انّ للعقل مكانة خاصة في مدرسة الاسلام، حیث انّه یعتبر أحد الأدلة والحجج في جنب الوحي. العقل هو الحجة الباطنة للانسان التی ترشده فی مسیره نحو الکمال، وأما الشریعة(الدین) فهی الحجة الظاهرة لإنقاذ البشر من دوامة التلوث وقيادتهم وارشادهم إلى الكمال الإنساني والسعادة. علی هذا الاساس لا یمکن التعارض بین الحجة الباطنة و الحجة الظاهرة.
انّ العقل أشرف و أعز القوی البشرية.[1] وانّ الله تعالی قد دعا الناس فی القرآن الکریم أكثر من 300 مرة، لاستخدام هذه القوة التي منحها لهم.[2] ولكنّه، لم يأمر عباده، حتی فی آیة واحدة، بأن لا يفهموا أو أن يذهبوا عميا. بالطبع، بسبب النطاق المحدود للمعرفة البشرية، یجب في كثير من الحالات الرجوع إلى النصوص الدينية. ربما لهذا السبب، قدم القرآن الكريم السمع على العقل: «وَ قالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا في أَصْحابِ السَّعيرِ».[3]
وبالنظر الی کلام الامام(ع) في نهج البلاغة- حول رسالة الانبیاء حیث قال: «... و يثيروا لهم دفائن العقول...»؛[4] یستفاد أن العقل والشرع لم یکونا متعارضین بل أنهما فی جهة واحدة وأن أحدهما مؤید للآخر.
يقول الامام علي(ع) حول الحکمة في بعثة الانبیاء: «ان الله قد بعث الانبیاء الی کافة الناس لیثیروا لهم دفائن العقول». لذلك، لا تتعارض أحكام الشارع او الأنبياء مع العقل، وإنّ ما يقولونه هو نفس مرتکزات العقل، التي أهملها البشر نتیجة إضلال الشياطين. وأنما جاء الانبیاء لیذکّروا الناس بتلک المرتکزات والکنوز العقلیة.
واساسا، لا يوجد فرق بين طريقة الأنبياء في دعوة الناس إلى الحقيقة، وبين ما يحققه الإنسان من خلال التفكير المنطقي الصحيح. والفرق الوحيد هو أن الأنبياء كانوا يستمدون من مبدء غیبی ويشربون من ينبوع الوحي الصافي؛ لذلك، لا يختلف الدين والعقلانية، أو الشريعة والحكمة، بما أنّ غرضهما واحدًا، ولا يتعارضان معا على الإطلاق. إنّ الدين الحقيقي هو الذي يدعوا الناس إلى التعقل والتأكد من عالم الغیب بالأدلة العقلية. فالعقل والنقل يسيران جنبا إلى جنب. كما يقول الإمام الكاظم(ع): «إنّ للّه على الناس حجتين، حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء، والأئمة، وأمّا الباطنة فالعقول».[5]
وبناءً علی هذا، لا يمكن أن تتعارض الحجتان الظاهرة والباطنة مع بعضهما البعض. الحجة هي بمعنی الدلیل والمرشد، والمرشد یطللق علی کلّ من له معرفة بالطریق والمقصد ونهایته. وفقًا للرواية المنقولة عن الإمام الكاظم(ع)، أنّ هناك دليلان للوصول إلى الله تعالی: الدلیل والمرشد الظاهري والباطني. بالطبع، يجب الانتباه إلى أن هذین الدلیلن او هاتین الحجتين الظاهرة والباطنة ليستا مستقلتين عن بعضهما البعض. وانّ الانسان يصل الی هدفه عندما يكون هناك نهایة الانسجام والتوافق بین هاتین الحجتین.
وفی النهایة نقول: انّ العقل أحد الحجتین لله تعالی، وأنّه لا معنی للدین بدون وجود العقل، وأنّه لا توجد آیة في القرآن تتعارض مع المسلمات العقلیة. و إذا كانت هناک روایة تتعارض مع اليقين العقلاني ولا يوجد أي مبرر لها، فإنه يتم رفضها.
[1] . الطباطبائي، سید محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 3، ص 57، قم، مکتب النشر الاسلامی، 1417ق.
[2] . نفس المرجع، ج 5، ص 255.
[3] . الملک، 10.
[4] . سید رضی، محمد بن حسین، نهج البلاغة، محقق، صبحی صالح، ص 43، قم، هجرت، چاپ اول، 1414ق.
[5] . الکلینی، محمد بن یعقوب، الكافي، الغفارى، على اكبر، الآخوندى، محمد، ج 1، ص 16، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1407ق.