بالرغم من الاهیمة التی تحظى بها المجالس الحسینیة و احیاء ذکرى الشهداء و ما یترتب على ذلک من الثواب الا انه بسبب کون الحضور فی مثل الاماکن یؤدی الى دعم و تقویة الافکار المنحرفة و المخالفة لتعالیم أهل البیت، من هنا لایکون الحضور فی مثل هکذا مجالس فاقداً للثواب فحسب بل قد یکون سببا لغضب الرب تعالى.
یظهر من السؤال الجزم ببطلان عقائد هذه الفرقة و لذلک انصب السؤال حول جواز الحضور فی مثل هکذا المجالس التی یظهر انها مجالس دینیة و التی تقام من قبل هؤلاء. من هنا یکون الجواب قائما على التسلیم ببطلان عقائدهم، و الکلام عن معاشرتهم و التعامل معهم فقط.
لاشک ان أمیر المؤمنین (ع) شخصیة لامثل لها فی التاریخ بعد شخصیة رسول الله (ص)، من هنا عادته طائفة و غالت فیه طائفه اخرى حیث قالوا بالوهیته او اضافوا له صفة من صفات الله تعالى و قد أشار (سلام الله علیه) الى ذلک بقوله " هلک فی رجلان، محب غال و مبغض قال "[1]
فیجب علینا نحن معاشر الشیعة الذین نعتقد بامامته ان نتمسک بتعالیمه بنحو مطلق بان نرفض أی منهج انحرافی و على اقل تقدیر نلتزم بوصیتهم بان "نَلْقَى أَهْلَ الْمَعَاصِی بِوُجُوهٍ مُکْفَهِرَّة"[2]
و من الواضح ان الحضور فی تلک المجالس لایمکن ان یخلو من المجاملات و تبادل الاحترام و هذا ما یتنافى مع ما روی عن الامام أمیر المؤمنین (ع) حیث قال:" مَنْ مَشَى إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَوَقَّرَهُ فَقَدْ مَشَى فِی هَدْمِ الإِسْلَام"[3]
قد یقال انه من الممکن ان نحضر مجالسهم من دون ان نؤدی لهم ای نوع من الاحترام و التبجیل؛ جوابه ما روی عن الامام الصادق (ع) حیث قال:" لَا تَصْحَبُوا أَهْلَ الْبِدَعِ وَ لَا تُجَالِسُوهُمْ فَتَکُونُوا عِنْدَ النَّاسِ کَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): الْمَرْءُ عَلَى دِینِ خَلِیلِهِ وَ قَرِینِه".[4]
فلیس کل الناس یعلمون انک لست منهم و لا تعتقد بعقیدتهم و انما حضرت من احیاء ذکرى الامام الحسین(ع)، فاذا لم یعلموا ذلک یکون الحضور داعما لهم و مقویا لجمعهم و ان کنت لا تشعر بذلک، من هنا نرى الامام السادس (علیه السلام) یقول:" َ لَا یَنْبَغِی لِلْمُؤْمِنِ أَنْ یَجْلِسَ مَجْلِساً یُعْصَى اللَّهُ فِیهِ وَ لَا یَقْدِرُ عَلَى تَغْیِیرِه".[5] و على کل حال فبنا ان هؤلاء الناس بانحرافهم استحقوا غضب الله تعالى فمن الممکن ان یشمل الغضب الالهی من حضر و ان کان مخالفا لهم فی الباطن! و قد وردت روایة فی هذا الخصوص و هی: عَنِ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (ع) یَقُولُ: مَا لِی رَأَیْتُکَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ یَعْقُوبَ- فَقُلْتُ: إِنَّهُ خَالِی. فَقَالَ: إِنَّهُ یَقُولُ فِی اللَّهِ قَولا عَظِیماً یَصِفُ اللَّهَ وَ لا یُوصَفُ فَإِمَّا جَلَسْتَ مَعَهُ وَ تَرَکْتَنَا وَ إِمَّا جَلَسْتَ مَعَنَا وَ تَرَکْتَهُ. فَقُلْتُ: