بيان حكم سياقة النساء يحتاج إلى بيان قوانين و أصول أخرى؛ لانه لم يرد في الكتاب و السنة حكم مباشر لسياقة النساء نفياً او اثباتاً فهو من المسائل الجديدة (المستحدثة). لكن علماء السعودية الذين أفتوا بحرمة سياقة النساء استندوا للمسألة على مجموعة من الأدلة جميعها قابل للمناقشة و لا تنسجم مع العقل. أما علماء الشيعة فقد أفتوا جميعهم بجوازه مع رعاية الحجاب و الأحكام الإسلامية الأخرى إستناداً لاطلاقات الآيات و الروايات و لعدم وجود دليل خاص يمنع من ذلك و يحرمة. كذلك أفتى جمع من علماء أهل السنة في باقي الدول العربية الإسلامية بجواز سياقة النساء و إباحة ذلك.
قد تُستحدث مسائل و مواضيع جديدة في المجتمع لم يرد لها حكم في الشرع الإسلامي و حينئذ يجب استنباط حكمها عن طريق الإجتهاد و استعمال قواعد و أصول أخرى. و سياقة النساء من هذا القبيل.
لكن علماء السعودية الذين أفتوا بحرمة سياقة النساء استندوا للمسألة على مجموعة من الأدلة جميعها قابل للمناقشة و لا تنسجم مع العقل.
فقد جاء في استفتاء لعبد العزيز بن باز فيما يخص سياقة النساء، قوله: "لا شك في عدم جوازها لأن سياقة النساء تستدعي مفاسد كثيرة يجب الوقوف أمامها شرعاً"[1]
كذلك افتى محمد بن صالح العثيمين في هذا المجال: "لا تجوز لتوفرها على مفاسد كثيرة"[2] فقد جعل سبب حرمة سياقة النساء المفاسد التي تترتب عليها كما يظن العثيمين منها: نزع الحجاب، إزالة الحياء، كثرة الخروج من البيت، التمرد على أهل البيت أو الزوج، ازدحام الشوارع و الطرق، حرمان بعض الشباب من السياقة.[3]
فكما تلاحظون بأنه قد جعل لسياقة النساء ملازمات حتمية و رتّب عليها الحكم بالحرمة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل تصدق كل هذه الملازمات على النساء المسلمات المؤمنات اللاتي يرغبن في السياقة؟ أو لا يمكن سياقة النساء بدون أيّ من هذه الأمور غير اللائقة؟
ففي المجتمع الإسلامي في إيران و منذ سنين طويلة يمارس كثير من النساء المؤمنات المسلمات السياقة بدون ترتبّ حتى مسألة واحدة من هذه المسائل، أيّ قد ثبت عملياً إمكان السياقة للنساء مع الحفاظ على الحياء و العفة و الحجاب و عدم ترتب الفساد على ذلك. فقد يظهر أن مفتي السعودية قد خلطوا بين مسائل شتى. فهل يحرم كثرة الخروج من البيت إذا كان بإذن من الزوج و مع الالتزام بمقررات الشريعة الإسلامية؟
و متى صارت السياقة سبباً لتمرّد المرأة و عصيانها؟ كيف يمكن ذلك؟ نعم، قد يحصل ذلك في حالة او حالتين أو أكثر أن تتمرّد المرأة التي تمارس السياقة، و لكن هذا الحالة ليست عامة و لا شاملة. فلا يمكن ان تعدد مبررا لتحريم ذلك على المرأة المؤمنة المحجبة التي تراعي كل المسائل الشرعية. و من قال ان ازدحام الشوارع محرم شرعا و يمكن أن يكون سبباً لحرمة السياقة على المرأة؟! فلو ثبت أن الرجال كانوا سبباً لإزدحام الشوارع فهل يحرم ذلك؟ و هل يكون دليلاً شرعياً على منعهم من السياقة؟ و هل تكون سياقة المرأة ـ على هذا الأساس ـ في المدن الصغيرة و القرى و الشوارع الخالية جائزة و لا إشكال فيها؟
يضاف الى ذلك أن عمل بعض الدول لا يعد مصداقاً لرأي الشريعة الإسلامية، فلا يمكن القول بحتمية جواز أمر ما، ليس إلا لأن الدولة (الإسلامية) الفلانية قد أجازته، أو القول بحرمته لأنها منعته، فالجواز و عدمه يحتاج إلى دليل شرعي موثق.
أما علماء الشيعة فقد أفتوا بجواز سياقة النساء اذا اقترن مع الحجاب الكامل و رعاية كل الأحكام و الموازين الإسلامية[4] استناداً إلى عدة أمور منها: لا يحق لأي أحد و بدون دليل شرعي موثق أن يحرم الحلال أو يحلل الحرام و كذلك لو شُك في شيء بأنه حرام، فالأصل في ذلك حليته. و هذا ما نراه في النساء المؤمنات العفيفات في ايران فكثير منهن يمارسن السياقة بدون أيّ مشكلة و مع حفظ جميع الأحكام الإسلامية.
كذلك نجد في كثير من الدول العربية الإسلامية غير السعوديةالنساء يمارسن السياقة من دون أي مانع، و قد انتقد جمع من علمائهم حكم علماء السعودية و لم يقبلوا به.[5]
[1] الأدلة المختلف فيها عند الأصولين و تطبيقاتها المعاصرة، دكتر مصلح بن عبد الحي النجار (استاذ كلية الرياض)، ص 144، فوائد و فتاوي، عبد الله بن عبد الرحمن، ص 164، فتاوي المرأة، خالد الجريسي، ص 8.
[2] نفس المصدر، ص 147.
[3] نفس المصدر.
[4] توضيح المسائل، المراجع، ج 2، ص 931، استفتائات الإمام الخميني (ره)، ج 3، ص 358، الأسئلة 35 ـ 41.
[5] راجعوا: الأدلة المختلف فيها عند الأصولين و ...، قسم سدّ الذرائع، ص 144.