بحث متقدم
الزيارة
6809
محدثة عن: 2012/05/17
خلاصة السؤال
لماذا يحكم على المرتد بالاعدام و هل ينسجم ذلك مع روح التعاليم الاسلامية؟
السؤال
لماذا يحكم على المرتد بالاعدام و هل ينسجم ذلك مع روح التعاليم الاسلامية؟ و هل يمكن تغيير هذا الحكم فقهاً و من خلال الاحكام الاولوية لا عن طريق الحكم الولائي و الحكومتي؟
الجواب الإجمالي

انطلاقاً من المقدمات السابقة يمكن الخروج بالنتيجة التالية: إن الدليل الشرعي – قرآنا و سنة- يثبت أن موضوع الارتداد خرج عن دائرة الحرية الدينية التي أيدها الاسلام الحنيف[i]، و تحول الى اسلوب سياسي يهدف تضعيف الاسلام و كسر شكوته، و لاريب أن هكذا قضية تستدعي التفكير الجاد بها و وضع الحلول الناجعة لها، و من هنا وضع الفكر الاسلامي حلا لهذه القضية من دون أن يمس حرية الانسان بالبحث و التنقيب المنطقي في المسائل المثارة و القضايا العقائدية، و ترك الحرية للانسان غير المسلم و عدم اكراهه على اعتناق الدين الحنيف، فاصدر حكماً قد يصل الى حد اعدام المرتد فيما اذا جاهر بارتداده؛ ليحد من خلال هذا الطريق عن استغلال هذه القضية كحربة يضرب بها الاسلام و اثارة الفتن في المجتمع الاسلامي. فالقضية تنسجم مع حرية المعتقد من جهة و عدم الاكراه على اعتناق الدين من دين أخرى، و هي في الحقيقة لا تخرج عن كونها اجراء رادع و وقائي لكي لا تتخذ وسيلة للمنحرفين اخلاقيا و المعاندين سياسياً من التلاعب بمشاعر الناس و زعزعة معتقداتهم.

علما أن الاحكام الفقهية الاولية غير قابلة للتلاعب و التغيير حتى من قبل أئمة الدين، و إنما للحاكم الشرعي التحرك في دائرة الاحكام الولائية و الحكومتية التي تكشف عن مرونة الفقه الاسلامي.

 


[i] البقرة، 256، "لا اکراه في الدین".

 

الجواب التفصيلي

لكي تتضح المسألة بنحو أفضل ينبغي التعرض لمجموعة من النقاط المهمة:

1. من الامور التي يوفرها الاسلام للانسان أنه أتاح له البحث و التنقيب و السؤال عن جميع القضايا و لم يضع خطاً أحمر مقابل أي مسالة سواء كانت على المستوى العقائدي او التشريعي، بل يُوجب على البشر السؤال و الاستفسار في بعض الاحيان.[1] و لكل انسان مسلم –  انطلاقا من المستوى الذي هو فيه- الخوض في قضايا الدين الحنيف و الاستفسار عنها حتى يصل الى اليقين فيها، و مع الترديد و الشك في بعض القضايا التي لا تضر بجوهر الاسلام و حقيقة الايمان لا يمكن اقصاء ذلك الشخص عن قائمة المسلمين.[2]

2. يرى الاسلام ان المرتد من وصل الى الحقيقة و عرف حقانيت الاسلام ثم ارتد بلا مبرر موضوعي يبيح له الارتداد.

قال تعالى في كتابه الكريم: " إِنَّ الَّذينَ ارْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى‏ لَهُم‏".[3]

3. يشير القرآن الكريم الى ما يعتلج في نفوس بعض الكافرين للنيل من الاسلام حسداً و بغضا و سعيهم الحثيث لالقاء الشك في قلوب المسلمين و السائرين على نهج الدين الاسلامي الحنيف، كما في قوله تعالى: " وَدَّ كَثيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ".[4] و قد بذل هؤلاء القوم قصارى جهدهم في القاء الشبهات و إثارة التشكيكات أمام المسلمين، و مع ذلك كله نجد الباري تعالى قد أمر المسلمين بالصفح عن جهلهمْ و مقابلتهم بحججِ اللَّه و دْفع أَباطيلَهم.[5]

و من الواضح جداً أن الاسلوب الامثل الذي رسمه القرآن الكريم في التحاور مع اصحاب الديانات المختلفة ان الحوار ينبغي أن يقوم على قاعدة " وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتي‏ هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون‏".[6]

