العقل هو أغلى و أثمن قوة أودعها الله سبحانه فی وجود الإنسان، و له تقسیمات و مراتب.
1- العقل النظری و وظیفته إدراک و معرفة الواقعیات و الحکم علیها.
2- العقل العملی و هو القوة التی تضبط و تسیطر على سلوک الإنسان، و بمعنى آخر إن عمله یختص بإدراک ما ینبغی و ما لا ینبغی، و فی واقع الأمر إن العقل العملی هو أساس العلوم الحیاتیة، و حکم العقل العملی ینصب على تساؤل الإنسان: هل أعمل هذا العمل أم لا؟
و بما ان العقل موجود من الموجودات، و کل موجود محدود، فمن الطبیعی أن تکون دائرة عمله و تأثیره محدودة، و لا یمکن إلا تکون محدودة، إذن فدائرة عمل العقل و نشاطه تکون فی دائرة المخلوقات، و له إمکانیة و قدرة محدود بالنسبة إلى معرفة الله، و لیس له من سبیل إلى معرفة ذات الله اللامحدودة و کنهه.
و للعقل القدرة على العمل فی دائرة التکوین و التشریع حیث یتمکن من الإدراک و الفهم فی هاتین الدائرتین مع أنه لا یستقل تماماً من الوحی حتى فی هذین المیدانین، لأن ید العقل لا تطال الجزئیات و مناطات الأحکام، فهی بحاجة إلى إرشادات و توجیهات الشرع فی هذه المسائل.
لفظة العقل و مشتقاتها تأتی فی اللغة بمعنى الفهم، التلقی، وضع العقال على الرجل و حبسها.[1] و قد جاء العقل فی القرآن الکریم بمعنى الفهم و الإدراک.[2] و أما فی الروایات فقد جاء بمعنى القوة المدرکة و المحفز للإنسان على الخیر و الصلاح، و المانع له من الشر و الفساد.[3]
و فی الاصطلاح: العقل جوهر بسیط یدرک الإنسان به الواقعیات، و علیه فالعقل مدرک الواقعیة، إضافة إلى إدراک الحقائق کما أنه الحافظ للنفس الناطقة، و على أساسه یشاد صرح شرفها.[4]
و للعقل مراتب و أقسام مختلفة:
1- العقل النظری: هو الوسیلة التی یدرک الإنسان من خلالها ما هو موجود و ما هو غیر موجود مما یتعلق بالطبیعیات و الریاضیات، و المنطق و الإلهیات، و بصورة عامة یدراک الحکمة النظریة.
2- العقل العملی: و یاتی دور العقل العملی فی مواطن البحث فی الإیمان، و العزم و التصمیم و الإرادة و غیرها، أی أنه حاضر فی مواطن بدایة العمل.
3- العقل المتعارف: و هو العقل الذی ینصب جهده و نشاطه للحفاظ على الحیاة الظاهریة، و یسمی عموم الناس مثل هذه القوة المدرکة و الفعالیة بالعقل.[5]
و بعبارة أخرى، إن عمل العقل النظری هو إدراک الواقع و معرفته و إصدار الأحکام فی مفرداته.[6]
و أما العقل العملی فیمثل القوة التی تسیطر على سلوک الإنسان إقداماً و إحجاماً.[7] أو إدراک ما ینبغی و ما لا ینبغی، و فی واقع الأمر فإن العقل العملی هو أساس العلوم الحیاتیة، و إن مورد أحکام العقل العملی منصبة على التساؤل القائل: هل أفعل هذا أم لا؟[8]
و العقل العملی بحسب تعبیر الإمام الصادق (ع) هو مرکز عبودیة الإنسان و رأس ماله الذی ینال به الجنة من الله سبحانه، «العقل ما عبد به الرحمن و اکتسب به الجنان».[9]
و قد أعطى الدین الإسلامی الحنیف للعقل موقعاً خاصاً و مرتبة ممیزة، یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیر المیزان: العقل أشرف قوة فی وجود الإنسان.[10] و قد دعا الله سبحانه الإنسان فی القرآن الکریم بأکثر من ثلاثمائة مرة للاستفادة من هذه القوة التی وهبها الله لبنی البشر.[11] و فی نظر العلامة الطباطبائی إن مکانة التعقل و التفکر فی الإسلام بلغت من السمو و الارتقاء إلى حدٍ لم نجد آیة واحدة فی القرآن الکریم تسمح للعباد بعدم الفهم أو السیر فی الطریق على عمىً و دون تعقل.[12]
دائرة نشاط العقل و حدود عمله:
بحسب الأدلة العقلیة و النقلیة فإن دائرة فعالیة العقل و نشاطه تکون فی محیط المخلوقات. أی فی ظواهر عالم الطبیعة، و الأحکام الشرعیة و معرفة الله بشکل إجمالی، و لکن العقل غیر قادر على إدراک کنه الذات الإلهیة. و ذلک لأن کل ظاهرة و وجود و بسبب کونها حادثة لا یمکن أن تکون لا محدودة و لا نهائیة، و العقل البشری هو موجود و مخلوق من مخلوقات الله، فهو محدود إذن، و لیس بإمکان المحدود معرفة اللامحدود و إدراکه.
