بحث متقدم
الزيارة
49811
محدثة عن: 2012/09/06
خلاصة السؤال
ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
السؤال
ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
الجواب الإجمالي

عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال هذه الفترة الطويلة، فلما تعب من دعوتهم و اصابه اليأس من الايمان و اشتد غضبه عليهم و ظن أنّه قد أدّى كلّ رسالته بين قومه العاصين، و لم يترك حتّى «الأولى» في هذا الشأن -حسب اعتقاده- فلو تركهم و شأنهم فلا شي‏ء عليه، مع أنّ الأولى عند الله تعالى هو بقاؤه بينهم و الصبر و التحمّل و التجلّد، فلعلّهم ينتبهون من غفلتهم و يتّجهون إلى اللّه سبحانه.

و أخيرا، و نتيجة تركه الأولى هذا، ضيّق الله عليه فابتلعه الحوت فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ "أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فقد ظلمت نفسي، و ظلمت قومي، فقد كان ينبغي أن أتقبّل و أتحمّل أكثر من هذه الشدائد و المصائب، و أواجه جميع أنواع التعذيب و الآلام منهم فلعلّهم يهتدون.

الجواب التفصيلي

عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة[1] في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال هذه الفترة؛ الاول من العباد و اسمه مليخا و الثاني من العلماء و اسمه روبيل[2]؛ و لما كان قد تصور أنه لا محذور من الخروج عن المنطقة التي بعث فيها بعد كل هذه الجهود و هذا الاعراض الذي لاقاه، يكون خروجه من قبيل ترك الاولى شأنه شأن غيره من الانبياء ممن صدر منهم ما يصطلح عليه بترك الاولى.[3]

و على هذا الاساس لما كان يونس (ع) قد دعا على قومه المتمردين و لم ينتظر الاذن الالهي بالخروج من بين ظهرانيهم و الاعراض عنهم و تركهم عند نزول البلاء بهم، عد ذلك من قبل الباري تعالى من قبيل ترك الاولى الذي لا ينبغي للانبياء الوقوع فيه و قد أحس يونس بذلك فأناب الى الله تعالى مع أن الانبياء مصونون من الخطأ و الزلل.[4]

و الجدير بالذكر أن كلمة "لن نقدر عليه" الواردة في قوله تعالى: " اذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه" تعني التعسير و التضييق، فقد روي عن الامام الرضا (ع) أنه قال في بيان معنى الآية: "ذاك يونس بن متَّى (ع) ذهب مُغاضباً لقومه فظَنَّ بمعْنى استيقنَ (أَن لنْ نقدر عليه) أَن لنْ نضيّقَ عليه رزقهُ و منهُ قولُ اللَّه عزَّ و جلَّ (و أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أَي ضيَّقَ و قتر".[5]

و من هنا حمل بعض المفسرين القضية على التمثيل قائلا: و يمكن أن يكون قوله: «إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» واردا مورد التمثيل أي كان ذهابه هذا و مفارقة قومه ذهاب من كان مغاضبا لمولاه و هو يظن أن مولاه لن يقدر عليه و هو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته و أما كونه ع مغاضبا لربه حقيقة و ظنه أن الله لا يقدر عليه جدا فمما يجل ساحة الأنبياء الكرام عن ذلك قطعا و هم معصومون بعصمة الله.[6]

و على حال فان يونس لما تعب من دعوتهم و اصابه اليأس من الايمان و اشتد غضبه عليهم و ظن أنّه قد أدّى كلّ رسالته بين قومه العاصين، و لم يترك حتّى «الأولى» في هذا الشأن حسب اعتقاده، فلو تركهم و شأنهم فلا شي‏ء عليه، مع أنّ الأولى هو بقاؤه بينهم و الصبر و التحمّل و التجلّد، فلعلّهم ينتبهون من غفلتهم و يتّجهون إلى اللّه سبحانه.

و أخيرا، و نتيجة تركه الأولى هذا، ضيّق الله عليه فابتلعه الحوت فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ "أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فقد ظلمت نفسي، و ظلمت قومي، فقد كان ينبغي أن أتقبّل و أتحمّل أكثر من هذه الشدائد و المصائب، و أواجه جميع أنواع التعذيب و الآلام منهم فلعلّهم يهتدون.[7]

 


[1] روى الميبدي عن عبد الله بن مسعود أن يونس (ع) بعث بالنبوة و هو في الثالثة و الثلاثين من عمره و لبث في قومه داعيا لهم ثلاث وثلاثين سنة و لم يؤمن له خلال هذه الفترة الطويلة الا رجلان. (انظر: الميبدي، رشيدالدين احمد بن ابي سعد، كشف الأسرار و عدة الأبرار، ج ‏6، ص 299، أمیر کبیر، طهران، الطبعة الخامسة، 1371ش)

[2] طيب، سيد عبد الحسين، اطيب البيان في تفسير القرآن، ج ‏9، ص 232، انتشارات اسلام، طهران، الطبعة الثانية، 1378ش.

[3] ثقفي طهراني، محمد، تفسير روان جاويد، ج‏3، ص 572- 573، برهان، طهران، 1398 ق.