هُوَ یَقُولُ مَا شَاءَ أَیُّ شَیْءٍ عَلَیَّ مِنْهُ إِذَا لَمْ أَقُلْ مَا یَقُولُ. فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): أَ مَا تَخَافُ أَنْ تَنْزِلَ بِهِ نَقِمَةٌ فَتُصِیبَکُمْ جَمِیعاً أَ مَا عَلِمْتَ بِالَّذِی کَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى (ع) وَ کَانَ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ- فَلَمَّا لَحِقَتْ خَیْلُ فِرْعَوْنَ بِمُوسَى تَخَلَّفَ عَنْهُ لِیَعِظَ أَبَاهُ فَیُلْحِقَهُ بِمُوسَى- فَمَضَى أَبُوهُ وَ هُوَ یُرَاغِمُهُ حَتَّى بَلَغَا طَرَفاً مِنَ الْبَحْرِ فَغَرِقَا جَمِیعاً فَأَتَى مُوسَى الْخَبَرُ فَقَالَ: هُوَ فِی رَحْمَةِ اللَّهِ وَ لَکِنَّ النَّقِمَةَ إِذَا نَزَلَتْ لَمْ یَکُنْ لَهَا عَمَّنْ قَارَبَ الْمُذْنِبَ دِفَاع.[6]
یفهم من هذه الروایة صحیح ان الانسان یحشر على نیته و قبل التعرف على وصایا المعصومین(ع) نکون قد حضرنا من اجل کسب رضا الله تعالى و لم یکن حضورنا بقصد شد ازرهم و تقویة جمعهم و انشاء الله نحصل على الثواب الالهی؛ الا انه من المحتمل ان یشملنا العذاب الدنیوی الذی قد یحل بهم فی تلک الساعة و قد لاتظهر اثار هذا الغضب الالهی ظاهرا و لکن على کل حال فانها ستترک اثارا واقعیة و عملیة فی حیاتنا.
و فی الختام نشیر الى قضیة مستوحاة من القرآن الکریم لها علاقة بالسؤال المطروح:
ورد فی القرآن الکریم منع المشرکین من الاتیان بدخول الحرم حتى لاداء مناسک الحج على طریقتهم و ان شابهت الحج عندنا فی بعض المراسم"یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا"[7] و لعل فلسفة المنع تکمن فی سعی الشریعة لمنع المنحرفین من اداء شعارهم بحریة حتى لو کانت صحیحة فکیف اذا کانت باطلة!!
کذلک یمکن الاشارة الى حالة مشابه لما ورد فی السؤال و هی: انه صحیح ان الائمة قد اکّدوا کثیرا على احیاء الشعائر الحسینیة الا ان ذلک لایعنی السماح لاصحاب الافکار المنحرفة لنشر افکارهم الضالة و بثها فی اوساط المسلمین، کذلک صدر الحث على عدم المشارکة و الحضور فی تلک المجالس.
طبعا هذا یجری مادام الانسان لایستطیع التاثیر علیهم و تغییر مسارهم الانحراف، نعم معاشرتهم من باب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر مع توفر الشروط الخاصة[8] یجب فی بعض الاحیان.[9]
[1] نهج البلاغة، ص 489، الکلمات القصار، رقم 117، انتشارات دار الهجره، قم.
[2] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 16، ص 143، روایت 21194، مؤسسة آل البیت، قم، 1409، هـ ق.
[3]نفس المصدر، ص 267- 268، مسالة رقم 21533.
[4]نفس المصدر، ج 12، ص 48، روایت 15610.
[5] نفس المصدر، ج 16، ص 260، روایت 21512.
[6]نفس المصدر، رقم21513.
[7]التوبة، 28.
[8] - توضیح المسائل (المحشى للإمام الخمینی)، ج 2، ص 756 – 758.
[9] توضیح المسائل (المحشى للإمام الخمینی)، ج 2، ص 756، مسألة 2786، 2787، 2788 و 2789.