یرى علم الاجتماع الحدیث أن هذا الحکم الذی لایختص بمنع زواج المسلمة من غیر المسلم بل یشمل الأمر الرجال المسلمین أیضاً، أن هذا الحکم یمثل نوعاً من الانخلاق و التقوقع على الذات فی المجتمع الاسلامی، لکن یجب الأخذ بنظر الاعتبار نسبیة الانغلاق و الانفتاح فی المجتمعات، فلا تصح إدانة کل مجتمع مغلق و اعتبار الانغلاق سبة و منقصة یستحق اللوم و التوبیخ بسببها و لابد من التنکر لها. أضف الى ذلک أن المجتمع الاسلامی یعد من المجتمعات المنفتحة من زوایا و أبعاد أخرى من قبیل الحوارات الدینیة التعایش السلمی المعاهدات الدولیة، التجارة و....
من المناسب جداً الالتفات الى أن حرمة الزواج من الکافر لا یختص بنساء المسلمین بل یشمل الرجال أیضاً حیث لا یحق لهم الزواج من الکافرات لکن مع بعض الاستثناءات الطفیفة[1].
و لکن هل الحکم المذکور یکشف عن کون المجتمع الاسلامی مجتمعاً منغلقاً على الذات و منطویاً على نفسه؟
فجوابه یتم من خلال البحث فی موضوعین:
1- ما المراد من المجتمع المنغلق؟ و هل من اللازم تنظیم سلوکیاتنا بنحو لا ندخل تحت مظلة هکذا مجتمع؟!
2- هل یمکن إعتبار المجتمع الاسلامی مجتمعاً منفتحاً أم أنه مجتمع منغلق على الذات؟
من هنا نحاول تفصیل الکلام فی البحث حسب الترتیب المذکور:
1- یرى علماء الاجتماع الحدیث أن المجتمع المنفتح هو المجتمع القادر على تشکیل شبکة من العلاقات النشطة و الفاعلة بینه و بین سائر المجتمعات، و الا فهو من المجتمعات المنغلقة على الذات؛ و یرون أن المجتمعات المنفتحة أکثر تجربة و رقیاً من المجتمعات المنغلقة و ذلک بسبب عامل الانفتاح و الاستفادة من تجارب و ثقافات المجتمعات الأخرى؛ لکنهم مع ذلک أغفلوا تحدید المائز و الحد الدقیق بین المجتمعین المنغلق و المفتوح. أضف الى ذلک إنا عندما نطالع تاریخ الحضارات و المدنیات المختلفة نشاهد أن لکل مجتمع محدودیاته الخاصة، بل لا یوجد الیوم على الصعید الدولی مجتمع بلا محدودیات و ضوابط و تقییدات، و بحسب تعبیر أحد علماء الاجتماع: " إن القول بالمجتمع المنفتح انفتاحاً تاماً مثالیة لا واقع لها الا فی المخیلة و التنظیر"[2] أضف الى ذلک أنه لیس من الضروری کون المجتمع المنفتح هو المجتمع المثالی المطلوب و ذلک " لان المجتمع المفتح فی الوقت الذی یوفر لعناصره الکثیر من الفرص للحرکة الاجتماعیة الا انه فی الوقت نفسه یضع أمامهم مجموعة من المحاذیر و النواقص"[3].
فمن غیر الصحیح القول بان علماء الاجتماع یفضلون و یرجحون المجتمعات المنفتحة على المجتمعات المنغلقة دائماً. فعلى سبیل المثال نطالع العبارة التالیة: "إن مجتمع النخبة - لهذه العلة- یعد من المجتمعات المنغلقة و أن أعضاءه لا ینفتحون الا على من یتصف ببعض الصفات الاجتماعیة التی یرونها منسجمة مع صفاتهم، منها: العناوین الأسریة، المدارس، المؤسسات، الانتماءات الحزبیة"[4]
نحن نعتقد؛ أن عمل النخبة و تلک الموازین التی یقیمون الامور على أساسها غیر صحیحة و قد ذم الائمة (ع) تلک السلوکیات بشدة فقد روی عن الامام علی (ع) أنه کتب الى والیه عثمان بن حنیف بسبب الاشتراک فی ولیمة دعی لها هو و المرفهون و اصحاب الثروة فقط و لم یدع الیها من الفقراء أحد: "أَمَّا بَعْدُ یَا ابْنَ حُنَیْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلا مِنْ فِتْیَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاکَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَیْهَا تُسْتَطَابُ لکَ الأَلْوَانُ و تُنْقَلُ عَلَیْکَ الْجفَانُ و مَا ظَنَنْتُ أَنَّکَ تُجِیبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِیُّهُمْ مَدْعُو".[5] فی الوقت الذی نرى فیها علماء الاجتماع الغربیین یعتبرون مثل هکذا سلوکیات اموراً طبیعیة جداً و لا یشعرون بالخجل من انغلاق النخبة و انطوائها على نفسها.
