للعلماء الروحانيين دور أساسي في انتصار الثورة الإسلامية و تأسيس و استقرار نظام الجمهورية الإسلامية و من ثم تطوره ونضجه، و يمكن تقسيم العلماء الروحانيين إلى ثلاثة فئات فيما يخص بناء حكومة الجمهورية الإسلامية:
- المناصب التي تكون حصرياً في أيدي علماء الدين، مثل قيادة الثورة و مجلس الخبراء الذي تناط به مهمة تعيين القائد و رئيس القوة القضائية و نصف من أعضاء (مجلس صيانة الدستور) (فقهاء مجلس صيانة الدستور) الذي يتعهد بمطابقة القوانين المقرة و المعمول بها مع تعاليم الشريعة الإسلامية.
- المناصب غير المنحصرة بالعلماء الروحانيين، و إنما يمكن أن يشارك بها غير الروحانيين أيضاً ممن تتوفر بهم الشروط كرئاسة الجمهورية و رئاسة المجلس و عضوية البرلمان و غير ذلك من المناصب المشتركة.
- المواقع و الوظائف التي يضطلع بها علماء الدين بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم في المجتمع، و منها على سبيل المثال، بيان معارف الإسلام الأصيل، و نشر الثقافة الإسلامية و ترويجها، التحقيق في الإسلام و تأليف الكتب و النصوص الدراسية، تهذيب نفوسهم و تحسين أخلاقهم و بث ذلك في مجتمعهم، بث الوعي في المجتمع و محاربة الظلم و الطاغوت، إجراء الأحكام الإسلامية في حالة إمكانية ذلك.
مقدمة
من الظواهر التي تجلت بوضوح في القرون الأخيرة نشاط الحركات الإسلامية و قيام الثورات في العديد من المجتمعات في العالم، و من الطبيعي أن يكون للعلماء الروحانيين دور بارز و مؤثر في هذا المجال، و قد أدى كثير منهم هذا الدور بجدارة و اقتدار و ذلك من خلال الصراع الذي فرضته هذه الظاهرة، و أما فيما يخص النهضة الإسلامية للشعب الإيراني المسلم التي بدأت في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين فإن علماء الشيعة كانوا في مقدمة الركب في الصراع، و قد قادوا المسيرة بكل اقتدار و كفاءة، و بغض النظر عن الدور الأساسي الذي لعبه الإمام الخميني (ره) و الذي يمثل الثقل الأكبر و محور قيادة الثورة، إلا أن العديد من العلماء لعبوا دوراً مهماً و فعالاً في جميع مراحل النهضة الإسلامية في إيران و حتى انتصار الثورة و بعد انتصار الثورة و تشكيل النظام الإسلامي، ساهم الكثير من في جزئيات ذلك النظام و كانوا الحجر الأساس في تقدمه وتطوره، و حيث إن نظام الحكم في إيران يبتني على الجمهورية و على الإسلام أي (جمهورية إسلامية) فقد كان للعلماء دور فعال في الجمهورية و في الإسلام، و مع الأخذ بنظر الاعتبار أن أكثر المتخصصين بالدين الإسلامي هم من الروحانيين، من الطبيعي أن يكون لهم موقع حساس و مهم و لا بديل له في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقد أشار الدكتور بهشتي إلى دور العلماء في انتصار الثورة الإسلامية و ذلك أنه يعتقد أن العلماء دخلوا الميدان السياسي بشكل تدريجي امتد ما بين عام 1341 هجري شمسي حتى 1357، و كان البعض أكثر حماساً حيث باشر العمل قبل هذا التاريخ، و هناك عدد دخل إلى ساحة العمل بعد هذا التاريخ، ففي عام 1357 أصبحت أكثر المساجد مواقعاً للقتال و مواضع حرب.[1]
و بعد انتصار الثورة الإسلامية تضاعفت مسؤولية العلماء، بسبب ما عليهم من تكليف وما أنيط بهم من واجبات حتى يبلغ النظام الإسلامي إلى قوته و استقراره، و كان عليهم أن يبذلوا جهوداً كبيرةً من أجل أن يصل المجتمع الإسلامي إلى نيل أهدافه و تحقيق أمانيه.
