إن انتقال روح الإنسان بعد الموت إلى جسد إنسان أو حیوان آخر… إنما عقیدة القائلین بالتناسخ و هی عقیدة باطلة فی الإسلام. إن الروح بعد ما تغادر الجسد فی الدنیا، تنتقل إلى جسم مثالی و تعیش الحیاة البرزخیة إلى قیام القیامة. إن عالم البرزخ الذی قد یعبر عنه بعالم القبر أو عالم الأرواح یقع فی المرتبة الوسطى بین الدنیا و الآخرة. و الدلیل على وجود هذا العالم هو بعض الآیات و الروایات.
1ـ تعدّ مسألة مصیر الإنسان بعد الموت من المسائل التی طالما شغلت ذهن البشر و أرّقته و دفعته إلى البحث عن جواب مقنع و مستدل.
و من بین مختلف الإجابات و النظریات التی تفسر ظاهرة الموت و انتقال الروح، نواجه رؤیة معروفة بنظریة التناسخ. و تحکی هذه النظریة عن قطع ارتباط الروح عن الجسد و تعلقها بجسد إنسان أو حیوان آخر. و قد کانت هذه النظریة رائجة منذ العصور القدیمة فی بعض مناطق العالم. و کان یعتقد بعض ملوک الهند و الیونان أن روح الإنسان بعدما تخرج من جسدها الأول تلج فی جسم إنسان مشابه للأول فی الخلق و الصفات.
و فی کل مناطق العالم هناک من یعتقد بهذه النظریة. و فی العالم الإسلامی أیضا ذهب إلیها بعض الحکماء و المتکلمین و بعض الفرق بأسلوب آخر. و فی مناطق محدودة من البلدان العربیة و خاصة فی سوریا و لبنان، نستطیع أن نعتبر الدروزیة (و هی فرقة منشعبة من الإسماعیلیة) من زمرة المعتقدین بالتناسخ.
کما أن نظریة التناسخ کانت القاسم المشترک بین جمیع الفرق الغالیة على مر التاریخ. فإن قادة هذه الفرق المتطرفة و بسبب عقیدتهم بالتناسخ کانوا یعرّفون أنفسهم أئمة و أنبیاء و حتى آلهة لأتباعهم.
ینقسم القائلون بالتناسخ إلى خمسة أقسام:
1ـ1، النسوخیة و هم الذین یعتقدون أن روح الإنسان بعد الموت سوف تتعلق بجسم آخر، فإن کان صالحا تلج فی جسم الصالحین و إن کان طالحا تلج فی جسم الکفار و الفجار.
2ـ1، المسوخیة و هم الذین یعتقدون أن روح الإنسان بعد الموت إن کان صالحا تتعلق بجسم حیوان ممدوح کالبلبل و الکناری و… و إن کان من الأشرار فتتعلق بجسم حیوان خبیث کالکلب و الخنزیر و أمثالهم.
3ـ1، الفسوخیة و هم الذین یعتقدون أن روح الإنسان تتمثل بالورود و الفواکه أو النباتات المرة و النتنة کالحنظل و أمثاله حسب مقتضى خیرها أو شرها.
4ـ1، الرسوخیة و هم الذین یعتقدون أن روح الإنسان تتعلق فی بدایة الأمر بالجمادات ثم بالنباتات ثم بالحیوانات و بعد ذلک بالإنسان.[1]
و یعتقد القائلون بالتناسخ أن هذه الحرکة حرکة مستمرة لا نهایة لها، و إن الجنة و النار فی الرؤیة التناسخیة إنما هی الانتقال إلى الأجسام الصالحة أو الطالحة من أجل نیل الثواب أو العقاب. و تستمر حرکة انتقال الروح فی الأجساد إلى أن تصفو الروح و تصعد إلى السماء و تحل فی جسم الملائکة و تکون فی زمرة الملائکة.[2]
إن التناسخ أمر باطل و مردود فی الإسلام. للتعرف على أدلة بطلان التناسخ راجع سؤال 1099 (الموقع: 1154) الموضوع: رؤیة الإسلام تجاه التناسخ.
لقد ورد فی حدیث طویل عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدین و زینوا لأنفسهم الضلالات و أمرجوا أنفسهم فی الشهوات…و أنه لا جنة و لا نار و لا بعث و لا نشور و القیامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه فی قالب آخر. [3]
إن الموت فی الإسلام إنما هو نقطة انتهاء الحیاة الدنیویة و خروج الروح عن الجسم المادی، ثم تلج الروح فی جسم مثالی و تبدأ بحیاة أخرى فی عالم البرزخ.
إن الجسم المثالی یشبه الجسم المادی، لکنه خال من أکثر خواصّ الجسم المادی. یقول الإمام الصادق (ع): "فَإِذَا قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَیَّرَ تِلْکَ الرُّوحَ فِی قَالَبٍ کَقَالَبِهِ فِی الدُّنْیَا"[4]
2ـ أما بالنسبة إلى مصیر الإنسان بعد الموت ففی الواقع إن الإنسان یواجه موتین و حیاتین فی حرکته. و قد أشار القرآن إلى هذه الحقیقة فقال سبحانه: "قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبیل"[5]
قال بعض المفسرین إن المقصود من الإماتتین و الإحیاءین المذکورین فی الآیة المبارکة هو الإماتة فی آخر الحیاة فی الدنیا و الإحیاء فی البرزخ ثم الإماتة فی البرزخ و الإحیاء فی یوم القیامة للحساب. [6]
أما ما هو البرزخ؟
"البرزخ" هو الحد الفاصل و الحائل و الواسطة بین الإثنین کالمادة و الروح و غیرهما و سمی "عالم المثال" بعالم البرزخ لأنه الحد الفاصل بین الأجسام الکثیفة المادیة و عالم الأرواح المجردة و الحد الفاصل بین الدنیا و الآخرة.[7] إن عالم البرزخ الذی قد یعبر عنه بعالم القبر أو عالم الأرواح یقع فی المرتبة الوسطى بین الدنیا و الآخرة. و الدلیل على وجود هذا العالم هو بعض الآیات و الروایات.
