تعرضت الآیات المبارکة للتعریف بالخسران المبین و التعاسة التی ما فوقها تعاسة و الذی عبرت عنه بالخسران المبین و ذلک عندما یفقد الانسان ملکة التمییز بین الحق و الباطل و الصالح و الطالح، و هذا هو الخسران الحقیقی الذی یفقد فیه الانسان رأسماله المادی و المعنوی و یضعه فی الطریق المنحرف، و مع ذلک یحسب أنه یحسن صنعا!! فلا ینتفع من سعیه و حرکته و لا هو اتعظ من الخطأ و لم یحترز من الوقوع فیه مرة أخرى.
و هذا الانحراف و الضلال ینشأ من عدة عوامل منها اتباع هوى النفس و الانسیاق مع العقائد الباطلة و الافکار المنحرفة؛ و اما لو استجاب الانسان لنداء الفطرة التی تدعوه دائما الى عمل الصالحات و تسوقه نحو الخیرات و تحذره من مخالفة الباری تعالى، فحینئذ یمتلک القدرة على التمییز بین الاعمال الصالحة و الطالحة، و لقد أشار القرآن الکریم الى هذه الحقیقة فی قوله تعالى: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً وَ یُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظیمِ".
من الواضح أن الآیتین من سورة الکهف "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرینَ أَعْمالاً* الَّذینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعا"[1] تشیران بنحو کلی الى نوعین من التفکیر و الحسبان فهناک تفکیر و حسبان حسن و الآخر ظاهره الصلاح و باطنه الضلال؛ و نحن اذا نظرنا الى العوامل الفاعلة فی الخطأ فی التفکیر و فقدان ملکة التمییز الصحیحة بین الحسن و القبیح، یمکننا الاشارة الى عدة عوامل:
1. اتباع هوى النفس: من نتائج اتباع الهوى و الانسیاق وراء رغبات النفس الأمارة و میولها و عدم التقوى، اختلال الموازین عند الانسان فیحسب أعماله الطالحة صالحة و القبیحة جمیلة. و بعبارة أخرى: ان الانسان اذا سار مع الفطرة التی تدعوه دائما الى عمل الصالحات و تسوقه نحو الخیرات و تحذره من مخالفة الباری تعالى، فحینئذ یمتلک القدرة على التمییز بین الاعمال الصالحة و الطالحة، قال تعالى فی کتابه الکریم: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً وَ یُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ و یَغْفِرْ لَکُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظیمِ".[2]
قال تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُون".[3]
یعنی أن الفطرة تسوق الانسان نحو الله تعالى، و لکن قد تؤدی الذنوب التی یقترفها الانسان الى القضاء على هذا النداء الباطنی و جرّه الى اتباع الشیطان و فی نهایة المطاف تلتبس الامور علیه فیفقد حاسة التمییز بین الحق و الباطل و الصالح و الطالح.
قال تعالى فی کتاب الکریم: "وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَیَّنَ لَکُمْ مِنْ مَساکِنِهِمْ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبیلِ وَ کانُوا مُسْتَبْصِرین".[4]
و قد صرحت یات کثیرة بتزیین الشیطان الاعمال القبیحة للانسان و اظهارها بمظهر الحسن و الخیر.
2. الافکار و العقائد الباطلة: قد یحصل الالتباس بین الخیر و الشر و القبیح و الحسن نتیجة عدم تعقل الانسان و إمعانه فی عواقب تلک الافعال، الأمر الذی یجعله یتصور الباطل حقا و القبیح حسناً.
نکتفی بذکر هذین العاملین و ندعوکم لمراجعة الکتب الروائیة و الاخلاقیة التی تعرضت لبیان هذه المشکلة.