یمکن القول کقاعدة کلیة: «فی أی وقت یغیر أحد الزوجین جنسه بعد الزواج تسقط العدة مطلقاً، سواء غیر الرجل «الزوج» جنسه أم المرأة «الزوجة»، حتى لو کانت المرأة فی زمن العدة و لا فرق بین أنواع العدة: عدة الطلاق، عدة الفسخ أو عدة الوفاة.
و أهم دلیل فی المسألة تبدل الموضوع، و حیث إن العدة من مختصّات النساء، فکل ما یتبدل الموضوع یترتب علیه تبدل الحکم، و علیه فالعدة ساقطة.
العدة فی الاصطلاح الفقهی: الفترة الزمنیة التی تعیشها المرأة الحرة بعد انفصالها عن زوجها أو من قاربته بالاشتباه بالطلاق أو الفسخ أو الموت أو بذل المدة أو انقضائها، و الحکمة فی التزام المرأة بالعدة بالنسبة للمرأة التی تتحرر من رابطة الزوجیة المنع من اختلاط الأنساب[1].
یتبین من التعریف المتقدم أن المقاربة غیر الشرعیة «الزنا» لا تترتب علیها العدة، حتى مع فرض الحمل، و لکن المرأة یلزمها العدة فی حالة وطئ الشبهة، سواء کانت متزوجةً أو لا، و سواءً أکانت الشبهة من الطرفین أم من طرف الواطئ فقط.[2]
و العدة فی القانون المدنی للجمهوریة الاسلامیة هی المدة التی لا یجوز للمرأة فیها الزواج من رجل آخر بعد انفصالها من الاول[3].
و أحد الأسئلة التی طرحت فی البحث هو تغییر الجنس بالنسبة للزوجین، و هل یلزم فی المسألة التزام العدة بعد التغییر الجنسی من قبل أحد الطرفین، و هل ان تغییر الجنس و بطلان النکاح السابق یوجب العدة «کعدة الطلاق أو عدة الفسخ»؟
هذه المسألة تدرس من خلال ثلاث نقاط:
الأولى: تغییر جنس الزوجة و مسألة العدة:
فی أی وقت تغیر المرأة جنسها و تتحول إلى رجل، فهل أن هذا الشخص یمکنه الزواج فوراً أم علیه الالتزام بعدة الطلاق أو الفسخ؟
من الطبیعی أن عدة الطلاق و عدة الفسخ تراعى مع فرض وقوع المباشرة بین الزوجین قبل تغییر الجنس و إلا لو لم تقع المباشرة قبل التغییر، فإن الالتزام بالعدة منتفٍ. و لتوضیح المسألة بشکل أفضل نقول: إذا انفصل الزوجان بالطلاق أو بفسخ النکاح عن بعضهما، فلا یخرج الأمر عن حالتین: إما أن تکون قد وقعت بینهما مباشرة أو لم تقع. ففی الحالة الأولى یجب على المرأة أن تمتنع عن الزواج مجدداً مادامت فی العدة و بعد إتمام العدة یمکنها أن تتزوج، و لکن مع فرض عدم وقوع المباشرة قبل الفراق بالطلاق أو الفسخ، فبإمکان المرأة أن تتزوج برجلٍ آخر متى شاءت، و لا یلزمها قضاء مدة العدة، و لکن عدة الوفاة لا زمة على أی حال سواءً وقعت المباشرة أم لا.
و بعد هذا التوضیح یطرح السؤال التالی: إذا کانت المباشرة قد حصلت بین الزوجین ثم غیرت الزوجة جنسها فهل یجب علیها الالتزام بالعدة «کعدة الطلاق أو عدة الفسخ» أم أنها تستطیع الزواج مباشرةً بالجنس الآخر بعد التغییر.
و جواب ذلک: لا یلزمها العدة مع مفروض السؤال، و یجوز للمرأة التی بدلت جنسها الزواج من الجنس الآخر مباشرة.
و یمکن توضیح ذلک ببیانین:
الأول: العدة تدور مدار المرأة.
إن العدة و الأحکام الأخرى کالحیض و النفاس أحکام خاصة بالنساء، و وجوب هذه الأحکام وجوداً و بقاءً دائر مدار وجود عنوان «المرأة»، فإذا فرضنا أن المرأة بدلت جنسها و تحولت إلى رجل و خرجت من کونها «امرأة» فإن العدة تسقط لا محالة[4].
الثانی: إن تغییر الجنس یترتب علیه تبدل الموضوع. إن حکم العدة من الأحکام الخاصة بالنساء و لا یحتمل کونها للرجال ایضا، و علیه بمجرد أن تتبدل المرأة إلى رجل فإنها تخرج من هذا الموضوع الذی یترتب علیه الحکم فلا یجب علیها التزام العدة و تسقط لذلک السبب[5]. و لا معنى لبقاء الحکم مع انعدام الموضوع. و کذلک الحال فی سائر الأحکام، فإن انتفاء الموضوع یفضی إلى انتفاء الحکم المترتب علیه، کحرمة النظر إلیه و وجوب الحجاب[6].
