بحث متقدم
الزيارة
6265
محدثة عن: 2010/04/24
خلاصة السؤال
هل الشيخ الصدوق يعتقد بأن أداء مراسم الحج الى جنب قبور الائمة (ع) أفضل من الاتيان بها الى جنب الكعبة؟
السؤال
هل الشيخ الصدوق يعتقد بأن أداء مراسم الحج الى جنب قبور الائمة (ع) أفضل من الاتيان بها الى جنب الكعبة؟ و هل ورد ذلك في كتاب ثواب الاعمال؟
الجواب الإجمالي

إن الشيخ الصدوق (ره) عقد في كتابه "ثواب الاعمال و عقاب الاعمال" فصلا مستقلا تحت عنوان "ثواب الحج و العمرة" ذكر فيه الكثير من الروايات التي تشير الى فضلهما، وعقد فصلا آخر تحت عنوان " عقاب من ترك الحج" في الكتاب نفسه، جاء فيه: " من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق الحج من أجله أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً". فمن غير الانصاف أن ننسب للرجل خلاف ما يؤمن به و الافتراء عليه بانه كان متساهلا في أمر الحج!.

فاذا كان المراد من السؤال عن وجود روايات تؤكد كون ثواب زيارة أيّ قبر من قبور علماء الشيعة يعادل أو أفضل من ثواب الحج، فهذا مما لا أثر له في مصادرنا الروائية قطعاً الأعم من كتاب ثواب الاعمال للصدوق و غيره. و إن كان المراد به أن ثواب زيارة الامام الحسين (ع) في كربلاء أكثر من ثواب الحج؟

فجوابه: نعم، عقد الشيخ في كتابه ثواب الاعمال فصلاً تحت عنوان " ثواب زيارة قبر الحسين (ع)" ورد في بعض رواياته بان ثواب زيارة الامام يعدل او يفضل ثواب الحج و العمرة. و لكن هذا لا يعني بحال من الاحوال التقليل من شأن الحج، و إنما الرواية بصدد الاشارة الى ثواب زيارة الامام الحسين (ع)، و التي لابد من ملاحظة عصر صدورها و ما قام به الظالمون من التصدي لفكر الثورة و محاولة طمس معالمها و أزالة ذكراها من الذهنية الشيعية، و كانت الزيارة في تلك الايام تعني التعرض للكثير من المصاعب و المخاطرة بالمال و الانفس لا يوجد مثلها في الحج غالباً، و من الطبيعي جداً ان الثواب المترتب على العملين - مع فرض كونها قربة الله تعالى- يختلف باختلاف الصعاب و الشدائد التي تحيط به.

الجواب التفصيلي

ينبغي التأكيد أولا على مسالة ضرورية و هي أن الشيخ الصدوق (ره) عقد في كتابه "ثواب الاعمال و عقاب الاعمال" فصلا مستقلا تحت عنوان "ثواب الحج و العمرة" ذكر فيه الكثير من الروايات التي تشير الى فضلهما[1]، وعقد فصلا آخر تحت عنوان " عقاب من ترك الحج" في الكتاب نفسه، نقل فيه: " من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق الحج من أجله أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً".[2]

فمن غير الانصاف أن ننسب للرجل خلاف ما يؤمن به و الافتراء عليه بانه كان متساهلا في أمر الحج!.

بعد هذه المقدمة نقول: اذا كان المراد من السؤال عن روايات تؤكد كون ثواب زيارة أي قبر من قبور علماء الشيعة يعادل أو أفضل من ثواب الحج، فهذا مما لا أثر له في مصادرنا الروائية قطعاً الأعم من كتاب ثواب الاعمال للصدوق و غيره. و إن كان المراد به أن ثواب زيارة الامام الحسين (ع) في كربلاء أكثر من ثواب الحج؟

جوابه: نعم عقد الشيخ في كتابه ثواب الاعمال فصلا تحت عنوان " ثواب زيارة قبر الحسين (ع)"[3] ورد في بعض رواياته بان ثواب زيارة الامام يعدل او يفضل ثواب الحج و العمرة. و لكن هذا لا يعني بحال من الاحوال التقليل من شأن الحج، و إنما الرواية بصدد الاشارة الى ثواب زيارة الامام الحسين (ع)، و التي لابد من ملاحظة عصر صدورها و ما قام به الظالمون من التصدي لفكر الثورة و محاولة طمس معالمها و أزالة ذكراها من الذهنية الشيعية، و كانت الزيارة في تلك الايام تعني التعرض للكثير من المصاعب و المخاطرة بالمال و الانفس لا يوجد مثلها في الحج غالباً، و من الطبيعي جداً ان الثواب المترتب على العملين - مع فرض كونها قربة الله تعالى- يختلف باختلاف الصعاب و الشدائد التي تحيط به.

