لقد جعل الله سبحانه حرکة ظلّ الأجسام یمیناً و شمالاً في هذه الآیة دلیلاً علی عظمته و أن هذه الحرکة بالنسبة لهذه الأجسام سجود تواضع و خضوع أمام الله سبحانه. فلظلال الأجسام دور مهم و مؤثّر في حیاتنا فهي تقوم بتعدیل نور أشعة و حرارة الشمس، و تساعدنا في رؤیة الأجسام و غیر ذلک. و للمفسّرین نظریات متعددة لعلة مجيء لفظ «الیمین» مفرداً و «الشمائل» جمعاً نشیر إلیها في الجواب التفصیلي.
لقد جعل الله سبحانه حرکة ظلّ الأجسام یمیناً و شمالاً في هذه الآیة دلیلاً علی عظمته و أن هذه الحرکة بالنسبة لهذه الأجسام سجود تواضع و خضوع أمام الله سبحانه. و مما لا شک فیه أن لظلال الأجسام دور مهم و مؤثّر في حیاتنا و لعل الکثیر منا غیر ملتفت إلی هذه الحقیقة، من هنا وضع القرآن الکریم إصبعه علی هذه المسألة لیثير الإنتباه حول هذه القضية المهمة.[1]
للظلال (التي هي لیست سوی عدم النور) فوائد جمّة:
1- کما أن لأشعة الشمس دوراً أساسياً في حیاتنا، فکذلک الظلال، لأنها تقوم بعملیة تعدیل حرارة أشعة الشمس، إن الحرکة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل و مؤثر، و بدون الظلال یحترق کل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة و بدرجة واحدة و لمدة طویلة.
2- و ثمّة موضوع مهم آخر و ربّما علی خلاف تصوّر معظم الناس ألا و هو: إن النور لیس هو السبب الوحید في الرؤیة، بل لابدّ من اقتران الظل بالنور لتحقق الرؤیة بشکل طبیعي. و بعبارة أخری: إن النور لو کان یحیط بجسم ما و یشع علیه باستمرار بما لا یکون هناک مجال للظلّ أو نصف الظلّ، فإنه و الحال هذه لا یمکن رؤیة ذلک الجسم و هو غارق بالنور.
أي: کما أنه لا یمکن رؤیة الأشیاء في الظلمة المطلقة، فکذا الحال بالنسبة للنور المطلق، و یمکن رؤیة الأشیاء بوجود النور و الظلمة (النور و الظلال)، و علی هذا یکون للظلال دور مؤثّر جدّاً في مشاهدة و تشخیص و معرفة الأشیاء و تمییزها (فتأمل).
و ثمة ملاحظة أخری في الآیة: و هي ورود «الیمین» بصیغة المفرد في حین جاءت الشمال بصیغة الجمع «شمائل». فللمفسّرین نظریات مختلفة في بیان علّتها نشیر هنا إلی بعضهت:
1- فالاختلاف في التعبیر یمکن أن یکون لوقوع الظلّ في الصباح علی یمین الذي یقف مواجهاً للجنوب ثم یتحرّک باستمرار نحو الشمال حتی وقت الغروب حین یختفي في أفق الشرق،[2] فللظلّ معنیً في جهة الشمال.
2- ان کلمة «الیمین» مفردة إلا أنّه یمکن أن یراد بها الجمع في بعض الحالات، و هي في هذه الآیة تدل علی الجمع. [3]
قیل: ان الله سبحانه جاء بلفظ «الیمین» مفرداً للخلاصة و الاختصار (و إن أراد منه الجمع)، و «یمین» ترجع إلی لفظ «الشيء» و هو مفرد، أما «شمائل» فترجع إلی معنی «الشيء» و هو جمعٌ، لأن المراد من لفظ «الشيء» هو الجمع.[4]
3- إفراد لفظ «الیمین» و جمع «الشمائل» للإشارة لکن جهة الشمال متعددة، لأن الیمین المعنویة لکل شيء هي الجهة الإلهیة له، أما شماله فالجهات الخلقیة له و کثرة الوجهة الإلهیة منطویة في وحدتها، و وحدة الوجهة الخلقیة فانیة في الکثرة.[5]
4. و هناك من قال انه ذلك من قبيل التفنن، و ان الله تعالى: أفرد اليمين، لأن المراد به جنس الجهة كما يقال المشرق. و جمع الشَّمائِلِ مرادا به تعدّد جنس جهة الشمال بتعدّد أصحابها، كما قال: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ [سورة المعارج: 40]. فالمخالفة بالإفراد و الجمع تفنّ.[6]
[1] المکارم الشیرازي، ناصر، الأمثل، ج 8، ص 206 (بقلیل من التصرّف)، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.
[2] تفسیر القرطبي، ذیل الآیة المذکورة.
[3] الرازي، أبو الفتوح، روض الجنان و روح الجنان في تفسیر القرآن (تفسیر أبو الفتوح الرازي)، ج 12، ص 45، نشر مؤسسة التحقق الإسلامیة للعتبة الرضویة المقدسة، مشهد، 1408 ق.
[4] البغدادي، علاء الدین علي بن محمد، لباب التأویل في معاني التنزیل، ج 3، ص 80، نشر دار الکتب العلمیة، بیروت، 1415 ق.
[5] الخاني رضا/ الریاضي، حشمة الله، ترجمة بیان السعادة، ج 8، ص 130، طبع و نشر جامعة پیام نور، طهران، 1372 ش.
[6] الطاهر بن عاشور، التحرير و التنوير، ج13، ص: 136.