یقول السید محمد الصدر فی هذه المسألة:
لا تردید إذا ما غیرت الزوجة جنسها فإنها تکون مشمولة بأحکام الرجال، و ترتفع أحکام النساء عنها[7].
الثانیة: تغییر جنس الزوج و مسألة العدة
إذا بدل الزوج جنسه و تحول إلى امراة فمن الطبیعی انفکاک ازدواجه الأول، و لکن هل علیه الالتزام بالعدة باعتباره امرأة أم لا؟
و هذه المسألة لم تعالج إلا من قبل فقیه شیعی واحد و هو السید محمد صادق الصدر حیث یعتقد بعدم وجوب العدة، و یقول:
إذا بدل الرجل جنسه و تحول إلى امرأة یبطل زواجه و لا یجب علیه الالتزام بالعدة[8].
و دلیل المسألة: کما أوضحنا فیما تقدم، فإذا کانت قد وقعت مباشرة بین الزوجین فإن العدة واجبة، و لکن فرض تبدل الزوج إلى امرأة بعد التغییر لا توجد مباشرة بالنسبة إلیه. حتى تجب علیه العدة، و علیه فبإمکانه الزواج فوراً من الجنس الآخر. بعبارة اخری: من الواضح انه لاعدة على الزوج و بعد تغییر الجنس لم یحصل بینه و بین زوج اخر مواقعة فلایجب علیه شیء.
یقول آیة الله محمد الصدر فی هذه المسألة: «و إذا انتفى النکاح مع زوجته بعد التحول فلا یجب علیها العدة لأنها لیست زوجة مدخولاً بها جزماً، بل لها أن تتزوج من تشاء من الرجال فوراً إن أرادت».[9].
الثالثة:
یقول الإمام الخمینی بشأن المرأة التی تکون فی زمن العدة کعدة الطلاق أو عدة الفسخ أو عدة الوفاة، و تغیر جنسها فی هذه الفترة فهل بإمکانها الزواج مباشرة أم علیها التزام العدة: لو تغیر جنس المرأة فی زمان عدتها سقطت العدة حتى عدة الوفاة[10].
توضیح الدلیل: إن سقوط العدة مع الفرض بدلیل تبدل الموضوع لأن المرأة تخرج عن کونها امرأة و علیه لا تشملها أحکام النساء بل تدخل فی دائرة أحکام الرجال، و لا معنى لالتزامها بالعدة حینها. و لکن السؤال هو: لماذا قال الإمام «حتى عدة الوفاة» أی أن عدة الوفاة تسقط أیضاً فی أنواع العدة، و بعبارة أخرى لماذا یؤکد الأمر باستعمال کلمة «حتى»؟
الجواب: السر فی عدة الوفاة هو أن عدة الوفاة لها خصوصیة. إن الهدف من عدة الوفاة بحسب الروایات الإسلامیة یتمثل «بالحداد» و «ترک الزینة احتراماً للمیت» و لذلک فإن زمن ابتداء عدة الوفاة زمن وصول خبر وفاة الزوج إلى الزوجة کما ورد فی صحیح محمد بن مسلم و یزید بن معاویة وزرارة عن الإمام الباقر(ع) حیث قال بخصوص المرأة التی یتوفى زوجها الغائب: «المتوفى عنها زوجها تعتد من یوم یبلغها نعی الزوج»
و قد یقال على وجه الاحتمال: إن المرأة التی تغیر جنسها و هی فی حال عدة الوفاة یجب علیها الالتزام بالعدة بعد التغییر و لکن الإمام یقول «حتى عدة الوفاة» أی أنها تسقط کما تسقط أنواع العدة الأخرى، و علیه فبإمکان المرأة التی تحولت إلى رجل أن تتزوج بالجنس الآخر مباشرة، و دلیله واضح لأن العدة واجبة بالنسبة للنساء، و عند ما تغیّر المرأة جنسها تخرج عن حکم الموضوع، و لا معنى لبقاء الحکم مع انتفاء الموضوع.
الرابعة: دراسة و تحلیل بعض الفتاوى الفقهیة فی بحث «تغییر الجنس و العدة».
جاء فی جواب آیة الله الخامنئی دام ظله فی المسألة:
هل أن الرجال الذین کانوا نساءً و یتبدلوا إلى نساء بتغییر الجنس ـ حیث یستحیل ظهور الحمل بالنسبة لهم ـ یلحقون بالفتیات «غیر المدخول بهن» و النساء البالغات سن الیأس من جهة أحکام العدة؟
الجواب: کلا[11].
و دلیل هذا الحکم یحتمل أن یکون تبدل الموضوع أساساً، فإذا کان تغیر الجنس واقعیاً، فإن المرأة بعد التبدل تلحق بجنس الرجال. فإلحاقها بالفتیات و الیائسات لا معنى له، و کذلک بالنسبة الى آیة الله السیستانی[12]. و آیة الله فاضل اللنکرانی (ره)[13] فإن رأیهما عدم الإلحاق بعد تغییر الجنس.
