ورد في المصادر التاریخية انه: عندما رجع الهرمزان من حرب القادسیة و تربّع في الأهواز علی عرش الملوکیة، کان في أطراف الأهواز بعض المدن؛ مثل میشان و مدن إیله، و کان المسلمون قد وصلوا إلی هذه المناطق، فانضم جیش البصرة الى جیش الکوفة، و اندلعت الحرب بينهما من جهة و بين جيوش الهرمزان من جهة اخرى، و انکسر الهرمزان بعد ما وقع في صفوف جيشه الکثیر من القتلی و الجرحی.
فنزل الهرمزان بجیشه سوق الأهواز و هي مدینة من مدن الأهواز، و احتل القلعة حین نزوله و دخل حرقوص مدینة سوق الأهواز و تصالح مع الهرمزان الذي استقر في رامهرمز، في حین إن حرقوص قد استقر في الأهواز، و بما أن یزدجر کان قد اطّلع علی ما یجري في الأهواز، أرسل من مدینة الري رسالة إلی قوم فارس جاء فیها: ... مُدّوا ید العون الآن إلی الهرمزان للمحافظة علی الأهواز و عدم سقوطها بيد المسلمين، و قد أرسل عمر أیضاً رسالة إلی أبي سبرةو قلّده قیادة جیش البصرة و الکوفة و قد نزل أبو سبرة الأهواز و حلّ في رامهرمز. فسیطر أبو سبرة علی رامهرمز و عسكر بجیشه مدة هناک، و انطلق هو إلی تستر (شوشتر). فحاصر أبو سبرة جیش تستر بمعونة أبي موسی. و أخیراً تصالح أبو سبرة مع الهرمزان. و نزل الأخیر من القلعة و استسلم بهذه الصورة و افتتحت خوزستان في سنة 18 هـ.ق.
جاء في تاریخ الطبري ما ملخصه: ان الهرمزان کان ملک خوزستان. و خوزستان (التي تسمّی الأهواز) تحتوي علی 70 مدینة، و قد أمر کسری الهرمزان بأن یضع التاج علی رأسه، حيث كان أحد البيوتات السبعة في أهل فارس التي تضع التیجان علی رؤوسهم کالملوک. لکنّ تيجانهم أصغر من تیجان ملوک کسری قلیلاً.
أرسل یزدجر إبن شهریار الهرمزان إلی حرب القادسیة و قد انکسر هناک و عاد ادراج الریاح؛ فلما انهزم الهرمزان يوم القادسية كان وجهه إلى أمته فملكهم وقاتل بهم من أرادهم فكان الهرمزان يغير على أهل ميسان ودست ميسان و أيلة. و کان المسلمون قد وصلوا إلی هذه المناطق، فحمل الهرمزان علی هذه المنطقة، عندها أرسل عتبة بن غزوان (الذي کان قائدا لجیش المسلمین) رسالة إلی عمر و طلب منه المدد، فأرسل عمر رسالة إلی سعد بن أبي وقاص یأمره بمساعدة عتبة، فأمده بنعیم بن المقرّن و عبد الله بن مسعود من الکوفة مع خمسة آلاف رجل، ووجه عتبة بن غزوان سلمى بن القين وحرملة بن مريطة وكانا من المهاجرين مع رسول الله (ص) وهما من بني العدوية من بني حنظلة فنزلا على حدود أرض ميسان ودستميسان، فاتّحد جیش البصرة بجیش الکوفة و وصلوا إلی صحراء میشان ثم تحرّکوا نحو الأهواز.
کان الهرمزان بمدینة تسمّی (نهرتیري) و کان قومها من عرب کلیب بن وائل من أطراف الأهواز، و کانوا علی عداء و خصومة مع الهرمزان بسبب النزاع على الحدود و الأراضي و القصبات التي بینهم و بین الهرمزان، فطلب المسلمون منهم المعونة في حرب الهرمزان. فأجابوهم و حددوا لهم يوما للبدء بحرب لهرمزان ليتسنى لهم مساعدة و الالتحاق بهم. فلما اطّلع الهرمزان علی الخطة اعدّ عدة الحرب بتعبئة جیشه، الا ان جیش المسلمين انقسم في الموعد المحدد إلی قسمین و دخل معهم سلمی بجیش الکوفة من جهة أخری. توقّع الهرمزان إن جیش المسلمین هو نفس جیش البصرة الأول، لهذا ضعف الهرمزان عندما نزل الجیش المیدان و رأی ما رأی، ولم يمر على الحرب إلا ساعة واحدة عندما نزل جیش عرب کلیب بن وائل المیدان و اندلعت الحرب،و انکسر الهرمزان بضحایا کثیرة من القتلی و الجرحی.
