بحث متقدم
الزيارة
4996
محدثة عن: 2011/08/21
خلاصة السؤال
ما هو الفرق بین العلة و الدلیل فی الأحکام الشرعیة؟
السؤال
ما الفرق بین الدلیل و العلة؟ کما یقال مثلاً أن الدلیل الشرعی الفلانی له علة و لکن لیس له دلیل؟
الجواب الإجمالي

معنى الدلیل هو الشیء الذی یلزم من العلم به علم بشیء آخر و بواسطة الدلیل بإمکان العقل أن یصل إلى التصدیق الیقینی بصحة شیءٍ کان مورداً للشک.

نعم،  یری علماء أصول الفقه ان الدلیل یمکن ان یکون دلیلا محصلا للقطع و الیقین بالحکم و یمکن ان یکون المستند والدلیل أمراً ظنیا قد اضفى علیه الحکم الشارع الحجیة و الاعتبار.

و أما العلة باصطلاح الحکماء: فهی الشیء الذی یتوقف علیه وجود شیءٍ آخر، و هی خارج الشیء و مؤثر فیه. و اما العلة فی الأحکام الشرعیة فتعنی فلسفتها و حکمتها و التی یراى بها مصالح و مفاسد جعل الأحکام و تشریعها.

إذن فالفرق بین الدلیل و العلة فی المسائل الفقهیة یتلخص بالقول: الدلیل مقولة و قاعدة لإثبات الموضوع و الحکم الشرعی و بالاعتماد على الدلیل بإمکان المجتهد أن یستنبط حکماً للموضوع. أما العلة فهی فلسفة و حکمة الأحکام الشرعیة التی أقرها الله سبحانه للعباد و التی یعبر عنها بالمصالح و المفاسد، أما ما یقال من أن الحکم الفلانی له علة و لیس له دلیل فهذه عبارة غیر صحیحة، و ذلک لأن أی حکم شرعی إنما یثبت بالاعتماد على الأدلة القطعیة أو الظنیة التی أعطاها الشارع الاعتبار بشکل أو بآخر، و لا یوجد أی حکم شرعی دون دلیل، و لکن من الممکن أن تکون للحکم الشرعی علة و لکن لم نتوصل إلى إدراکها. إذن فالأمر بالعکس تماماً فالحکم الشرعی الفلانی له دلیل و لکننا لا نعلم علته. أو أن الله تعالى لم یبین العلة من أجل أن یربی فی عباده روح التعبد و العبودیة.

الجواب التفصيلي

من أجل أن یتضح الفرق بین الدلیل و العلة لا بد من تعریف کل منهما فی بدایة الأمر:

تعریف الدلیل:

المراد بالدلیل الحجة و البرهان الدال على صحة المدعى، و الدلیل فی اللغة یعنی المرشد، و الشیء الذی یوجب الإرشاد و الاستدلال، و فی الاصطلاح فالدلیل یعنی الشیء الذی یلزم من العلم به علم بشیءٍ آخر، و بواسطة الدلیل یمکن للعقل أن یصل إلى التصدیق الیقینی بصحة شیء کان مورداً للشک. [1]

نعم، یری علماء أصول الفقه ان الدلیل یمکن ان یکون دلیلا محصلا للقطع و الیقین بالحکم و یمکن ان یکون المستند والدلیل أمراً ظنیا قد اضفى علیه الحکم الشارع الحجیة و الاعتبار [2] . و علیه فالدلیل هو المبین للأحکام الواقعیة و الظاهریة للأشیاء، و هو عبارة ـ بشکل کلی ـ عن: (القرآن الکریم)، السنة (قول النبی الأکرم و فعله و تقریره و کذلک الأئمة المعصومین)، الإجماع و العقل.

تعریف العلة:

فی اصطلاح الحکماء العلة هی الشیء الذی یتوقف علیه وجود شیءٍ آخر و هو خارج الشیء و مؤثر به. [3]

وبعبارة أخرى: العلة تهب المعلول وجوده، و فی الواقع إن ما یأخذه المعلول من العلة هو تمام وجوده، و علیه فإذا لم تکن العلة موجودة فلا یمکن أن یوجد المعلول.

