العبادة لغیر الله محرّمة و ممنوعة، و تبعاً لذلک فإذا عدّ السجود علامة علی عبادة غیر الله فهو غیر مسموح به، و اما اذا کان هذا السجود امتثالاً لأمر الله و استجابة لدعوته و لأجل الإحترام فلا یکون حراماً بل یعتبر نوعاً من العبودیة و العبادة لله تعالی أیضاً، کما فعل جمیع الملائکة الا إبلیس، فسجدوا جمیعا لآدم استجابة لأمر الله تعالی.
نعم اذا خرج السجود عن حالة الاحترام فی زمان خاص مثل زمان ظهور الإسلام و صار علامة علی العبادة فحینئذٍ لا یجوز السجودلأی مخلوق بما فیها الانسا حتی لو کان لأجل اظهار الاحترام و التبجیل لا الطاعة و العبودیة.
فما ورد من حرمة السجود لغیر الله فی بعض الروایات ناظر الی هذه المعنى و منطلق من هذا السبب، و إلّا فانّ والد یوسف و اخوته قد سجدوا له و لم یکونوا قد ارتکبوا معصیة فی هذا السجود قطعاً.
اشرتم فی سؤالکم الی موضوع یفهم منه التناقض فی قول الله و أمره، بأنه تعالی قد من منع من السجود لغیره من جانب، و لکنه من جانب آخر أمراً بفعل ذلک السجود الممنوع؛ و هذان أمران متناقضان!
و فی الإجابة عن هذه الشبهة، نطرح فی البدایة تساؤلاً:
لو أن أباً قال لإبنه مرة: لا تستخدم السیارة فی مجال اللعب و اللهو الباطلین، ثم طلب منه مرة أخری أن یستخدم نفس الوسیلة النقلیة فی إیصال الضیوف الی منزلهم، فهل یمکن اعتبار هذین الکلامین متناقضین؟!
بالتأکید سیکون جوابکم بالنفی و انه لا یلاحظ أی تناقض فی هذین الکلامین للأب، و ذلک لأن الشروط الثمانیة للتناقض لیست متوفرة فیه.
و بناء علی هذا فإذا لم یمتثل الإبن للأمر الثانی لوالده و تذّرع لذلک بالنهی الأول الصادر من أبیه، فإنه سیلام من قبل العقلاء و لا یقبل منه المنصفون ذلک.
و علی هذا فلو أخبر الله تعالی بأن السجود الذی هو علامة علی العبادة لا یجوز لغیری، ثم أمر بالسجود لآدم احتراماً و لیس عبادة، فلا ینبغی أن یظنّ بوجود التناقض بین هذین الأمرین، بل ینبغی أن یعدّ مخالفة أمره نوعاً من التمرّد، و الجزم بأن ابلیس بتخلّفه عن هذا الأمر قد خرج من دائرة العبودیة لله.
هذا و إن جمیع ما تقدّم کان مع افتراض ان الله سبحانه قد حرّم السجود لغیره قبل أمره الملائکة بالسجود، و من الملفت للنظر أن نعلم بأنه لم یکن مثل هذا التحریم ثابتاً، و انه لم یکن السجود لغیر الله ممنوعاً فی الأدیان السابقة لأنه کان علامة علی الاحترام لا العبادة!
و علی هذا الأساس لم یعد سجود أب و اخوة یوسف له أمراً مذمواً[1]، و لهذا السبب و مع وجود آیات کثیرة فی القرآن حول السجود لله[2]، لکننا لم نعثر علی أی آیة تمنع من السجود لغیر الله بشکل مطلق –حتی و لو کان لأجل الاحترام- و الآیات التی ربما تعتبر ناظرة الی منع السجود لغیر الله منحصرة فی الموارد التی فیها شبهة العبادة کالسجود للقمر و الشمس.[3]
نعم، بعد ظهور الإسلام خرج السجود من حالة الاحترام تدریجاً و صار رمزاً للعبادة، و لذلک کان الأئمة المعصومون(ع) ینهون شیعتهم عن السجود لغیر الله.[4]
و لمزید الاطلاع انظر السؤال رقم 5614 (الموقع: 5922) أیضاً.