فی المقدمة ینبغی أن یقال بأنکم و طبقاً للمنطق المذکور فی سؤالکم یجب أن تعتبروا الشخص الذی یسعی للإیقاع بکم و بجمیع أقاربکم فی فخّ المخدّرات، و یدمّر کل حیاتکم علی أثر ذلک، تعتبروه أرحم و أعطف من شخص آخر یوفّر لکم فرص العمل و الربح المناسب لجمیعکم، و لکنّه یمنح البعض منکم – ممن یکون عمله أفضل من الآخرین- امتیازاً خاصاً!

ففی مثل هذه الموارد نحن لا نفکّر بهذه الطریقة، و لا نری بعض الاختلاف فی التعامل –الناشیء من سلوک الطرف المقابل- تمییزاً.

و مع ذلک فإننا سندرس سؤالکم فی محور أصلی و هو "التمییز فی الهدایة الإلهیة" و محورین فرعییّن هما "المساواة فی النظرة الشیطانیة و وجود بعض التمییز فی القرآن" و نطلب منکم أن تتأمّلوا بدقة فی الآیات القرآنیة الموجودة فی المتن و فی الهامش لکی نکون قد استطعنا –بعون الله- رفع الإبهام عنکم:

المحور الأول: هل أن الله قام بالتمییز بین الناس، فأجبر بعض الناس علی الهدایة و الفلاح و أکره آخرین علی الضلالة؟!

و فی الإجابة عن هذا السؤال ینبغی أن نعلم أن الله وفّر لجمیع الناس هدایة عامة و لم تکن الضلالة العامة من قبل الله! نعم إن الله یمنح الأشخاص الذین ینتفعون بالهدایة العامة، عنایة خاصة و یزوّدهم بهدایة خاصة أیضاً. و أما الذین یمتنعون –باختیارهم- من العمل بمقتضیات الهدایة العامة فإنه یترکهم و شأنهم أیضاً و لا یمنعهم من الاستمرار فی ضلالهم.[1] و فیما یلی نقوم بتوضیح ما تقدّم بالاستعانة بآیات القرآن فیما یرتبط بهذه الموارد:

1- أن الله قد وهب جمیع الناس القدرة علی التفکّر و التعقّل، و بذلک یمکنهم بشکل عام، و بمعونة العقل و الفطرة الإلهیة أن یهتدوا الی الطریق الصحیح و یمیّزوا بین الخیر و الشر، و قد أشار القرآن الکریم مراراً الی هذا الموضوع،[2] و ذکر أنه بعد هذه الهدایة العامة فإن بعض الناس قد ثبتوا علی هذا الطریق و استمروا فیه، و البعض الآخر اختار طریق الکفر[3]، فمع أنهم کانوا قد عرفوا طریق الهدایة فقد اختاروا البقاء فی الضلالة لأنه لا إکراه فی ذلک.[4]

2- الهدایة الإلهیة الخاصة، و تشمل فقط الأشخاص الذین هم علی الأقل لم یتمرّدوا علی أمر النبی الباطنی أی العقل، و ساروا –باختیارهم- فی مسیر الهدایة الإلهیة العامة. فإن مثل هؤلاء یکونون دوماً مورداً للعنایة من قبل الله، و فیما یلی نشیر الی نماذج من ذلک.

1-2- أن الله حین یکافیء الاختیار المناسب لهذا الفریق من الناس، یصرّح بأن اختیار مسیر الهدایة فی البدء کان باختیارهم، و یعلن أنه سوف یزیدهم هدی و بصیرة و سیجعل منهم أشخاصاً متّقین ورعین.[5]

2-2- أن الله سیعین مثل هؤلاء الأشخاص الذین ساروا فی هذا الطریق بنیّة خالصة و سوف یرشدهم الی طریق الفلاح.[6]

3-2- أنه سوف یلهمهم طریق الخروج من الأزمات و المصاعب و سوف یرزقهم الرزق المناسب من الطرق غیر المتوقعة.[7]

