الحقيقة المحمدية من مفردات العرفان الاسلامي؛ و يعنون بذلك أن الحقيقة المحمدية تمثل التعين الاول للاعيان الثابتة و التي تقف على رأس جميع " الاعيان الثابتة" التي تحققت من خلال التجلي الالهي الاكمل، و من تلك الحقيقة تفاض كافة العوالم الاخرى، و من هنا يطلق عليها أيضا عنوان "حقيقة الحقائق". و هذا المفهوم مستل من الروايات الكثيرة التي تؤكد بان النور المحمدي يعد أفضل المخلوقات و أنه يقف على هرم التقرب من الحق تعالى.
و تضرب هذا الفكرة بجذورها في أعماق العرفان الاسلامي و خاصة العرفان النظري لابن عربي التي مثلت فكرة الحقيقة المحمدية إحدى أساسيات منظومته العرفانية.
الحقيقة المحمدية من مفردات العرفان الاسلامي؛ و يعنون بذلك أن الحقيقة المحمدية تمثل التعين الاول للاعيان الثابتة و التي تقف على رأس جميع " الاعيان الثابتة" و التي تحققت من خلال التجلي الالهي الاكمل و المتمثلة بالاسم الاعظم و جامع الاسماء الحسنى للحق، و من تلك الحقيقة تفاض على كافة العوالم الاخرى و جوداتها، و قد يطلق عليها أيضاً عنوان حقيقة الحقائق. و يعتقد العرفاء بان الحقيقة المحمدية تتمظهر – بنحو عام- في الانسان الكامل، و ان ( النبي و الرسول و الولي) تعتبر من مظاهر تلك الحقيقة في العالم السفلي و أنها تجلت باسمى صورها في شخصية الرسول الاكرم (ص).[1]
و هناك الكثير من الروايات التي تدور حول هذا المحور و التي كان لها الأثر الكبير في انطلاقة التسمية "الحقيقة المحمدية"؛ و ذلك لان وجود النبي الاكرم (ص) ينظر اليه من زاويتين، الزاوية الخلقية الظاهرية و الزاوية الباطنية الحقة، و أنه الاقرب الى الحق تعالى، الأمر الذي أعجز العقول عن معرفته حقيقة كماله (ص)، منها:
1- «لي معَ اللّهِ وقت لایسَعُني فیه مَلَكٌ مقرّب و لا نبيٌ مرسل»[2] و في روایة أخری: «لایسَعُني فیه غیرُ ربي».
2- «انا سید وُلْدِ آدمَ و لا فخرَ»[3].
3- «آدمُ و مَنْ دونَه تحتَ لوائي»[4].
4- «اوّلُ ما خَلَق اللّه نوري»[5].
و هناك روايات كثيرة أخرى تحمل مضامين مشابهة و تلك الدالة على سابقيته (ص) على سائر المخلوقات، و في بعضها أشارة الى اتحاد نور علي (ع) مع نوره (ص).[6]
إنطلاقا من ذلك يكون وجود النبي الاكرم (ص) و الحقيقة المحمدية من اوضح الادلة على وجود الحق تعالى؛ لانها تمثل أجلى آية من آيات الحق تعالى الدالة عليه سبحانه.
و يمكن القول بان الحقيقة المحمدية هي البعد الغيبي للرسول الاكرم (ص) و التي يعبّر عنها أحياناً بباطن النبوة، فيقال: بان الولاية باطن النبوة. و في الحقيقة أن الولي اسم من اسماء الله تعالى، و الولاية عبارة عن الوجهة نحو الحق تعالى و الفناء في ذاته و البقاء به، و النبوة عبارة عن الوجهة الاخرى لهذه الحقيقة لكنها وجهة نحو الخلق، فهي مؤقته و مقطعية.
من هنا نرى العرفاء يذهبون الى القول بان جميع الانبياء من آدم و صولا الى عيسى (عليهم السلام) كلهم يمثلون مظاهر تلك الحقيقة؛ و لكن الصورة الاكمل لتلك الحقيقة تجلت في شخص النبي الاكرم (ص).
و قد مثل الوصول الى هذه الحقيقة و الاتصال بها الهدف الأسمى للعرفاء المسلمين، و أكملها تلك النظرة التي تنطلق من الاعتقاد بولاية الائمة المعصومين (ع) فانه و فقا لعرفاء هذا الاتجاه إن الحقيقة المحمدية بعد رحيله (ص) تجلت في علي و الأئمة من ولده (ع) و من بعدهم يرثها العرفاء من السائرين على نهجهم.
و لقد أشارة العرفاء الى هذه الحقيقة في الكثير من كلماتهم و اشعارهم نقتطف منها ما ذكره الشيخ محمود شبستري:
إن نور النبي هو الشمس العظمى التي تجلت تارة في شخص موسى و أخرى في آدم، و من نوره انتشر نور الولاية فاتحدت المشارق مع المغارب، و وجود الاولياء بالنسبة له كالعضو فهو الكل و هم الاجزاء[7].
و يمكن القول بان العارف الشهير ابن الفارض يعد من أوائل العرفاء الذين تكلموا في الحقيقة المحمدية، حيث جاء في تائيته المعروفة على لسان الحقيقة المحمدية:
و إني و ان کنت ابن آدم صورة فلي منه معنی شاهد بابوتي
و في المهد حزب الانبیاء و المناصر لوحي المحفوظ و الفتح صورتي
و قبل فصالي دون تکلیف ظاهري ضمنت بشرعي الموضحي کل شرعة[8]
و من بعده جاء دور ابن عربي حيث توسع في تسليط الاضواء على هذه القضية حتى اعتبر القول بالحقيقة المحمدية من اساسيات فكره العرفاني؛ و إن كان هناك الكثير من العرفاء ممن أشار الى الحقيقة المحمدية أيضا و لكن بالفاظ و تعابير مختلفة.
علما أنه من غير الممكن ادراك الحقائق الباطنية و الغيبية للنبوة و الإمامة من دول المعرفة التامة بالحقيقة المحمدية و حقيقة الانسان الكامل الذي يعد ظرفا لتلك الحقيقة.
نكتفي بهذا المقدار من البحث و نرشد القارئ الى مطالعة المصنفات العرفانية و خاصة مصنفات العارف ابن عربي.
[1] دانشنامه جهان اسلام، نشر بنیاد دائره المعارف اسلامی ، ذیل حرف ح.
[2] المجلسي ، محمد باقر ، بحار الانوار، ج18، ص 360 ، موسسه الوفاء، بیروت
[3] نفس المصدر، ج4، ص 198.
[4] نفس المصدر، ج 16، ص 403.
[5] نفس المصدر، ج 1، ص 97.
[6] من قبیل قوله (ص): " خلقت انا و علي من نور واحد"، الامالي للصدوق ، ص 236، المکتبة الاسلامیة.
[7] مقدمة مشارق الدراري، جلال الدین الآشتیاني، ص 33، نشر مکتب الاعلام الاسلامي.
[8] ابن الفارض، دیوان ابن الفارض، ص 73، دارالکتب العلمیه ، بیروت.