و من أجل أن يشاد النظام الإسلامي كان من اللازم أن تشرع له القوانين و الأنظمة قبل كل شيء، و بعد ذلك ينبغي تطبيق القوانين بأفضل ما يمكن، و هذا العمل بحاجة إلى أفراد من ذوي الخبرة و الاختصاص، و من الذين لهم علم و دراية بأحكام الإسلام و تشريعاته و بالمجتمع و حاجاته ليشرعوا و يقروا من الأحكام و التشريعات ما يلائم تلك التطلعات.
و بعد هذه المقدمات نعود إلى بيان الجواب الأساسي:
إن نظام الجمهورية الإسلامية يعتمد على ركيزتين أساسيتين: الجمهورية و الإسلامية، وعلى هذا الأساس و بالتوجه لهذين العاملين أقيم النظام الإسلامي، و بذلك يمكن تقسيم العلماء إلى ثلاث فئات تؤدي كل فئة منها دوراً محدداً في مفاصل النظام الإسلامي المشار إليه:
1.المناصب التي تكون حصرياً في أيدي علماء الدين، مثل قيادة الثورة، و مجلس الخبراء الذي تناط به مهمة تعيين القائد، و رئيس القوة القضائية، و نصف من أعضاء (مجلس صيانة الدستور).
- القيادة: من البديهي في النظر العقلي أن تكون الحاجة ماسة إلى الإدارة و القيادة في مجتمع يريد أن يقيم القوانين الإسلامية، و وجود القيادة هي الضمانة الوحيدة التي تقي النظام من أن يصاب باختلال القيم و ما يترتب عليه من أضرار.
و يمكن معرفة تفاصيل ذلك من جهة النقل بالرجوع إلى الموضوع (أدلة اثبات ولاية الفقيه السؤال رقم 1281 (موقع: ar247).
و على هذا الأساس فقد جاء في المادة 109 من القانون الأساسي ما نصه: (الشروط اللازم توفرها في القائد و صفاته هي: 1. الكفاءة العلمية اللازمة للافتاء في مختلف أبواب الفقه. 2. العدالة و التقوى اللازمتان لقيادة الأمة الاسلامية. 3. الرؤية السياسية الصحيحة، و الكفاءة الاجتماعية و الإدارية، و التدبير و الشجاعة، و القدرة الكافية للقيادة.
- العضوية في مجلس الخبراء: جاء في المادة 107 من القانون الأساسي: بعد المرجع المعظم و القائد الكبير للثورة الاسلامية العالمية و مؤسس الجمهورية الاسلامية سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس) الذي اعترفت الاكثرية الساحقة من الناس بمرجعيته و قيادته، توكل مهمة تعيين القائد الى الخبراء المنتخبين من الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة و التاسعة بعد المئة. و متى ما شخصوا فرداً منه باعتباره الاعلم بالاحكام و الموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية و الاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز باحدى الصفات المذكورة في المادة التاسعة بع المئة انتخبوه للقيادة، و الا فانهم ينتخبون أحدهم و يعلنونه قائداً، و يتمتع القائد المنتخب بولاية الأمر و يتحمل المسؤوليات الناشئة عن ذلك. و يتساوى القائد مع كل افراد البلاد أمام القانون.
ج- رئيس القوة القضائية: إن الشخص الذي ينصب على رأس القوة الفضائية لابد أن يتمتع بالمواصفات التالية بحسب المادة 157 من القانون الأساسي:
- أن يكون مجتهداً عادلاً.
- أن يكون مطلعا على الأمور القضائية.
- أن يكون مديراً و مدبراً.
و هذه الشروط لازمة لضمان تنفيذ و تطبيق القوانين الإسلامية و من المسلم أن شخصاً يدير القضاء في جميع نواحي البلاد لابد و أن يكون مجتهداً في المسائل الإسلامية.