من هنا، لا یجدر بنا نحن معاشر المسلمین أن نحصر أنفسنا فی دائرة تلک التعاریف التی طرحها علماء الاجتماع؛ و ان إجراء حکم من الاحکام الاسلامیة لا یعنی بحال من الاحوال جعل المجتمع الاسلامی مجتمعاً منغلقاً کما یتصور هؤلاء، بل لا ینبغی الخشیة من تلک الصفات و الالقاب التی یثیرها علماء الاجتماع، خاصة اذا أخذنا بنظر الاعتبار أن قضیة الانفتاح و الانغلاق من الصفات النسبیة فقد یکون المجتمع منفتحاً بلحاظ معین و منغلقاً بلحاظ آخر، و هذا ما سنشیر الیه فی القسم الثانی من البحث.
2- کما مر فان کل مجتمع من المجتمعات یتحرک فی دائرتین دائرة المباحات و المحظورات، فیصنف على أساسها فی دائرة المجتمعات المنغلقة او المفتوحة. و المجتمع الاسلامی غیر خارج عن هذه القاعدة و له قوانینه الخاصة؟
بعض تلک القوانین الاسلامیة تمثل المعاییر و القیم الثابتة للمجتمع الاسلامی من قبیل أصل التعایش السلمی مع غیر المسلمین و التعامل معهم على أساس القیم و العدالة و المحبة[6]، أصالة الحوار المنطقی و الجدال بالتی هی أحسن[7]، عقد معاهدات الصلح وحسن الجوار[8]، حریة التجارة و العلاقات الاقتصادیة المتبادلة و....، و لا ینبغی التنکر أو إهمال وصیة النبی الاکرم (ص) حیث قال: "أکرم الجار و لو کان کافراً و أکرم الضیف و لو کان کافراً و أطع الوالدین و لو کانا کافرین و لا ترد السائل و إن کان کافراً"[9].فاذا کانت کل تلک التوصیات و القیم لا تکشف عن کون المجتمع مجتمعاً منفتحاً فأی شیء یعد کذلک؟!!
نعم، هناک توصیات و أحکام أخرى تختلف عن تلک التی مرت من قبیل ما جاء فی متن السؤال، أی عدم السماح للمسلمة الزواج من الزواج مع الکافر، فقد یعکس ذلک انغلاق المجتمع المسلم، لکن من غیر الصحیح أن تقیّم الامور على أساس الجزئیات بل لابد من دراسة القضایا مجتمعة و تقییمها بنحو عام و الخروج بنتیجة نهائیة؛ فاذا ما أخذنا بنظر الاعتبار عدم وجود مجتمع یتصف بالانفتاح التام و الکامل و لاحظنا من جهة ثانیة التعالیم الاسلامیة التی تجیز التعامل مع غیر المسلمین فی کثیر من الاحیان، فحینئذ لا یصح الحکم على المجتمع الاسلامی بالانغلاق لوجود بعض المحدودیات، بل ان المجتمع الاسلامی من المجتمعات المنفتحة حتى وفقاً للمعاییر التی قررها علماء الاجتماع الغربیون.
هذا من جهة، و من جهة أخرى إن تلک المحدودیات تکمن وراءها مجموعة من المبررات فعلى سبیل المثال یمکن ملاحظة السبب فی ممنوعیة ذلک الزوج فی المصادر الاسلامیة التی تعرضت لبیان ذلک[10].
[1] انظر: الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 533، باب تحریم مناکحة الکفار حتی أهل الکتاب، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ق.
[2] بروس کوئن، مبانی جامعه شناسی " مبانی علم الاجتماع"، ترجمة و اقتباس غلام عباس توسلی و رضا فاضل، ص 263، نشر سازمان سمت، طهران، 1372 ش.
[3] نفس المصدر، ص268.
[4] نفس المصدر،393.
[5] نهج البلاغة، ص 416، الکتاب رقم 45، انتشارات دار الهجرة، قم، بلا تاریخ.
[6] الممتحنة، 8، "لا ینهاکم الله عن الذین ...أن تبروهم و تقسطوا إلیهم".
[7] الزمر، 18، "الذین یستمعون القول ..."؛ العنکبوت، 46، "و لا تجادلوا أهل الکتاب إلا بالتی هی أحسن" و....
[8] النساء، 90؛ الأنفال، 72؛ التوبة، 4؛ النحل، 91 و ... .
[9] الشعیری، تاج الدین، جامع الأخبار، ص 84، انتشارات الرضی، قم، 1363 ش.
[10] منها الانعکاس السلبی على الاولاد وغیر ذلک من الاسباب التی لا یسع المجال لذکرها هنا. انظر: حر عاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 534، ح 26276.