4-2- و إذا ابتلوا أحیاناً بوساوس الشیطان –بسبب الغفلة- فإن الله سینجیهم بسرعة و ینیر بصائرهم.[8]

5-2- سوف ییسّر علیهم تحمّل مشاکل الحیاة [9] و یغفر لهم خطایاهم، و یمنحهم أجراً عظیماً.[10]

6-2- و الخلاصة هی أن الله مع مثل هؤلاء الأشخاص[11] و إنه سوف یرزقهم من رحمته الواسعة[12] بشرط أن لا یستولی الغرور علیهم و أن یستمرّوا علی الاستقامة فی الطریق و من الضروری التأکید علی هذا الأمر و هو أن من الممکن أن تحبط الأعمال الصالحة للأشخاص الذین حصلوا علی الهدایة الخاصة أیضاً فی حالة الشرک بالله،[13] أو أن یسقطوا –مثل بلعم بن باعوراء- الی أخس درجات الحیوانیة.[14]

فمع هذا کله، فهل إنکم تعتبرون مثل هذا الامتیاز للأشخاص الذین آمنوا باختیارهم ثم استقاموا علی ذلک الطریق، نوعاً من التمییز؟!

3- و لنر الآن کیف یمکن لله أن یضلّ بعض الأشخاص؟ فکما ذکرنا فإنه و خلافاً للهدایة العامة، لیس هناک إضلال عام یشمل الجمیع، فإن الله یصرّح بأن الهدایة و الضلالة و إن کانت بیده و لکنه لا یضل أبداً الّا الفاسقین.[15]

و إنه بعد الهدایة العامة فإن الأشخاص الذین لا یؤمنون –بعد وجود الدلائل الکثیرة- فإنهم هم الذین یبتلون بهذه الضلالة الخاصة.[16] و بعبارة اخری أن هؤلاء أنفسهم یهیّئون الأرضیّة –بسبب أعمالهم السیئة- لمزید الإضلال من قبل الله، و هناک موارد کثیرة فی القرآن إذا تأمّلنا فیها أدرکنا سبب قول الله تعالی أنه یضلّ بعض الناس؟!

و علی هذا الأساس فإن الله فی أکثر الموارد قد ترک باب العودة مفتوحاً أمام الضالّین، بل إنه وعد هؤلاء إنهم إذا تابوا فإنه سوف یغفر لهم ذنوبهم[17] و لیس هذا فحسب بل سیبدّل سیّئاتهم حسنات[18] و لکن مع هذا فإنه سوف یزید الأشخاص الفاسقین الذین لا أمل برجوعهم، ضلالة و هؤلاء مثل:

1-3. أن یکونوا من الظالمین.[19]

2-3. أن یصرّوا علی کفرهم.[20]

3-3. أن تکون أهواؤهم هی إلههم الذی یتبعونه.[21]

4-3. أن یکون همّهم دائماً هو التکاثر و الاسراف و ایجاد الشکوک و الشبهات.[22]

5-3. أن یتخذوا الشیطان ولیّاً بدلاً من الله، و مع ذلک یظنّون أنهم یحسنون صنعاًًً.[23]

6-3. أن یکونوا من المغضوب علیهم بسبب أعمالهم و سیرتهم السیئة.[24]

7-3. الذین یرون عملهم السیء حسناً[25]

و …

و کما أن العنایة الإلهیة بالأشخاص الذین اختاروا الإیمان بارادتهم لا یعتبر تمییزاً، فکذلک إبقاء الذین اختاروا طریق الضلالة بارادتهم علی ضلالتهم أیضاً لا یمکن اعتباره تمییزاً و اجحافاً بحقّهم.