لقد ذکرت الحیاة البرزخیة المتعاقبة بعد الموت فی عدة آیات من القرآن، منها قوله تعالى: " مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى یَوْمِ یُبْعَثُون"[8] فظاهر الآیة یثبت وجود هذا العالم بین الدنیا و الآخرة.
و من الآیات التی تثبت وجود هذا العالم بصراحة، هی الآیات الدالة على حیاة الشهداء کقوله تعالى: "وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذینَ قُتِلُوا فی سَبیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُون"[9]
و لیس البرزخ خاصا بأولی الدرجات العلیا من المؤمنین کالشهداء، بل هو ثابت للکفار الطاغین من أمثال فرعون و أصحابه أیضا کما أشار القرآن إلى ذلک: "النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوًّا وَ عَشِیًّا وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذاب"[10]
فکما أشرنا أن هذه الآیات بالإضافة إلى أنها تؤید الحیاة البرزخیة بعد الموت، یمکن أن نکتشف من مضمونها کیفیة حیاة الصالحین و العاصین کذلک.
و هناک روایات کثیرة قد وردت عن المعصومین (ع) بهذا المضمون و تشتمل على بیان کیفیة الحیاة البرزخیة للناس.
فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) فی کلامه عن حال الشیعة یوم القیامة فقال: "أَمَّا فِی الْقِیَامَةِ فَکُلُّکُمْ فِی الْجَنَّةِ بِشَفَاعَةِ النَّبِیِّ الْمُطَاعِ أَوْ وَصِیِّ النَّبِیِّ وَ لَکِنِّی وَ اللَّهِ أَتَخَوَّفُ عَلَیْکُمْ فِی الْبَرْزَخِ!! قُلْتُ: وَ مَا الْبَرْزَخُ؟! قَالَ: الْقَبْرُ مُنْذُ حِینِ مَوْتِهِ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَةِ"[11]
و فی حدیث آخر سئل الإمام الصادق (ع) عن أرواح المؤمنین فقال: "إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِینَ لَفِی شَجَرَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ یَأْکُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا وَ یَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا وَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَقِمِ السَّاعَةَ لَنَا وَ أَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا وَ أَلْحِقْ آخِرَنَا بِأَوَّلِنَا"[12]
طبعا إن البرزخ مقر مؤقت و تمهید لیوم القیامة و الجنة و النار الخالدة. فلم یحاسب أحد فی عالم البرزخ حسابا کاملا، و لم یحسم الحکم فیما اکتسب. و غیر الخلود الذی هو شأن القیامة، إن کیفیة العقاب و الثواب أیضا من الفوارق بین هذین العاملین. یقول القرآن الکریم: "النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوًّا وَ عَشِیًّا وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذاب"[13] فاعتبرت هذه الآیة أن عذاب أهل جهنم هو العرض على النار و عذابهم یوم القیامة هو الدخول فیها. و کذلک الحال بالنسبة إلى النعم بین عالم البرزخ و الجنة.
و بحسب نقل بعض الروایات، إن هذا هو العالم الذی یعذب فیه بعض المؤمنین العاصین الذین لم یوفقوا للتوبة، من أجل أن یطهر وجودهم و ینالوا التوفیق للدخول فی جنة الخلد.[14]
للحصول على المزید من المعلومات عن البرزخ، راجع المواضیع التالیة:
التعرف على أحوال الأموات فی عالم البرزخ، 1150 (الموقع: 1172)
التکامل البرزخی، 10808 (الموقع: 10625)
البرزخ و الحیاة البرزخیة، 3891 (الموقع: 4160)
الثواب و العقاب فی البرزخ، 9457 (الموقع: 9447)
[1] طیب، سید عبد الحسین، کلم الطیب در تقریر عقاید اسلام، ص 638 الطبعة الثالثة، انتشارات المکتبة الاسلامیة.
[2] الحسنی الرازی، السید مرتضی، تبصرة العوام فی معرفة مقالات الأنام، ص 89، الطبعة الثانیة، انتشارات اساطیر،1364 هـ ش.
[3] طبرسی، احمد بن علی، الاحتجاج، ج 2، ص 344، نشر المرتضی، مشهد مقدس ،1403 هـ ق.
[4] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 3، ص 245، الطبعة الرابعة، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش
.[5] غافر، 11.
[6] الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 475، الطبعة الخامسة، مکتب النشر الاسلامی، قم، 1417 ق
[7] راجع: سید جعفر سجادی، فرهنگ علوم فلسفى و کلامی، نثر طوبى یا دایرة المعارف لغات قرآن، 1357ش.
[8] مؤمنون،100.
[9] آل عمران، 169.
[10] غافر، 46. راجع: مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج10، ص507.
[11] الکافی،ج 3 ص 242.
[12] الکافی،ج 3 ص244.
[13] غافر، 46. راجع: مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج10، ص507
[14] المجلسی، محمد باقر، بحارالأنوار، ج 7، ص 81، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.