسدد بل قد ارسل أبناءه للاشتراک فیها کما ذکرت ذلک بعض المصادر التاریخیة.[5] الا انه لایوجد دلیل معتبر یثبت اشتراک الحسنین علیهما السلام فی فتح بلاد فارس.
والجدیر بالذکر أن الامام مع کل اسناده و دعمه للخلفاء کان یوجه اللوم والنقد الیهم إن وجد الفرصة مواتیة لذلک فکان یسجل اعتراضه علیهم.
لمزیط الاطلاع انظر:
1- الامام علی (ع) و الفتوحات الاسلامیة، رقم السؤال 1791 (الموقع: 3915).
2- سکوت الامام وعدم مخالفته عند تصدیقه للخلافة، رقم السؤال 1585( الموقع 2851).
[1]جعفر مرتضى العاملی، الحیاة السیاسیة للامام الحسن (ع)، ص11.
[2] العلامة الحلی، کشف المراد، ص 512، الطبعة العاشرة، مؤسسة النشر الاسلامی، قم، 1425ه.ق.
[3] نهج البلاغة، رقم الکتاب 78،من کتاب له (ع) إلى أبی موسى الأشعری.
[4] نهج البلاغة، من کتاب له ع إلى أهل مصر مع مالک الأشتر- لما ولاه إمارتها، رقم الکتاب 62.
[5] دحلان، الفتوحات الاسلامیة، ج 1، ص 175، ناشر مصطفی محمد، مصر.