فعقل الإنسان قادر على المعرفة فی دائرة العالم و ظواهره و القوانین التی تحکمه، فیصدر فیها أحکامه و یعطی نتائجه.
و کذلک یعتمد على العقل فی دائرة معرفة الأحکام، فالعقل یذکر کدلیل من أدلة معرفة الأحکام فی حوزة علم الفقه إلى جانب القرآن و السنة، و کذلک فی علم الأصول و فی باب الحسن و القبح العقلیین فقد ثبت لزوم إطاعة أوامر الشارع و نواهیه بواسطة حکم العقل.[13]
و من الجدیر بالذکر إن الإسلام یعتبر بعض المسائل فی دائرة العقائد (الأصول) و دائرة الأحکام (الفروع) هی فوق إدراک العقل، و مع أن العقل لا یخالف هذه المسائل إلاّ أنه غیر قادر على إدراکها و معرفة کنهها، و مثال ذلک مناطات الأحکام و ملاکاتها، و المباحث المتعلقة بجزئیات المعاد، و لا یمکن التوسع و التفصیل فی هذا الکلام فی هذا المقال المختصر.
یقول العلامة الطباطبائی فی معرض رده على سؤال هنری کاربن الفرنسی حینما سأل قائلاً: ماذا تفعلون فی مواقع تعارض العقل مع الشرع و الکتاب و السنة؟: فی الموارد التی أید فیها الکتاب الکریم و بصورة صریحة معطیات العقل و صدقها و أعطاه الحجیة، فلا یمکن أن یقع الاختلاف بینهما بأی حال من الأحوال.[14]
إضافة إلى ذلک فإنه یستفاد من کلام الإمام علی (ع) فی نهج البلاغة حینما یتکلم عن رسالة الأنبیاء أنه لا یقف الأمر عند عدم تعارض العقل و الشرع و حسب، و إنما یوجد الانسجام و التوافق بینهما، یقول (ع): «... و یثیروا لهم دفائن العقول ...».[15]
فرسالة الأنبیاء و فلسفة بعثهم کما بیّن الإمام هی استثارة کنوز العقل و إبراز خفایاه.
فعقل الإنسان و فطرته بمنزلة الوعاء الذی توجد فیه جمیع الحقائق و الوقائع، و لذلک فکل ما یقوله الأنبیاء مطابق لأحکام العقل و المنطق، و توجد قاعدة فی أصول الفقه بعنوان (قاعدة الملازمة) تقول: (کل ما حکم به العقل حکم به الشرع)[16] و عکس هذه القاعدة صحیح أیضاً؛ یعنی (کل ما حکم به الشرع حکم به العقل)، لذلک فالعقل أحد مبانی الشرع و أساس من أسسه.
و لذلک فإن أحکام الشارع و ما جاء به الأنبیاء لا تخالف العقل، و إن کل ما یقولونه هو من مرتکزات العقل، التی غفل عنها الإنسان بسبب وسوسة الشیاطین و نفثاتهم، و قد جاء الأنبیاء لیذکروا الناس بمرتکزاتهم العقلیة و یستثیروا فیهم دفائن العقول.
و المحصلة هی أن العقل و الشرع توأمان منسجمان، و لا یوجد حکم فی الشرع یخالف الفطرة واقعاً، و لذلک نجد الإنسان یبحث عن الدلیل قبل أن یقبل أی حکم، و ذلک لیقنع الوجدان و یثبت مرتکزاته، و عندما تنکشف الحقیقة من خلال الدلیل و البرهان فالعقل یبادر إلى قبولها.
