حمل الباء فی الفقرات الواردة فی مناجاة السحر على الطلب ینسجم مع قواعد الادب العربی و قد استعمل فی القرآن بنفس المعنى أیضا. ثم ان حمل الباء فیها على القسم مع الاخذ بنظر الاعتبار الفقرات الاخرى یعد خلافا للظاهر.
نقلت المناجاة المذکورة عن الامام الباقر (ع) و تعد احدى أهم المناجاة المرویة عنهم علیهم السلام و اتی تقرأ فی افضل اللیالی و الاوقات المتمثلة فی سحر لیالی شهر رمضان المبارک. و قد وصفت تلک المناجاة من قبل کبار العلماء بانها من أشد الادعیة عرفانیة و أنها تشتمل على حقائق التوحید الخالص فی مدرسة أهل البیت (ع).
ثم ان معنى قوله علیه السلام "الله إنی اسالک من جمالک باجمله" واضح لمن یجید فهم اللغة العربیة حیث یطلب الامام (ع) اجمل الجمال، کما تقول على سبیل المثال للشخص الکریم: "إن اسالک من کرمک باکرمه" و هذا هو المعنى المتبادر من العبارة، و اما حمل العبارة على القسم فنابع من تصور البعض بان هکذا طلب بعید جداً، و من هنا جعلوا جمیع الفقرات مقدمة للادعیة التی ینهی فیها الامام (ع) المناجاة. و الحال أن تلک المناجاة الشریفة هی فی الواقع مناجاة الانسان الکامل (الامام) حیث تکرر حتى النهایة نفس الطلب بقوالب متعددة مع ختم المناجاة بالتأکید على نفس الطلب.
من هنا لا یمکن حمل تلک المناجاة – و من دون دلیل روائی معتبر- على کونها مقدمة و قسماً (ای القسم على الله تعالى بصفاته الجمالیة و الجلالیة) یعقبه طلب الحاجات الاخرى.
اتضح ان تلک الفقرات تعنی - و طبقا لاصول الادب العربی – الطلب و لا یعد ذلک بحال من الاحوال من الامور المخالفة للظاهر، أضف الى ذلک أنه لا دلیل على حملها على القسم؛ الا عدم استیعابنا لتلک المعانی العظیمة؛ و هنا لابد من التأکید على أن تلک الفقرات صدرت من قبل الانسان الکامل و انها مناجاة بینه و بین ربّه تعالى، الامر الذی یکشف لنا بان الانسان اذا ما ارتقى فی سلم المعرفة و عرف مکانته و منزلته عند الله تعالى فحینئذ لا یطلب الا خلافة الصفات الالهیة و لا یقنع الا باللقاء مع الجمال و الجلال الربانّی.
" اللهم إنی اسئلک من جمالک باجمله و کل جمالک جمیل، اللهم إنی اسئلک بجمالک کله".[1]
و الذی یظهر من السؤال أن الافعال المأخوذة من مادة "سأل" إذا تعدت بالباء اعطت معنى القسم و لا یصح ارادة الطلب منها حینئذ!. و لکن هذا الفرض غیر صحیح و ذلک لان المصادر الاسلامیة توفرت على الکثیر من الحالات التی عُدّیت الکلمة بالباء مع ارادة معنى الطلب دون القسم کما فی قوله تعالى فی سورة المعارج: "سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِع".
أضف الى ذلک لو تأملنا فی بقیة فقرات نفس دعاء السحر نعثر على فقرة منه لا یمکن حملها بحال من الاحوال على القسم مع تعدی الفعل بالباء و هی قوله علیه السلام:
اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ مِنْ سُلْطَانِکَ بِأَدْوَمِه.
اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ مِنْ مُلْکِکَ بِأَفْخَرِه.
فلا معنی لحمل الفقرات التی جاء فیها مفردة باجمله و باجله على القسم.
[1] « الانسان الکامل هو الذی یستطیع رصد الجمال الالهی، بل یطلب کل انواع الجمال الالهی المتجلیة و الواصلة الى مرحلة الکمال » جوادی آملی، تسنیم ، تفسیر قرآن کریم، ج3، ص196، قم، مرکز نشر اسراء، 1378هـ ش.