اختلفت کلمة الباحثین فی تفسیر العقل باختلاف العلوم المبحوث عنه فیها، فتارة عرّف العقل تعریفا عرفیا کالانسان العاقل و الناس العقلاء و...
المعنى الآخر للعقل، ما اشار الیه الفلاسفة فی ابحاثهم الفلسفیة و استعملوه فی دراساتهم العقلیة؛ بمعنى ان العق هو الحاکم و القاضی فی الابحاث الفلسفیة. و من الاصطلاحات الاخرى للعقل ما ورد فی الروایات و فی فهم الدین.
لیس من الضروری ان یکون المنکر للدین و المتمرد على القیم قد انتفع بالعقل الذی یؤیده الدین، فمثل هؤلاء الناس ینطلقون من العقل المحاسب فینظرون الى قضایا جزئیة و منافع عابرة یرجحونها على غیرها و لیس من الضروری ان یکون عقلهم هذا عارفا بالدین و مدرکا للثمار و الفوائد المترتبة علیه و المقرّب من الله تعالى.
تعریف العقل
اختلفت کلمة الباحثین فی تفسیر العقل باختلاف العلوم المبحوث عنه فیها، فتارة عرّف العقل تعریفا عرفیا کالانسان العاقل و الناس العقلاء و...
المعنى الآخر للعقل، ما اشار الیه الفلاسفة فی ابحاثهم الفلسفیة و استعملوه فی دراساتهم العقلیة؛ بمعنى ان العق هو الحاکم و القاضی فی الابحاث الفلسفیة. و من الاصطلاحات الاخرى للعقل ما ورد فی الروایات و فی فهم الدین. و بعد هذه الاطلالة السریعة على التعاریف و الرؤى المذکورة للعقل لابد من البحث فیها لنجد ماهی نقاط الالتقاء و الارتباط بینها.
1. العقل الفلسفی، هو القوة و القدرة على ادراک الامور الکلیة. و حسب تعبیر الفلاسفة، العقل مدرک للمفاهیم الکلیة و لا علاقة له بالجزئیات. و کما یقول الملا هادی السبزواری فی شرح المنظومة: ان العقل شأنه إدراک الکلیات و یجلّ عن إدراک الجزئیات المتحولة و المتغیرة و الزائلة. فالعقل مهمته ادراک الکلیات و المفاهیم الکلیة.
إذن العقل هو القوة المدرکة.و قد وقع البحث کثیرا بین الفلاسفة فی اثبات هذه القوة و هل هی موجود فعلا أو لا؟
وقد اسند صدر المتألهین فی کتاب الاسفار الاربعة هذه المسالة الى القرآن الکریم حیث قال: و تحقیق الکلام فیه « أی فی للذهن قوة على اکتساب العلوم أی جوده التهیؤ على اکتساب العقائد و الآراء» أن الله تعالى خلق الروح الإنسانی خالیا عن تحقق الأشیاء فیه و عن العلم بها کما قال تعالى (أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً) لکنه ما خلقه إلا للمعرفة و الطاعة (وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ) و لو لم یکن خلق الروح الإنسانی لأجل معرفة حقائق الأشیاء کما هی لوجب أن یکون فی أول الفطرة أحد تلک الأشیاء بالفعل لا أنها خالیة من الکل کما أن الهیولى لما خلقت لأن یتصور فیها الصور الطبیعیة کلها کانت فی أصل جوهرها قوة محضة خالیة عن الصور الجسمیة فهکذا الروح الإنسانی و إن کان فی أول الفطرة قوة محضة خالیة عن المعقولات لکنها من شأنها أن تعرف الحقائق و تتصل بها کلها فالعرفان بالله و ملکوته و آیاته هو الغایة و التعبد هو التقرب إلیه و السلوک نحوه و أن کانت العبادة أیضا مشروطة به نتیجة له کما قال تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی) فالعلم هو الأول و الآخر و المبدأ و الغایة فلا بد للنفس من أن تکون متمکنة من تحصیل هذه المعارف و العلوم و ذلک التمکن هو هیئة استعدادیة للنفس لتحصیل هذه المعارف و هی الذهن.[1]
و من هنا ترى الملاصدرا ینطلق من القرآن لاثبات وجود تلک القوة المدرکة فی الانسان.
2. العقل فی الروایات.
اما العقل المستعمل فی الروایات "ما حکم به العقل حکم به الشرع"، فهل هذا العقل متحد مع العقل الفلسفی أم لا؟
أصر الفلاسفة و خاصة المتألهین منهم على اتحادهما و کونه نفس العقل الفلسفی. فتعبیر الروایات عن العقل بانه: "ما عبد به الرحمن و اکتسبت به الجنان"[2].أی ما یوصل الى السعادة، و قد استعملت مفردة "العقل" فی الروایات فی مقابل "الجهل" و لهذا عقد الکلینی فی کتابه اصول الکافی فصلا تحت عنوان "کتاب العقل و الجهل"[3] و هذا التعبیر ینطلق من الروایات نفسها و یستند الیها، فقد جاء الحدیث فی روایة هشام المشهورة حول جنود العقل و التی شرحها الامام الخمینی (ره) فی کتابه (جنود العقل وجنود الجهل" و قام بتحلیلها و انتهى الى کون العقل هو تلک القوة التی تقرّب من الله تعالى.
فالعاقل هو الذی یبحث عن الله تعالى لیعبده، و اما من أعرض عن الله تعالى و طاعته فلا نصیب له من العقل أبداً. و ما جاء فی قوله تعالى "اکثرهم لا یعقلون" ناظر الى هذا المعنى، بمعنى أن اکثر الناس لیسوا بعقلاء.