و من المناسب هنا  الالتفات الى الامور الاساسية التالية:

1. لا توجد في المصادر الشيعية و لو رواية واحدة يفهم منها سقوط فريضة الحج و العمرة لاجل زيارة أحد المعصومين (ع)، بل الروايات تصرح بانه لا يمكن اتخاذ الزيارة ذريعة للتنصل عن فريضة الحج "عنِ الرِّضا (ع) قال: من زار الحسين فقد حجَّ و اعتَمر. قلت (الراوي): تطرحُ عنهُ حجَّةُ الإِسلام؟ قال: لا هي حجَّةُ الضَّعيف حتَّى يقوى و يحُجَّ إِلى بيت اللَّهِ الحرام".[4]

من هنا لو زار الانسان مراقد الأئمة (ع) مرات كثيرة لا يسقط عنه الحج الواجب إن كان مستطيعا، فاذا ترك حينئذ يصدق عليه ما ورد في الحديث "مات يهودياً او نصرانياً".

2. ترى الشيعة أن من خصائص ثورة الامام الحسين (ع) و جهود سائر الائمة (ع) هي الوقوف بوجه خطوط الانحراف و الضلالة لكي لا تشق طريقها نحو التعاليم و المفاهيم الاسلامية فتحرفها؛ و ذلك لوجود الكثير من الجهود التي تسعى لافراغ الشعائر الاسلامية من محتواها و من ثم التمكن من القضاء عليها، و لولا جهود الائمة (ع) لما بقي من الاسلام و شعائره عين و لا أثر فضلا عن القضاء على الحج و مناسكه. و عليه يكون الحج و سائر الشعائر مديناً لتلك الجهود الكبيرة التي قام بها الائمة (ع)، و لاريب أن من طرق رد الجميل لهم و الاعتراف بجميل صنعهم أن يقوم المسلمون بزيارة مراقدهم و تقديم الاحترام لهم.

3. صحيح ان الروايات حثت على زيارة الأئمة (ع) و لكنه لم يشرع فيها التشريعات الموجودة في الحج من الاحرام و الوقوف في عرفات و السعي بين الصفا و المروة و الطواف و... لتكون بديلا عن الحج، بل غاية ما أكدت عليه الروايات رعاية الموازين الشرعية و الاصول الاخلاقية اثناء الزيارة و التي تكون عاملاً مؤثراً في قبول الزيارة، من قبيل الاكثار من ذكر الله و إقامة الصلاة و التصدق و... و هي أمور أجمعت الفرق الاسلامية على مشروعيتها و استحبابها.

و قد أكدت الروايات على أن معيار قبول زيارة الامام الحسين (ع) التمسك بتلك الاصول.[5]

و في الختام: نؤكد ان الحج[6] من الامور الواجبة و الزيارة من المستحبات و قد تجب في ظروف خاصة، و كلاهما يأخذان بيد العبد الى الله تعالى، و ان كثرة الثواب و قلته تابع لمدى الخطر و المشقة التي تكتنف الاعمال من جهة " ثواب العمل على قدر المشقة فيه"[7] و من جهة ثانية أن الثواب - على القول بانه تفضل من الله سبحانه-  يتبع تقدير المتفضل. و لا تعني القضية بحال من الاحوال المساس بشعيرة الحج او وضع البديل له، فهذا ما لم يخطر ببال علمائنا قطعاً، بل يعتبرون هذا النمط من التفكير – على فرض وجوده- من الضلال و الانحراف عن الشريعة المحمدية (ص).

 


[1] الشیخ الصدوق، ثواب الاعمال و عقاب الاعمال، ص 50-46، انتشارات الشریف الرضي، قم، 1364 هـ ش.

[2] نفس المصدر، ص236.

[3] نفس المصدر، ص 85-98.

[4] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشیعه، ج 14، ص 453، ح 19586، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 هـ ق.

[5] نفس المصدر ، ج 14، ص 527، ح 19750.

[6] نعني به الحج الاول المسمى بحج الصرورة.

[7] غرر الحكم، رقم 2946.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279478 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257350 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128205 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113332 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89037 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59893 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59599 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56892 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49836 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47201 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...