و لنر الآن کیف أن الله یبقی مثل هؤلاء فی ضلالتهم؟ و فی هذا المجال تتصور طرق مختلفة یمکن أن ینسجم کل منها مع العدل الإلهی، و من ذلک:

الف: إن لا یفتح الله أمام هؤلاء طرقاً جدیدة للهدایة غیر طریق الهدایة الأولیة العامة.[26]

ب: مع أن له القدرة و الاستطاعة، الا إنه لا یمنع من استمرار هؤلاء فی أعمالهم السیئة فیمهلهم[27] لکی ینحدروا فی ضلالتهم ما شاؤوا.[28]

ج: إنه لا یسعفهم و لا یساعدهم فی المواقف الحرجة، حتی و إن اظهروا التوبة فی الظاهر.[29]

د: جعل المجال مفتوحاً أمام الشیطان فی مزید الوسوسة لمثل هؤلاء، و لم یمنعه من ذلک.[30] و فی هذا المجال فإن نفس الآیات التی تعتبر الشیطان عاجزاً عن اضلال عباد الله الصالحین و المخلصین تقول إنه یستطیع إغراق الضالین فی أوحال الذنوب و الفساد أکثر فأکثر[31] و …

برأیکم: إذا کان الشخص مصرّاً علی ضلالته –مع وجود الهدایة العامة و أیضاً مع إمکان العودة و التوبة- و إن الله قد ترکه حراً و ربما زوّده ببعض الإمکانات[32] فهل یکون قد ظلمه و مارس التمییز فی حقه؟!

4- و من الضروری الالتفات الی هذه الملاحظة أیضاً و هی: أن الأشخاص الذین لا یصرّون علی ضلالهم و لم تتوفّر لهم –من جانب آخر- فرص الهدایة الخاصة، فإن الله لم یعتبرهم مستحقّین للعقاب و العذاب بشکل قطعی و مطلق، بل یقول بأننا لا نعذّبهم الّا أن یکونوا بلغتهم تعالیم الأنبیاء[33] و یمکنکم فی هذا المجال مطالعة السؤال 4230 (الموقع: 5192) أیضاً.

المحور الثانی: و هو: هل أن الشیطان لم یقم بالتمییز و هل إنه بسعیه لخداع جمیع الناس، یکون قد تعامل معهم برحمة؟

إن المثال الذی ذکرناه فی أول الکلام، قد أشرنا به الی جواب هذا السؤال، و لکن مع ذلک تأملوا فیما یلی:

أولاً: أن الشیطان یقوم بالتمییز أحیاناً! حیث إنه قال لله تعالی إنّی سأقوم باضلال جمیع الناس الا عبادک المخلصین[34]، أی لیس لی القدرة علی خداع هؤلاء!.

ثانیاً: إن سعی الشیطان فی جذب الناس إلیه و اضلالهم جمیعهم لیس ناشئاً من کونه رحیماً بل بسبب عداوته للإنسان.[35] حیث إن هذه العداوة سببها تکبّره[36]، و أما الله سبحانه فلیس له عداوة مع أی إنسان، و إنه لا یصل إلیه أیّ نفع و فائدة من الأعمال الصالحة للناس[37] و کذلک من عقاب المتمرّدین[38] و علی هذا الأساس فلا داعی لأن ینظر للناس نظر التمییز، بل کما ذکرنا فإن الهدایة و الاضلال المنتسب الی الله کلاهما ناشئ من السلوک الاختیاری للناس.

و المحور الثالث فی سؤالکم فیما یتعلّق ببقیة الموارد مثل اختلاف المرأة و الرجل حیث اعتبرتم ذلک نوعاً من التمییز … و فی هذا المورد أیضاً ینبغی أن نعلم بأنه لیس کل اختلاف یعدّ تمییزاً، و فی نفس هذا المورد قد وردت آیات کثیرة تؤکّد علی أن هذین الجنسین متساویان[39] فی أصل الإنسانیة[40] و فی الثواب علی الأعمال الصالحة[41] و إن الإنسان المؤمن ینظر الی الدنیا بکل ما فیها کآلة للهو، و إنه یبحث عن الحیاة الحقیقیة فی عالم الآخرة[42]، و بناء علی هذا، فإذا کان واثقاً من الحصول علی کل ما یریده هناک[43] فإنه سوف لا یعیر أهمیة للإختلافات التی وجدت بسبب مصالح خاصة[44] والتی اکثرها ذات بع مادی.