3. أما العقل العرفی – خاصة المستعمل الیوم فی المعجم الفلسفی للعقل- فهو ما نعبر عن بالعقل المحاسب، العقل المصلحی الدنیوی. فمن استطاع ان یحصر منافعه فی دائرة ضیقة جدا فساقه ذلک لضیاع الکثیر من المنافع و الفرص الکبیرة، لاشک انه خاسر فی حسابته و فاشل فی تحقیق اهدافه الکبرى و من هنا یقع السؤال لماذا یضحی بهذا الکم الکبیر من المنافع من أجل منافع ضیقة و محدودة جدا، أ لیس من الاجدر التفکیر بالمنافع الکبرى؟ هذه العملیة من الموازنة و المحاسبة ولیدة العقل المحاسب. و هذا ما یعبر عنه فی العرف بان "فلان صاحب عقل" و "ؤلاء عقلاء". فالعاقل هنا بمعنى المحاسب و المدرک للمنافع و الاضرار التی قد یتعرض لها. و الملاحظ ان الفلسفیة الغربیة تهتم بهذا النوع من العقل إهتماما کبیراً، فالعقل الذی یتحدثون عنه - خاصة بعد عصر النهضة- هو هذا النوع من العقل و المحاسبة.
ذکر صدرالمتألهین (ره) فی شرح اصول الکافی مجموعة من المراتب و المعانی المختلفة للعقل. و کذلک جاء فی فرهنگ اصطلاحات فلسفی ملاصدرا، فی مراتب العقل العملی للانسان. و هی ایضا منحصرة بحسب الاستکمال فی اربع: الاولى تهذیب الظاهر باستعمال الشریعة الالهیة و الاداب النبویة، و الثانیة تهذیب الباطن و تطهیر القلب عن الاخلاق و الملکات الردیة الظلمانیة و الخواطر الشیطانیة، و الثالثة تنویره بالصور العلمیة و المعارف الحقة الایمانیة، و الرابعة فناء النفس عن ذاتها و قصر النظر و الالتفات عن غیر اللَّه الى ملاحظة الرب تعالى و کبریائه، و هی نهایة السیر الى اللَّه على صراط النفس الآدمیة.[4]
فکون العقل ذا مراتب أمر لاریب فیه و هی قضیة یقینیة. و بعبارة أخرى: یمکن اعتبار التعاریف الثلاثة للعقل من مراتب العقل؛ بمعنى أن إحدى مراتبه تتمثل فی العقل المحاسب الذی یدرک المصالح و المنافع الجزئیة. و إن کان الفلاسفة یعتقدون بانه لا یمکن اطلاق العقل –حقیقة- على هذا النوع من الادراک؛ و ذلک لان العقل لا شأن له بالجزئیات.
نعم، اذا استعمل العقل بمعناه الفلسفی و الذی یقسم بدوره الى العقل النظری و العقل العملی، تکون حرکة العقل فی دائرة الامور النظریة و العقل العملی فی دائرة الامور العلمیة؛ کالاخلاق، و السیاسات و... و التی بحثت فی الفلسفة القدیمة فی دائرة العقل العملی.
الآن و بعد تحلیل تعاریف العقل نستطیع الاجابة باختصار عن أصل السؤال، و هو: إذا کان الدین منسجما مع العقل و أن العقل مؤید للدین فلماذا نجد بعض العاقلین ملحدین لا یؤمنون بالدین؟
فنقول: لیس من الضروری ان یکون المنکر للدین و المتمرد على القیم قد انتفع بالعقل الذی یؤیده الدین، فمثل هؤلاء الناس ینطلقون من العقل المحاسب فینظرون الى قضایا جزئیة و منافع عابرة یرجحونها على غیرها و لیس من الضروری ان یکون عقلهم هذا عارفا بالدین و مدرکا للثمار و الفوائد المترتبة علیه و المقرّب من الله تعالى. و هذه حقیقة قد لایعترف بها کل من ابتلی بها، و حسب تعبیر بعض الباحثین أن الناس یفقدون شیئا مهما و لکن لا یعترف منهم أحد بذلک النقص، و هو العقل، فلا تجد انسانا یعترف بضعف عقله او نقصانه، الکل یدعی أنه یمتلک الحد الاقصى من العقل، فی الوقت الذی تراهم یعترفون دائما بعدم الصحة البدنیة مثلا حتى لو اصیبوا بامراض بسیطة لا تؤثر على سلامة سائر اعضاء البدن.
إذن هذا الصنف من الناس ینطلق من محاسبات خاطئة و نظرة ضیفة و ترکیز على قضایا جزئیة و هامشیة!! فاذا حاول الانسان الارتقاء بمعارفة و ادراکاته العقلیة مرتبة أسمى من المرتبة السابقة فحینئذ ینشط عنده ذلک العقل الذی وصف فی الروایات بانه "ما عبد به الرحمن و یکتسب به الجنان" فهذا هو العقل هو الذی یأخذ بید الانسان نحو الله تعالى، والذی قال له الله تعالى حینما خلقه – حسب ما ورد فی الاحادیث-: "أقبل فاقبل ثم قال له أدبر فادبر" أی العقل المطیع لله تعالى. و هذا النوع من العقل یوجد باعلى مراتبه لدى الانسان الکامل (إمام العصر –عج-) و من قبله سائر الائمة المعصومین (ع). و کلما اقترب الانسان من هذا النوع من العقل تکون ثمرته المعرفة الالهیة و الانتفاع بالفیض الالهی کثیراً.
لمزید الاطلاع انظر:
العقل و الدین 4910 (الموقع: 5284).
الاسلام و العقلانیة 3053 (الموقع: 3408) و 1061 (الموقع: 1533).