نزل الهرمزان بجیشه سوق الأهواز و احتلّ القلعة. و قد غنم المسلمون غنائم کثیرة وكتب بالفتح والاخماس إلى عمر ووفد وفدا بذلك فحمد الله ودعا له بالثبات والزيادة. استقرّ الهرمزان في القلعة، لکنه خرج منها بعد ذلک للحرب. تسلم عتبة و حرقوص قیادة الجیش بعد مجیئهم من المدینة. جاء حرقوص و عبر نهر الدجیل بکل جیشه و انطلق إلی الهرمزان و وقعت بينهما حرب لم تشهدها البصرة و الأهواز من ذي قبل، قتل المسلمون منهم مقتلاً عظیماً فانکسر الهرمزان أخیراً و فرّ إلی مدینة رامهرمز و حُوصر هناک أیضاً، کما و نزل حرقوص مدینة سوق الأهواز، و أرسل شخصاً یسمی جزء بن معاویة إلی الهرمزان؛ فعندما رأی الهرمزان أن الجیش قد حاصره من کل جهة (و قد کانت بیده أربعةً من مدن الأهواز: و هي رامهرمز و تستر و سوسن و جندي شاپور و قد کانت مدینة سوق الأهواز أکبر من باقي المدن التي بید المسلمین) أرسل رسولاً إلی جزء بن معاویة و حرقوص بن زهیر طالباً منها الصلح، بعث حرقوص رسالته إلی عمر، فأجابه عمر بأن یتصالح معه، لتبقی مدن الاهواز التي کانت بیدکم علی حالها، و سلّموا إلیه المدن التي کانت بیده. فتصالح المسلمون مع الهرمزان علی هذا الشرط فاستقر الهرمزان في رامهرمز و حرقوص في الأهواز.
عندما اطّلع یزدجر علی أخبار الأهواز و فارس و مجيء الجیش إلی البحرین و رجوعه،قالوا: ولم يزل يزدجرد يثير أهل فارس أسفا على ما خرج منهم فكتب يزدجردلى أهل فارس وهو يومئذ بمرو يذكرهم الاحقاد ويؤنبهم أن قد رضيتم يا أهل فارس أن قد غلبتكم العرب على السواد وما والاه والاهواز ثم لم يرضوا بذلك حتى توردوكم في بلادكم وعقر داركم فتحركوا وتكاتبوا أهل فارس وأهل الاهواز وتعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على النصرة وجاءت الاخبار حرقوص بن زهير وجاءت جزءا وسلمى وحرملة عن خبر غالب وكليب فكتب سلمى وحرملة إلى عمر وإلى المسلمين بالبصرة فسبق كتاب سلمى وحرملة..
فلما اطّلع عمر علی ما في هذه الرسالة و إن الهرمزان قد تقوّی بجیش فارس و نکث الصلح. کتب عمر رسالة إلی أبي موسی بأن تحرّک بالجیش من البصرة و أرسل أبا سبرة لیواجه جیش الأهواز و یحتلّها و یزیل الهرمزان عن طریقه لیبعد عنها طمع جیش فارس. فأرسل أبو موسی جیشاً من البصرة، کما و کتب عمر رسالة إلی سعد بن أبي وقاص و أمره بإرسال جیش من العراق إلی الأهواز لینضم إلی جیش البصرة و یحارب الهرمزان. فأرسل سعد جیشاً من الکوفة مع نعمان بن المقرّن نحو الأهواز. و کتب أیضاً عمر رسالة إلی أبي سبرة و أعطاه قیادة جیش البصرة و الکوفة. فذهب هو و دخل الأهواز و حلّ في رامهرمز.
تصوّر الهرمزان بأن الحيّ من فارس سیعینه فأرسل رسولاً و طلب منهم المعونة. أرسل الحي جیش فارس و فنزل مدینة تستر و قد کانت قلعة تستر أکثر تحصّناً من قلعة رامهرمز. عندما رأی الهرمزان بأن جیش المسلمین کبیر خرج من قلعة رامهرمز و دخل تستر و انضمّ هناک إلی جیش فارس. ثم احتل أبو سبرة رامهرمز و أنزل جیشه فیها مدة، و انطلق نحو تستر. و کتب رسالة إلی عمر یخبره فیها بمجيء معونة من فارس و یطلب منه بإرسال معونة له. فکتب عمر رسالة إلی أبي موسی یطلب منه أن یسیر بکل جیشه من البصرة لمساعدة أبي سبرة، ذهب أبو موسی لمساعدة أبي سبرة، و حاصروا جیش تستر. انتظر ستة أشهر، وقع خلالها ثمانون معركة، حیث کان المسلمون خارج القلعة و هم في الداخل، و قد قتل من الفريقين قتلی کثیرون و قد ضاقوا ذرعاً من الحرب.