4. ان المخططات التي اشرنا اليها اصطدمت بمنطق الاسلام القوي فلم يكن لها ذلك الأثر العملي، و من هنا حاول خصوم الاسلام الانتقال الى اسلوب آخر ليوحوا للآخرين بهشاشة و ضعف المنطق الاسلامي و من هنا لا يمكن للعقلاء من البشر الدخول في دين لا يقوم على اسس منطقية رصينة!!، و قد تمثلت الخطة المذكورة بان يتظاهر هؤلاء المعاندين بانهم انسان يبحثون عن الحقيقة فيعتنقوا الدين الاسلامي ظاهرا، ثم بعد فترة يخرجون منه بحجة أن المنطق القرآني و الاسلامي لا يساعدان على اعتناق هذا الدين، و بهذا يلقون الريب و الشك في نفوس المسلمين، و قد أشار القرآن الكريم الى هذا المخطط الخطير في قوله تعالى: " وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذي أُنْزِلَ عَلَى الَّذينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".[7]

انطلاقاً من المقدمات السابقة يمكن الخروج بالنتيجة التالية: إن الدليل الشرعي – قرآنا و سنة- يثبت أن موضوع الارتداد خرج عن دائرة الحرية الدينية التي أيدها الاسلام الحنيف[8]، و تحول الى اسلوب سياسي يهدف تضعيف الاسلام و كسر شكوته، و لاريب أن هكذا قضية تستدعي التفكير الجاد بها و وضع الحلول الناجعة لها، و من هنا وضع الفكر الاسلامي حلا لهذه القضية من دون أن يمس حرية الانسان بالبحث و التنقيب المنطقي في المسائل المثارة و القضايا العقائدية، و ترك الحرية للانسان غير المسلم و عدم اكراهه على اعتناق الدين الحنيف، فاصدر حكماً قد يصل الى حد اعدام المرتد فيما اذا جاهر بارتداده؛ ليحد من خلال هذا الطريق عن استغلال هذه القضية كحربة يضرب بها الاسلام و اثارة الفتن في المجتمع الاسلامي.

و لتعزيز البحث يمكن الاشارة الى النقاط التالية:

1. ينبغي الالتفات الى أن الارتداد الذي يترتب عليه الجزاء الشرعي هو ذلك الارتداد الذي تترتب عليه آثار عملية من قبيل إهانة الرسول الاكرم (ص) و أهل بيته (ع) او انكار ضرورة من ضروريات الدين، و لا يعم الشك و التساؤل عن قضايا الدين المجردة عن الاجهار بالارتداد، حتى و ان وصل صاحبها الى نقد جميع الاصول بحثا عن الحقيقة و طلباً للاجابة الصحيحة عن تساؤلاته.

2. لو قدر لشخص ما أن تتزعزع ثقته بدينه بسبب الشبهات المثارة و الاشكالات التي قد تعترض طريقه، الا ان ذلك التزعزع يبقى سرا في باطنه و لا يظهره للعلن، فمثل هكذا انسان لا انه لم يتعرض للعقاب فقط، بل لو عاد الى الدين مرّة أخرى تحسب له حسناته و اعمال الخير التي قام بها سابقاً.[9]

3. لاريب ان العدول من دين الى دين آخر خاصة العدول من الدين الاسلامي يقتضي أن يكون مدعوما بالديل القوي و الحجة الواضحة، الا ان الملاحظ على الخارجين عن الدليل الاسلامي افتقارهم الى هذا المنطق القوي و البرهان الذي دعاهم الى العدول عن الدين الاسلام الا بعض الافراد الذين قد يرآى أنهم على مقدار من الحجة و البرهان، و هذا يكشف عن ان الاعلان عن الارتداد من دون أن تكتمل الحجة و يتم البرهان القوي عليه، لا يمثل الا حالة من حالات الانحراف الاخلاقي او العداء السياسي!!

4. اتضح مما مر أن حكم الارتداد في حقيقته يعد من الاحكام ذات البعد الردعي، لان اثبات الارتداد مع هذه الشروط و القيود يعد من الامور الصعبة جداً و انه في الوقت الذي يشمل في واقعه ذوي الشكوك الحقيقة في الدين الاسلامي الا انه لا يطبق عليهم العقاب ما لم يصرحوا - بما لاريب فيه- بارتدادهم، و من هنا نجد مصاديق من يطبق عليهم حكم الارتداد قليلين جداً.

5. و في الختام ينبغي الالتفات الى أن الاحكام الفقهية الاولية غير قابلة للتلاعب و التغيير حتى من قبل أئمة الدين، و انما للحاكم الشرعي التحرك في دائرة الاحكام الولائية و الحكومتية التي تكشف عن مرونة الفقه الاسلامي.[10]

 


[1] تشير بعض الرسائل العملية الى لزوم تحصيل اليقين باصول الدين.

[2] لمزيد الاطلاع انظر: السؤال رقم 6167 (الموقع: 6550).

[3] محمد، 25.

[4] البقرة، 109.

[5] المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج 97، ص 67، ح 15، مؤسسه الوفاء، بیروت، 1404 ه ق.

[6] العنكبوت، 46.

[7] آل عمران، 72.

[8] البقرة، 256، "لا اکراه في الدین".

[9] انظر في هذا المجال: الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 16، ص 105 – 104، ح 21099، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ه ق.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279499 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257427 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128240 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113397 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89054 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59927 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59618 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56915 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49883 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47233 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...