و یؤکد آیة الله فاضل اللنکرانی(ره) فی مکان آخر ذلک بالقول: إذا غیرت المرأة جنسها فی زمن العدة، تسقط فترة عدتها المتبقیة، و لا یلزمها مراعاة باقی زمن العدة، حتى لو کانت فی عدة الوفاة[14].
و فی جواب السؤال عن حکم المرأة التی تغیر جنسها فی وقت عدتها، جاءت الأجوبة التالیة:
إذا تغیر جنس المرأة فی زمن العدة تسقط عدتها حتى إذا کانت عدة الوفاة[15].
إذا غیر شخص جنسها فی زمن عدة الوفاة تسقط عدته حتى لو کانت عدة وفاة[16].
و من خلال الجواب السابق یأتی الحکم شاملاً للفرد الذی یغیر جنسه زمن العدة و بذلک یشمل الرجل، فالرجل الذی یغیر جنسه و یتحول إلى امرأة لا یجب علیه مراعاة العدة (تراجع المقالة الثانیة).
النتیجة:
و بالنظر إلى ما تقدم نحصل على النتیجة الآتیة بعنوان قاعدة کلیة: إذا غیر أحد الزوجین جنسه بعد الزواج تسقط العدة مطلقاً، سواء غیر الرجل جنسه، أو غیرت المرأة جنسها فی وقت العدة، و لا یوجد فرق فی سقوط العدة بین أنواع العدة: سواءً أکانت عدة الطلاق أو الفسخ أو الوفاة، و أهم دلیل فی المسألة تبدل الموضوع لأن العدة خاصة بالنساء، فإذا تبدل الموضوع، تبدل الحکم، و من هنا تسقط العدة.
طبعا ان جمیع ما ذکر خاص بمن یغیر جنسیته. و بعبارة اخرى من یغیر جنسیته تسقط عنه العدة و یستطیع الزواج مباشرة. نعم لو طلق الرجل زوجته ثم غیر جنسیته یجب على زوجته ان تعتد حتى تتمکن من الزواج مجددا[17] بل حتى ان لم یطلقها یجب علیها العدة ایضا حال تغییر الرجل جنسیته.
[1]انظر المحقق الداماد، السید مصطفى، حقوق الأسرة، ص 447.
[2]انظر النجفی، محمد حسن، جواهر الکلام، ج 32، ص 264؛ الإمام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 2، ص 344.
[3]القانون المدنی الإیرانی، المادة 1150.
[4]انظر: مطهری، أحمد، مستند تحریر الوسیلة، ص 200: «لأن العدة و الحیض و النفاس و غیرها من أحکام النساء، فوجوبها حدوثاً و بقاءاً دائر مدار کونها امرأة، فمع زوال المرأة عن کونها مرأة یسقط حکم العدة لا محالة».
[5]انظر: مؤمن، محمد، کلمات سدیدة فی مسائل جدیدة، ص 115.
[6]انظر: الخرازی، السید محسن، تغییر الجنسیة، فقه أهل البیت (علیهم السلام)، عربی، ش 23، ص 254.
[7]الصدر، السید محمد، ما وراء الفقه، ج6، ص144: «لا شک أنها بعد التحول تصبح مشمولة لأحکام الرجال و تنتفى عنها أحکام المرأة».
[8]الصدر، السید محمد، منهج الصالحین، ج 3، ص 644، مسألة 3706: «إذا تحول الرجل إلى امرأة و کان زوجاً ... بطل نکاحه ... و لم تجب علیه العدة».
[9]الصدر، السید محمد، ما وراء الفقه، ج 6، ص 138: «و إذا انتفى النکاح مع زوجته بعد التحول فلا یجب علیها العدة لأنها لیست زوجة مدخولاً بها جزماً، بل لها أن تتزوج من تشاء من الرجال فوراً إن أرادت».
[10]الإمام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 2، ص 559.
[11]انظر: مرکز التحقیقات الفقهیة للقوة القضائیة، موسوعة الآراء الفقهیة القضائیة،، جواب السؤال 5280.
[12]انظر: مرکز التحقیقات الفقهیة للقوة القضائیة، مجموعة الآراء الفقهیة القضائیة فی الشؤون الحقوقیة، النکاح، ج 1، ص 50 - 52.
[13]انظر: المصدر نفسه، ص 50 - 53؛ موسوعة الآراء الفقهیة القضائیة، جواب السؤال 5751.
[14]انظر: خدادای، غلام حسین، أحکام الأطباء و المرضى (فتاوى آیة الله فاضل اللنکرانی) ص 141.
[15]انظر: الصدر، شهاب الدین، خلاصة أولى مقالات المؤتمر الطبی القانونی للدول الإسلامیة، ص 62.
[16]جناتی، محمد إبراهیم، رسالة توضیح المسائل، (الاستفتاءات)، ج 2، ص 256.
[17]بشرط ان تکون مدخولا بها و لم تکن یائسة و لا صغیرة.