د- مجلس صيانة الدستور:
الوظيفة الأساسية لمجلس صيانة الدستورتتمثل بالحفاظ على أحكام الإسلام و قوانينه و ذلك عن طريق النظر في القوانين و المقررات المصوبة، إن مثل هذا النظر المتعلق بمطابقة القوانين لشرع الإسلام يتطلب عالماً دينياً يقف على جميع خفايا الشرع الإسلامي، و لذلك لابد أن يكون ستة من أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عددهم 12 من الفقهاء العدول و من ذوي الخبرة و الاطلاع على مقتضيات الزمان و متطلبات العصر، و انتخاب هؤلاء مناط بقائد الثورة، و يتألف الستة الآخرون من الحقوقيين المرموقين و تناط بهم مهمة تطبيق مصوبات المجلس مع مواد القانون الأساسي، و يتم اختيارهم من قبل رئيس القوة القضائية.
2- الموارد التي يشترك فيها العلماء مع سائر الناس حيث يكون لهم في النظام دور اجتماعي و سياسي:
بعد أن تقر القوانين و تصوب تصل النوية إلى إجرائها و تطبيقها في المجتمع الاسلامي، و في هذا المجال فإن للعلماء كسائر الناس الحق في التصدي لهذه المهمة إذا كانت لديهم الصلاحية لمثل هذا الأمر و أعلى هذه المناصب تتمثل بالآتي:
- رئاسة الجمهورية. ب- رئاسة مجلس النواب، و عضوية البرلمان، و ذلك لأن العلماء و غيرهم من سائر الناس متساوين في امكانية أداء المسؤولية القيام بوظيفتهم في المسائل التنفيذية و الاجرائية.
3- الموارد التي يؤدي فيها العلماء دورهم بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم في البلاد:
من الضروري لكل دين أن يوجد في اوساط اتباعه أشخاص لهم اطلاع كامل و إحاطة بقوانينه و تعاليمه و شرائعه، و يكون واجبهم على طول الخط هو حماية و رعاية و حراسة هذه القوانين، و لا يشذ الإسلام عن هذه القاعدة العامة، فإن العلماء يضطلعون بهذه الوظيفة الخطيرة، و منذ ولادة الاسلام كانت هذه الفئة موجودة و حاضرة.
و لذلك و بغض النظر عن نوع النظام القائم فإن العلماء يؤدون تكاليفهم و واجباتهم الأساسية، نشير إلى بعضها معتمدين على ما اشار اليه الدكتور الشهيد بهشتي:
- بيان الإسلام الأصيل و ترويج الثقافة الإسلامية.
- التحقيق في مصادر الإسلام و تأليف الكتب والمناهج الدراسية.
- تهذيب نفوسهم من خلال التحلي بالأخلاق الحسنة و حمل الناس عليها، و السعي لإزالة الشوائب من المجتمع.
- بث الوعي بين الناس و محاربة الظالمين و الطغاة.
- إجراء الأحكام الإسلامية و تنفيذها مع توفر الارضية المناسبة لذلك.[2]
وعلى هذا الأساس فإن مكانة العلماء الروحانيين في النظام الإسلامي للجمهورية الإسلامية هام جداً و أساسي، و ذلك لأن العديد من المواقع السياسية الحساسة في النظام تحتاج إلى عالم ديني. و بعبارة أدق متخصص في شؤون الدين.
إضافة إلى ذلك فإن العلماء شأنهم شأن سائر شرائح المجتمع لهم من الكفاءات و الصلاحيات ما يؤهلهم لاشغال المناصب و الاضطلاع بالمسؤوليات التي تمكنهم من اسداء خدماتهم و أداء وظائفهم لخدمة النظام الإسلامي و البلد بشكل عام.
[1] مؤسسة الشهيد، القسم الثقافي، او به تنهایی یك امت بود (كان أمة كاملة)، ص 302، تهران، 1361، (نقلا عن موقع مكتب الاعلام الاسلامي، http://www.ido.ir/a.aspx?a=1387040601 )
[2]عزیزي، رحمة، جاودانه تاریخ ، ج 7، ص 133، سازمان انتشارات روزنامه جمهوری اسلامي، طهران، 1380 ،( نقلا عن موقع مكتب الاعلام الاسلامي http://www.ido.ir/a.aspx?a=1387040601)