حیث ان الآیة 31 من سورة البقرة أوضحت ان السر فی إختیار الانسان کخلیفة هو علمه بجمیع الاسماء الالهیة. قال تعالى: «علم آدم الاسماء کلها» و ان الاسم الذی یحوی جمیع الاسماء و کل الاسماء فی تجلیاته هو اسم (الله)، فان الانسان هو خلیفة الله لا خلیفة الرب، لان الرب هو احد الاسماء الالهیة و هو تجلی من تجلیات اسم (الله).
و بالنظر إلی انه أولاً: ان المراد من الأسماء هی الحقائق الرفیعة التی نشأت منها جمیع حقائق العالم و انها تشمل حقائق العالم الغیبیة و الشهودیة، و ثانیاً: ان تعلیم الأسماء هو بمعنی اعطائها الی الانسان. و ثالثاً: ان الحقیقة الالهیة تظهر و تتجلی بقالب تلک الاسماء، فالحقیقة ان الانسان مظهر لجمیع الأوصاف الالهیة و متکفل لجمیع الأعمال و هو الخلیفة الالهی الکامل علی ما سوی الله.
یمکن طرح السؤال المذکور بالشکل التالی:
لمنْ کان آدم (ع) خلیفة، و الانسان خلیفة من؟ و بالالفتات الی ان الخلیفة من حیث انه خلیفة یجب ان یتکفل بوظائف و أعمال المستخلف عنه (الذی صار خلیفة عنه) و یکون متصفاً باوصافه، فای مستوی أعطاه الله للانسان من لیاقة الاتصاف بصفاته و التکفل بأفعاله، و ماهو الحد الاقصى لظهور الخالق (الله) فی المخلوق (الانسان)؟
الانسان[1] خلیفة لمن؟
بالالتفات الی الآیات 30 و 31 من سورة البقرة فان الانسان خلیفة الله توضیح ذلک: فی الآیة 30 یفهم من عبارة «انی جاعل فی الارض خلیفة» حیث ورد فیها ضمیر المتکلم وحده، ان المتکلم و هو الله جعل خلیفة له لا لغیره، و فی الآیة اللاحقة[2] اوضح ان علٌة و سر اختیار الانسان للخلافة هو العلم بجمیع الاسماء الالهیة و قال «علم أدم الاسماء کلها» ، و بتعبیر آخر: فی الآیة الاولی ذکر الله ان الانسان هو خلیفته، و فی الآیة الثانیة أوضح مستوی قدرة خلیفته و سعة الخلافة التی اعطیت له، و حیث ان حقیقة الله ظاهرة فی أسمائه یمکننا عن طریق توضیح مطلبین و هما الأسماء و معنی تعلیمها للانسان، ان نوضح ان الانسان خلیفة لمن و الى أی حد یمکنه ان یقوم بالاعمال الالهیة و الى أیٌ مدى یمکن أن یمتلک الصفات الالهیة و تتجلى هذه الصفات فی ذاته.
