توجد إشارة فی المصادر الشیعیة إلى بعض منکری الإمام المهدی(عج)، و من أبرز المنکرین لغیبة الإمام الصغرى هو الشلمغانی و أصحابه. کان الشلمغانی فی بدایة الأمر من کبار الشیعة و من المقربین من الحسین بن روح النوبختی النائب الثالث للإمام و لکنه انحرف بعد مدة حتى أنکر وجود الإمام (ع)، و قد ذکروا ثلاثة عوامل کأسباب لهذا الموقف المنحرف من قبل الشلمغانی: الطمع فی الأموال و الحسد، و طلب الجاه و السلطة، و هناک شخصٌ آخر من المنکرین یسمى محمد بن الفضل الموصلی، و لکنه ثاب إلى رشده بعد زمن و أعلن توبته و عودته.
یعتقد الإمامیة أن للإمام الثانی عشر غیبتین: الغیبة الصغرى و تبدأ عام 260 هـ ق و تنتهی فی عام 329 ق، و بعد ذلک بدأت الغیبة الکبرى و التی ما زالت مستمرة إلى الیوم. و فی زمن الغیبة الصغرى کان الإمام(ع) یتصل بالأمة من خلال أربعة نواب خاصین به، کان الإمام قد عینهم بالترتیب.
کان النائب الثالث للإمام هو الحسین بن روح النوبختی، حیث تولى النیابة قرابة 21 عاماً و ذلک منذ عام 305 هـ ق ـ 326 هـ ق و حسین بن روح ینتمی إلى بنی نوبخت من أهل قم، و قد هاجر إلى بغداد زمن نیابة النائب الاول و سفارته للإمام صاحب الزمان(عج)[1]. و قد اضطر حسین بن روح إلى الاختفاء فی بدایة تولیه منصب النیابة عن الإمام(عج) کما أنه قضى 5 سنوات من مدة سفارته فی سجن الخلیفة العباسی المقتدر و ذلک من عام 312 ـ 317 هـ[2].
منکرو نیابة النوبختی:
بسبب انتساب الحسین بن روح إلى بنی نوبخت و ما کان لهم من نفوذ فی حکومة بنی العباس، و وجود عائلة بنی فرات الذین یمیلون إلى الشیعة و التشیع، لم توجد معارضة لنیابة الحسین بن روح فی بدایة تسلمه هذه المهمة من قبل الحکومة، إضافة إلى تأکیدات النائب السابق محمد بن عثمان على تنصیب ابن روح فی أیامه الأخیرة مما جعل عموم الشیعة و خواصهم لا یشکون فی نیابته، و لذلک کان منکرو نیابته قلائل جداًَ، کما تراجع البعض منهم عن شکه بعد انجلاء الحقیقة و وضوح الأمر. و نشیر فیما یلی إلى شخصین من منکری نیابة الحسین بن روح:
ألف: الشلمغانی و أصحابه:
کان الشلمغانی فی أول أمره عالما صحیح الاعتقاد و قد ألف مجموعة من الکتب مثل «التکلیف»، «العصمة»، «الزاهر بالحجج العقلیة»، «المباهلة»،« الأوصیاء» و غیر ذلک مما ینسب إلیه، و قد کان ذا مکانة و محل ثقة إلى حد النیابة عن الحسین بن روح زمن اختفائه من الحکومة، کما یقول الشیخ الطوسی: إنه کان من أعوان الحسین بن روح و الصلة بینه و بین الناس أیام اختفائه.[3]
و یحتمل البعض أن الشلمغانی کانت له یدٌ فی مسألة اعتقال الحسین بن روح، و حینما اختفى الحسین بن روح مال الشلمغانی إلى عقیدة الغلو و سعى فی نشر هذه العقیدة، کان فی بدایة أمره یسعى إلى أن یکون فی محل الحسین بن روح فی موقع النیابة الخاصة، ثم ذهب إلى أبعد من ذلک فادعى النبوة و الألوهیة، یقول ابن مسکویة فیما یخص طموح الشلمغانی و تطلعاته: «لقد ادعى أبو جعفر محمد بن علی الشلمغانی المعروف بابن أبی العزاقر أن اللاهوت حل فی ذاته»[4]. و عند ما وصل الخبر إلى الحسین بن روح ـ أرسل فی بدایة الأمر رسالة إلى بنی بسطام القبیلة التی تحتضن الشلمغانی، و قد نهاهم عن نصرة الشلمغانی و مؤازرته. و بناءً على ما یراه الإمامیة فقد صدر توقیعٌ من جانب الإمام المهدی فی ذی الحجة من عام 312 ضد الشلمغانی[5].
أسباب انحراف الشلمغانی:
هناک ثلاثة عوامل أدت بالشلمغانی إلى الانحراف:
1ـ الطمع و السعی وراء المنافع بالأموال التی یعطیها الشیعة إلى النواب بعنوان سهم الإمام.[6]
2ـ الحسد.[7]
3ـ طلب الجاه و الموقع السیاسی.[8]
ب ـ محمد بن الفضل الموصلی.
الشخص الآخر الذی أنکر نیابة الحسین بن روح هو محمد بن الفضل الموصلی و قد أظهر إنکاره فی عام 307 هـ، و لکنه تراجع عن إنکاره بعد توجیهات الحسن بن علی الوجناء و مشاهدة بعض الأمور من الحسین بن روح، و قد ورد الکلام فی علل إنکاره و توبته فی کتاب «الغیبة» للشیخ الطوسی[9]. و یحتمل أن تکون علة إنکاره عدم الإطلاع و وجود الشبهة، و ذلک لأنه اعترض فی کیفیة صرف الأموال و سهم الإمام (ع)، و قال: «إن هذه الأموال لا تصرف فی مواردها، و لم تصل إلى مستحقیها»[10].
[1] جاسم حسین، التاریخ السیاسی لغیبة الإمام الثانی عشر، ص 192، ترجمة، آیة اللهی، محمد تقی، أمیر کبیر، طهران، 1367.
[2] الذهبی، تاریخ الإسلام، ص 191؛ محمد بن أحمد بن عثمان، تاریخ الإسلام و وفیات المشاهیر و الأعلام، حوادث و وفیات 321 ـ 330، تحقیق، عمر عبد السلام تدمری، بیروت، دار الکتاب العربی، 1413 ق.
[3] الطوسی، محمد بن حسن، الغیبة، تحقیق عباد الله الطهرانی و علی أحمد ناصح، ص 303 و 324، قم، مؤسسة المعارف الإسلامیة، 1411 ق.
[4] ابن مسکویه، تجارب الأمم، أبو علی أحمد بن محمد ، ج1، ص123، شرکة التمدن الصناعیة، مصر، 1333 ق.
[5] الغیبة، ص 410 ـ 411.
[6] القزوینی، محمد کاظم، الإمام المهدی من المهد إلى الظهور، ص 200، بیروت، الوفاء، 1405 ق.
[7] النجاشی، أبو العباس أحمد بن علی، الرجال، ص 293، بومبای، 1317 ق؛ الصدر، محمد، تاریخ الغیبة الصغرى، ص 514، أصفهان، مکتبة أمیر المؤمنین، 1362.
[8] التاریخ السیاسی لغیبة الإمام الثانی عشر، ص 200.
[9] الغیبة، ص 316 ـ 315، ح 264.
[10] المصدر نفسه.