و المراد بالعلة فی الأحکام الشرعیة فلسفتها و حکمتها، و یطلق علیها المصالح و المفاسد بالنسبة للجعل و التشریع، أی أن الأحکام الشرعیة أقرت على أساس المصالح و المفاسد المتعلقة بالإنسان، و قد بینت بعضها بشکل کلی و بعضها بشکل جزئی فی الآیات و الروایات.

 

الفرق بین الدلیل و العلة:

بالعودة إلى تعریف کل من الدلیل و العلة فیمکن أن یقال أن الفرق بین الدلیل و العلة فی المسائل الفقهیة یتلخص بالآتی:

إن الدلیل مقولة و قاعدة لإثبات الموضوع و الحکم الشرعی و بالاعتماد على الدلیل یتمکن المجتهد من استنباط أحکام الموضوعات، أما العلة فهی فلسفة و حکمة جعل و تشریع الأحکام الشرعیة التی فرضها الشارع المقدس على الإنسان و التی یعبر عنها بالمصالح و المفاسد.

و علیه یمکن القول أن الدلیل فی الأحکام الشرعیة نوع "علم و اطلاع" و أما بالنسبة للعلة و المعلول فیقال "نوع رابطة بین شیئین" و لیس من الصحیح استعمال مصطلحی (الدلیل و العلة) فی معنىً واحد.

و قد تبین علة بعض الأحکام الشرعیة فی بعض أدلة الأحکام و تسری هذه العلة فی الموضوعات الأخرى و التی هی من مصادیق هذه العلة، و یطلق على هذا النوع من العلل مصطلح "العلة المنصوصة" بمعنى العلة المصرح بها فی الآیات و الروایات [4] .

 

أما ما یقال من أن الحکم الفلانی له علة و لیس له دلیل فهذه عبارة غیر صحیحة، و ذلک لأن أی حکم شرعی إنما یثبت بالاعتماد على الأدلة القطعیة أو الظنیة التی أعطاها الشارع الاعتبار بشکل أو بآخر، و لا یوجد أی حکم شرعی دون دلیل، و لکن من الممکن أن تکون للحکم الشرعی علة و لکن لم نتوصل إلى إدراکها. إذن فالأمر على العکس تماماً فالحکم الشرعی الفلانی له دلیل و لکننا لا نعلم علته. أو أن الله تعالى لم یبین العلة من أجل أن یربی فی عباده روح التعبد و العبودیة.

للاطلاع یمکن الرجوع إلى:

1ـ فلسفة و حکمة الأحکام الفقهیة، 8993 (کاربر)

2ـ مصادر بیان حکمة الأحکام و المخلوقات، السؤال 4655 (الموقع: 5190).



[1] صلیبا، جمیل و صانعى دره بیدی، منوچهر، المعجم الفلسفی، ص 351، انتشارات حکمت، طهران، الطبعة الاولى، 1366ش.

[2] نفس المصدر.

[3] نفس المصدر، ص477.