إلى هنا تبین أن ما یختص بمعرفة العالم و ظواهره و القوانین الحاکمة على الوجود و أحکام الشرع داخلة فی دائرة قدرة العقل، حیث یتمکن من التفکر فیها و إجالة الرأی و إصدار الأحکام. و لکن الأمر على خلاف ذلک بالنسبة لمعرفة الذات الإلهیة، و الإحاطة بحقیقتها، و هنا یکون العقل محدوداً، و لیس بإمکانه معرفة ذلک.
یقول الإمام علی (ع) فی ذلک: «... لم یطلع العقول على تحدید صفته...».[17]
و حیث أن صفات الله سبحانه هی عین ذاته، و إن ذات الله وجود غیر متناهٍ، فإن صفاته الکمالیة کالعلم و القدرة و الحیاة و الإرادة و ... غیر متناهیة أیضاً لأنها عین ذاته، و عندما تکون صفاته لا متناهیة یکون العقل عاجزاً عن إدراکها و لا یتمکن من الإحاطة بحدودها. و بعبارة أخرى، بما أن الإنسان مخلوق لوجود غیر متناهٍ، فإنه لا یمتلک القدرة على إدراک غیر المتناهی، و هذا هو معنى کلام الإمام (ع) حین یقول: «لم یطلع العقول على تحدید صفته» و هذا لا یعنی أن الله منع الإنسان من معرفته، فالإمام یقول: «ولم یحجبها عن واجب معرفته».[18] فالله سبحانه لم یمنع الإنسان من معرفته.
یقول الإمام الصادق (ع): «فبالعقل عرف العباد خالقهم، و أنهم مخلوقون، و أنه المدبر و أنهم المدبرون، و أنه الباقی و هم الفانون...».[19]
و تقف حدود الفهم لدى العقل البشری عند إدراک وجود خالق لهذا العالم، و أن لهذا الخالق صفات الکمال و الجلال. له العلم و القدرة و الحیاة و ... و هذا الحد من المعرفة واقع فی دائرة العقل و من تکالیفه، و لم یمنع الله العقل من الإدراک و الفهم فی حدود هذه الدائرة، و لکن العقل عاجز عما هو أبعد من ذلک کمعرفة حقیقة الذات الإلهیة و کنه الباری تعالى و حقیقة صفاته، فذلک ما لا یمتلک العقل القدرة على معرفته.
[1] معین، محمد، فرهنگ معین، مادة عقل.
[2] السجادی، سید جعفر، فرهنگ علوم فلسفی و کلامی" ثقافة العلوم الفلسفیة و الکلامیة"، مادة عقل.
[3] الکلینی، أصول الکافی، ج 1، ص 11.
[4] الکرجی، علی، اصطلاحات فلسفی و تفاوت آنها با یکدیگر" الاصطلاحات الفلسفیة و التفاوت فیما بینها"، ص171 -172.
[5] جوادی الآملی، عبد الله، فطرت در قرآن" الفطرة فی القرآن"، ج 12، ص 29-30 و 397.
[6] الشهید المطهری، ده گفتار" المقالات العشر"، ص 30-31.
[7] جوادی الآملی، عبد الله، رحیق مختوم" الرحیق المختوم" ج 1 الفصل الأول، ص 153.
[8] الشهید المطهری، ده گفتار" المقالات العشر"، ص 30-31.
[9] الکلینی، أصول الکافی، ج 1، ص 11، الحدیث 3.
[10] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان، ج 3، ص 57.
[11] نفس المصدر، ج 5، ص 255.
[12] النفیسی، شادی، عقل گرایی در تفاسیر قرن چهاردهم" الاتجاهات العقلیة فی تفاسیر القرن الرابع عشر"، ص194 -195.
[13] الملکی الأصفهانی، مجتبى، فرهنگ اصطلاحات اصول "معجم اصطلاحات الأصول"، ج 2، ص 279.
[14] کدیور، محسن، دفتر عقل، ص 115.
[15] نهج البلاغة، الخطبة 1.
[16] السبزواری، سید عبد الأعلى، تهذیب الأصول، ج 1، ص 145؛ مظفر، محمد رضا، أصول الفقه، ج 1، ص 217.
[17] نهج البلاغة، خطبة 49.
[18] المصدر نفسه.
[19] الکلینی، أصول الکافی، ج 1، ص33 -34.