المراد من الاسماء:
الاسم هو بمعنی العلامة، و الاسم اللفظی هو علامة مشیرة الی المفاهیم الذهنیة، و المفاهیم الذهنیة اسم للحقائق العینیة، و الحقائق العینیة - الاعم من الحقائق الغیبیة و الشهودیة- اسم و آیة للذی خلقها. و الآن لنری ان أسماء الله التی علمها الانسان فی هذه الآیة هی من أی قسم من هذه الاسماء، فهل المراد منها الألفاظ او المفاهیم الذهنیة او الحقائق العینیة؟
ان معرفة مجرد الالفاظ او مجرد المفاهیم لا تکفی لان یکون آدم مسجوداً للملائکة لان (کمال اللغة هو المعرفة بمقاصد القلوب و الملائکة لا تحتاج فیها الی التکلم و انما تتلقی المقاصد من غیر واسطة فلهم کمال فوق کمال التکلم).[3]
ان مجرد فهم المفاهیم الذهنیة و إدراک صورة عن الحقائق ایضاً هی منزلة أدنی من مقام الملائکة، لان لهم ارتباطاً بأعیان بعض حقائق العالم لابمفاهیمها و إدراکهم حضوری لا حصولی بالرغم من عدم شهودهم لجمیع حقائق العالم، و لذا فلا یمکن ان یکون سر سجودهم للانسان هو علمه بمفاهیم الحقائق فقط، اذن فالمراد من الأسماء هی الحقائق، هذا من جانب، و من جانب آخر: أن الملائکة لم یکن لها القابلیة و القدرة لبلوغ أرقى و أعلى قمم المعرفة و التی تتجسد بأدراک و معرفة جمیع الحقائق العینیة، و طبقاً للآیات اللاحقه فان الاسماء هی الحقائق الغیبیة للعالم لانه تعالى قال فی الآیة 33: «أ لم اقل لکم انی أعلم غیب السماوات و الارض»، و بناء علی تفسیر بعض المفسرین فان مقتضی سیاق الآیات 30 إلی 33 من سورة البقرة إن هذا الغیب لیس شیئاً غیر الاسماء المعلمة و غیر المسائل المقصودة بقوله: «انی اعلم ما لا تعملون»؛ یعنی ان الامر الذی لا تعلمونه و علمه مختص بی فقط، قد أعطیته للانسان. اذن فالاسماء حقائق غیبیة فوق فهم وجود الملائکة الذین هم فوق عالم المادة و واجدون لبعض مراتب الغیب، و هی تلک الحقائق العالیة التی تنشأ منها جمیع حقائق العالم و التی تشمل جمیع حقائق العالم من الغیب و الشهود.[4]
معنی التعلیم:
بملاحظة ما تقدم ذکره من المطالب و ان آدم (ع) تلقى الاسماء من دون واسطة یتضح ان المراد من التعلیم:
أولاً: اعطاء العلم الشهودی و الحضوری بالاسماء لا مجرد الاطلاع المفهومی علیها.
ثانیاً: انه علم لدنی و تلقی مباشر من الله، و حیث ان العلم امتلاک سواء کان امتلاکاً لمفهوم و صورة الشیء او امتلاکاً لنفس الشیء، فان ذکر هاتین الخاصیتین لمعنی التعلیم الالهی (انه شهودی و لدنی) یکشف عن ان الله جعل آدم و الانسان الحاصل علی الحقیقة العینیة للاسماء الحسنی_ بناء عل ما تقدم ذکره من معنی الاسماء ـ آیة و علامة کبری لأسمائه.
إذن و بملاحظة ما تقدم من مطالب و حیث ان الآیة تدل علی تعلیم جمیع الأسماء أیضاً و ان الاسم الذی یتضمن جمیع الاسماء و کل الاسماء مظهر له، هو اسم (الله)، فالانسان خلیفة الله لا خلیفة الرب، لان (الرب) هو أحد الأسماء الالهیة و مظهر من اسم (الله)، ففی الحقیقة الانسان مظهر تام الهی و محل لتجلی جمیع الصفات الالهیة و متکفل بجمیع الاعمال الالهیة لما سوی الله.[5]
للاطلاع اکثر یراجع:
1. تفسیر المیزان، بذیل الآیات 30 الی 34 من سورة البقرة
2. تفسیر التسنیم، جوادی الآملی، ج 3، ص 17 الی 321.
[1] و یستفاد من الادلة الاخری التفسیریة لهذه الآیة ان الخلافة لیست مختصه بآدم (ع) و ان لکل انسان شأنیة و استعداد الخلافة الالهیة و لهذا طرحنا البحث بصورة عامة للانسان لا لآدم (ع). لاحظ: التسنیم، ج 3، ص 41 و 293 و الموضوع المرتبط، مصداق خلیفة الله من وجه نظر القرآن، رقم السؤال 1430.
[2] «و علم آدم الاسماء کلها ثم عرضهم علی الملائکة فقال انبئونی باسماء هؤلاء ان کنتم صادقین».
[3] المیزان، ج 1، ص 116 – 117.
[4] لاحظ، التسنیم، ج 3، ص 169.
[5] لفظ (عَلمَ) فی الآِیة 31 یفهم منه نفی و ساطة الملائکة.