[4] الامام الخمینی، سید روح الله، انوار الهدایة، ج 1، ص 263، مؤسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی، 1415 ق؛ ملا صالح المازندرانی، حاشیه معالم الدین، ص 243، نشر مکتبة الداوری؛ النائینی، محمد حسین، فوائد الاصول، ج 2، ص 555 – 556، دفتر النشر الاسلامی، 1417ق.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • هل المجردات المثالية تشغل حيزاً من الفراغ و لها حجم و مكان؟
    8813 عالم مثال 2012/12/16
    لا يمكن القول بوجود مكان مادي لكل من الصور المثالية و الصور الخيالية و إن كانت ذات ابعاد و اشكال؛ و ذلك لان احكام الاشياء تابعة لظرف تحققها، فان كان ظرف تحققها الخارج، تكون أحكامها خارجية أيضاً، و إن كان ظرف تحققها الذهن، تكون أحكامها ذهنية أيضا؛ ...
  • ما الفرق بين الماء الكر و الماء القليل؟
    10904 انواع آبها 2012/09/10
    الكر من الماء و هو كل ماء بلغ وزنه ثلاثمائة و ستة و سبعين كيلو غراما تقريبا. و إذا كان الماء من الماء الصافي الذي يستعمل في أنابيب الاسالة [1] فحجم الكر منه يساوي ثلاثمائة و سبعة و خمسين ألفا و ...
  • ما هی علامات ظهور الامام المهدی (عج)؟
    14078 الکلام الجدید 2008/01/16
    البحث فی علامات الظهور من البحوث الدقیقة و الشائکة نوعاً ما والتیتحتاج الى دراسة جمیع الروایات الواردة فی هذا المجال، ولکن المستفاد من الروایات - و علی نحو الاجمال – تقسیم علامات الظهور الی طائفتین:علامات الظهور الحتمیة، و هی عبارة عن: ...
  • هل أن صرف تکالیف الحج و العمرة فی أعمال الخیر، یترتّب علیه ثواب الحج و العمرة؟
    7011 الحقوق والاحکام 2010/12/20
    یجب الحج إلی بیت الله مرة واحدة فقط فی العمر کلّه علی کل من توفّرت فیه شروط ذلک، و لا یجوز التخلّف عن أداء هذا الواجب لأی عذر کان الا اذا کان من الاعذار المسقطة للتکلیف، کما هو الحال فی بقیة الواجبات.و أما فیما یتعلّق ...
  • ما هو القرآن؟
    6581 التفسیر 2011/12/20
    القرآن الکریم کتاب سماوی أنزله الله سبحانه للإنسان لمعرفة طریق الحق عند بعثة آخر أنبیاء الله سبحانه و هو محمد بن عبد الله (ص). و هو معجزة نبی الإسلام (ص) الخالدة. و قد نزل هذا الکتاب علی رسول الله (ص) فی مدة 23 سنة عن طریق الوحی تدریجاً، و کان ...
  • إذا خمّسّ المال هل یجب تخمیسه مرة أخری؟
    4904 الحقوق والاحکام 2008/06/21
    کما تعلمون انّ الخمس هو أحد الواجبات المالیّة المهمّة فی الاسلام فهو من فروع الدین و یعتبر من العبادات فیجب الاتیان به بقصد القربة.و الأموال التی یتعلق بها الخمس إذا ادّیّ خمسها مرّة واحدة فلا یتعلق بها الخمس مرة أخری حتی لو بقیت لسنین طویلة، اما إذا کان المال ...
  • ماهی الآیات التی تتحدث عن العلم؟
    8398 التفسیر 2007/12/20
    القرآن الکریم باعتباره کتاب هدایة و ارشاد الى الطریق القویم- و ان الهدایة لا تتحق الا بمخاطبة العقل و ترسیخ العلم لدى الانسان-  من هنا أولى العلم أهمیة کبیرة حتى اننا نجد ان هناک کمّاً هائلا من الآیات القرآنیة قد انصب اهتمامها حول العلم و المعرفة و وسائل تحصیلها و ...
  • الرجاء تزویدی بترجمة حیاة العارف المشهور آیة الله المیرزا علی أکبر المرندی.
    4615 تاريخ بزرگان 2011/12/01
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...
  • ما تفسیر قوله تعالى \"روحاً من أمرنا\"؟
    5255 التفسیر 2012/03/13
    تعدد آراء المفسرین فی بیان المراد من قوله تعالى "روحا من امرنا" فمنهم من قال المراد من "الروح" فی هذه الآیة هو القرآن و ذلک لوجود قرائن تدل على ذلک؛ و منهم من ذهب الى القول بان المراد منه إما جبرئیل أو ملک أعظم حتی من ...
  • لماذا نقول إن الله هو الذی خلق الاشیاء و لم نقل بتسلسل العلل؟
    7121 الکلام القدیم 2009/02/28
    یبدو أن السائل لم یفهم المراد من برهان استحالة التسلسل و کیفیة الاستدلال به، هذا من جهة؛ و من جهة ثانیة انه تصور أو ظن انه من الممکن تطبیق صفات الله تعالى الذی هو وجود مجرد على الکرة الارضیة التی هی وجود مادی، لها خصوصیات المادة.من هنا ینبغی اولا ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    276441 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    243137 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    123317 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    109395 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    86263 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    57051 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    55397 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    53776 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    45487 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    44259 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...