[4] حسينى همداني، سيد محمد حسين، انوار درخشان، ج‏11، ص 93- 94  مكتبة لطفي، طهران، 1404ق.

[5] تفسير نور الثقلين، ج‏3، ص: 449

[6] الطباطبائي، سيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج ‏14، ص 314، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق

[7] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏10، ص: 230- 231، نشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاول، 1421هـ.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

  • ما هو رأی سماحتکم فی أحادیث تحریف القرآن؟
    5060 الحقوق والاحکام 2010/12/01
    جواب سماحة آیة الله هادوی الطهرانی (دامت برکاته):1. روایات التحریف إما ضعیفة السند أو لیست بحجة من ناحیة الصدور أو أنها مضطربة دلالة؛ ولاریب أن القرآن الکریم مصون من التحریف مطلقاً فلم و لن یحرف.2. لو إعتقد الشخص بتحریف ...
  • ما هی أسالیب جلب المحبة و ود بالأذکار و الأدعیة؟
    9653 النظریة 2011/10/16
    یجب أن یکون کل أفراد المجتمع ملتزمین بالتعالیم الدینیة حتی یکون المجتمع إسلامیاً و یکون سلوکه و تصرفاته علی أساس المحبة و المودة و الصداقة. القرآن الکریم بیّن طرق جلب المحبة بین المؤمنین بقوله "إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا" فالله سبحانه جعل عامل المحبة بین ...
  • کیف بقی القرآن مصوناً عن التحریف مع عدم وجود الاعراب؟
    6586 التفسیر 2008/08/21
    کان الخط العربی فی زمن البعثة خالیاً من التنقیط إضافة إلی خلّو حروفه و کلماته من العلامات فکان من الطبیعی فی ذلک الزمان أن یخلو القرآن من الإعراب. و لکن حیث ان المسلمین فی صدر الاسلام کانوا عرباً و منهم من حفظ القرآن و کان القرآن بلغتهم فکانت قراءتهم صحیحة ...
  • ما هي الجعالة و ما الفرق بينها و بين الاجارة؟
    7954 الحقوق والاحکام 2012/10/03
    (الجعالة) هي الالتزام بعوض معلوم على عمل محلل مقصود، أو هي إنشاء الالتزام به، أو جعل عوض معلوم على عمل كذلك.و يقال للملتزم: الجاعل، و لمن يعمل ذلك العمل: العامل، و للعوض: الجعل و الجعيلة.[1] و تفتقر إلى الإيجاب، و هو كل لفظ ...
  • ما حکم صلاة و صوم من شغله فی السفر؟
    5449 الحقوق والاحکام 2011/06/20
    اذا کانت الفاصلة بین مدینة کرج وطنکم الفعلی و محل العمل أقل من المسافة الشرعیة (5/22 کیلو متر) لا یصدق علیک عنوان دائم السفر و ان کنت تذهب الى ذلک یومیا؛ لانه سفر دون المسافة الشرعیة و فی هذا الفرض یصح صومک و صلاتک تامّة، و علیه لو ...
  • ما هو حدّ ستر المرأة أمام المحارم، و ما هو المقدار الذی یجوز للرجل أن ینظر الیه من بدن محارمه؟
    6368 الحقوق والاحکام 2009/11/09
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • هل ان الانسان هو خلیفة الله أو خلیفة الرب؟
    6870 التفسیر 2008/03/02
    حیث ان الآیة 31 من سورة البقرة أوضحت ان السر فی إختیار الانسان کخلیفة هو علمه بجمیع الاسماء الالهیة. قال تعالى: «علم آدم الاسماء کلها» و ان الاسم الذی یحوی جمیع الاسماء و کل الاسماء فی تجلیاته هو اسم (الله)، فان الانسان هو خلیفة الله لا خلیفة الرب، لان ...
  • هل أن قصة إبلیس قصة واقعیة أو أنها صرف تمثیل(تشبیه) ؟
    8347 التفسیر 2007/04/12
    قبل الإجابة عن هذا السؤال، إنه من الجدیر بالذکر أن أحد الطرق فی تعریف الأشیاء هو التعریف (بالمثل) یعنی تشبیه الحقائق العقلیة بالأمور الحسیة الملموسة. حتى یتمکن الأکثریة من الناس إدراکها بسهولة و فهمها بیسر، ذلک لأن الناس غالباً ما یعتادون على المحسوسات.و نلفت النظر إلى أن هذا الأسلوب ...
  • ما هو رأی مشهور العلماء و المجتهدین فی الملوک الصفویین؟
    5303 التاریخ 2009/12/13
    لا بد أن نعلم أن العلماء و المجتهدین یعتقدون بضرورة أساس کلی و هو وجوب التبلیغ و الترویج للدین و تعالیمه، و لا ینبغی التقصیر فی هذا المجال. و لکن من الممکن أن تختلف الآراء فی الطرق و الأسالیب التی تسلک لتحقیق هذا الهدف المشترک. فالاختلاف موجود، و کلام الإمام ...
  • ما هی مصادر وجوب الخمس بالنحو المتعارف الیوم و أدلته؟
    6096 الحقوق والاحکام 2010/09/19
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279458 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257318 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128187 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113302 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89018 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59873 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59581 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56878 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49810 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47185 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...