اشترک في هذه الحرب شخص بإسم براء بن مالک و هو صحابي جلیل و کان مستجاب الدعوة. کتب عمر إلی الجیش بأن براء أینما یکون اطلبوا منه الدعاء و لیدعو کل من معه، فعندما ضاق الناس کلهم ذرعاً بالحرب اجتمعوا علی باب القلعة و طلبوا منه الدعاء و أن یطلب من الله النصر لهم. فرفع براء یده بالدعاء قائلاً: إلهي ارزقني الشهادة و ارزق المسلمین الفتح. و عندما خرجوا في الیوم الثاني للقتال خرج سهم من القلعة و أصاب البراء و قتله. فصاح الناس هذا وقت النصر، لأن نصف دعائه استجیب، فلابد و أن یستجیب الله النصف الآخر. فجأةً جاءهم شخص من المدینة و طلب منهم الأمان لیدلّهم علی طریق یدخلون به القلعة. فأعطاه أبو سبرة الأمان، فقال: یوجد تحت هذا الجدار طریق یدخل منه الماء إلی القلعة و یمکنکم الدخول منه أیضاً. مُر الجیش بأن یجلس منهم هنا مئة شخص عندما یحین اللیل حتی أخرج من القلعة و اُدخلهم معي. فأجلس أبو سبرة مئة رجل محارب و ترک باقي الجیش خارجاً في حالة الإستعداد، فخرج هذا الرجل من القلعة و دلّ الأفراد علی الطریق و دخل القلعة و تَبعوه جمیعاً إلی داخل القلعة و فتحوا بابها.
توجد قلعة أخری في داخل هذه القلعة یكمن فیها الهرمزان لیلاً بألف رجل رامٍ ثقة إلی الصباح، ثم یخرج بعدها من القلعة. فعندما سیطر الجیش هذه اللیلة علی القلعة الأولی وجدوا الهرمزان في الصباح مع ألف رجل داخل تلک القلعة. کانت القلعة الثانیة أکثر استحکاماً و صلابة من القلعة الأولی بمئة مرة. عندما قال أبو سبرة: أیها الناس، الأمر –کما ترون- باقٍ علی حاله.
أخرج الهرمزان رأسه من القلعة فرأی أبا سبرة و قال له: لا تکف نفسک کثیراً منذ ان بنی شابور هذه القلعة لم یفتحها أحد لحد الآن و لا یمکن له فتحها. معي ألف رجل رامٍ لا یضع أحدهم سهامه علی الأرض أبداً، و مع کل رجل منهم مئة قوس و ألف عود سهم، و هم مستعدون لفتح هذه الأقواس و لیخرج منها ألف ألف عود سهم لیصیب بکل واحد منها رجلاً من المسلمین و یقتله، و لا یصل عدد المسلمین في العالم ألف ألف رجل. إذن عندي من السلاح و الرجال یمنع منکم ألف ألف رجل. قال أبو سبرة: ماذا ترید أن نصنع بک؟ قال: أخرج من هذه القلعة بحکم عمر لا بحکمکم، ثم أرسلوني إلی عمر لیصنع فيّ ما یشاء، إما أن یقتلني أو یترکني حیّاً. فقبل أبو سبرة الشرط و تصالح علیه، فنزل الهرمزان من القلعة و استسلم بهذه الطریقة. [i] و فُتحت خوزستان في سنة 18 هـ.ق.
لقد تناول بحث دخول الإسلام إلی خوزستان کتب تاریخیة عدیدة فلو تجاوزنا عن بعض الاختلافات لوجدناها کلها تروي هذه الواقعة التاریخیة بطریقة واحدة و نحن هنا اخترنا من بینها تاریخ الطبري لهذا التحقیق و یمکنکم الرجوع إلی الکتب الآتیة لمزید من المعلومات:
1- الدینوري، أبو حنیفة أحمد بن داوود، الأخبار الطوال، المهدوي الدامغاني، محمود،
2- المقدسي، مطهر بن طاهر، الخلقة و التاریخ (آفرینش و تاریخ)، الشفیعي الکدکني، محمد رضا، ج 2، ص 855.
3- المقدسي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، أحسن التقاسیم، المنزوي، علي نقي، ج 2، ص 618.
4- إبن خلدون، تاریخ إبن خلدون، الآیتي، عبد المحمد، ج 1، ص 536 و 537.
[i] البلعمي، تاریخ الطبري، الروشن، محمد، ج 3، ص 490-499، نشر: سروش، طهران، الطبعة الثانیة، 1378 ش (بتصرّف و تغییر).