بحث متقدم
الزيارة
2563
محدثة عن: 2018/10/03
خلاصة السؤال
توجد نصیحة اخلاقیة وفقا لبعض الروایات بانه یجب علی الانسان ان یعتبر نفسه ادنی منزلة من الآخرین وحتی من سائر الموجودات. هل تعتبر هذه نصیحة صحیحة وعقلانیة؟
السؤال
قد جاء في روایة عن امیر المومنین(ع)(ذکرها الکلینی فی الکافی عن هشام) انه قال: «وَ یَرَى النّاسَ کُلّهُمْ خَیْراً مِنْهُ وَ أَنّهُ شَرّهُمْ فِی نَفْسِهِ». ما معنی هذا الکلام؟ نظرا الی ان العاقل بما انه عاقل یستطیع ان یمیز بین الخیر والشر ویعلم خیره وشر الآخرین. ومن ناحیة اخری لان هذه الروایة عرفت العاقل بانه شاکر، فالعاقل یعرف انه عاقل فیقوم بالشکر علی ذلک، ووفقا لهذا الحدیث فانه من نوادر الافراد فی المجتمع البشری. فالحال کیف لمثل هذا الشخص ان یعتبر نفسه ادنی من الآخرین؟
الجواب الإجمالي

من اهم الصفات الاخلاقیة الایجابیة لکل انسان هی ان لایری الانسان نفسه افضل من الآخرین. اما انه یجب علی کل انسان عاقل ان یری نفسه ادنی من سائر الناس والموجودات حتی لو کان علی یقین بخلاف ذلک، فان هذا لایستنتج من دراسة المصادر الدینیة. یأتی البحث عن هذا الموضوع بتفصیل فی الاجابة التفصیلیة.

الجواب التفصيلي

ربما یتبلور فی اذهان بعض الناس من خلال الرجوع الی بعض المصادر الدینیة - بدون الالتفات الی بعضها الآخر- ان احدی الصفات الاخلاقیة الحمیدة التی اوصی بها الاسلام، هی ان الانسان لابد ان یعتبر نفسه ادنی من سائر الناس والموجودات. وربما شاهدنا او سمعنا ان بعض الخطباء والمؤلفین قد تصدی لترسیخ واشاعة هذه الفکرة بواسطة الشعر والنثر. لکن هل هذه تمام الحقیقة؟

اذا قبلنا هذا الکلام دون ای قید وشرط سیکون معناه ان النبي(ص) والامام علی(ع) والامام الحسین(ع) سیحصلون علی الکمالات والمدارج الاخلاقیة الکبری عندما یعتبرون انفسهم -العیاذ بالله- ادنی من معاویة و یزید.!

ولابد للنبی(ص) ایضا ان یعتبر اعدائه المشرکین افضل من نفسه ولا یری لنفسه منزلة افضل من منزلتهم. لکن هل ان هؤلاء(ص) کانوا علی مثل هذا السلوک؟

یمکننا ملاحظة جواب هذا السؤال فی قول الله تعالی فی القرآن الکریم: «وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً وَ قالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي فَضَّلَنا عَلى‏ كَثيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنين».[1]

کما یلاحظ ان هذین النبیین(ع) قد اعلنوا افضلیتهم لیس علی الناس غیر المؤمنین فحسب بل حتی علی الذین آمنوا، ولذلک کانوا شاکرین لله تعالی. لکن الله تعالی لم یؤاخذهم علی ذلک ابدا ولم ینهاهم عن ذلک بل کان سکوته دلیلا علی صوابهم.

ان امیر المؤمنین(ع) اعلن عن افضلیته علی الآخرین فی عدة مواضع.[2]

وفی الادعیة والمناجاة التی وصلتنا عن أئمة الدین نلاحظ انهم قد کانوا یشکرون الله لاجل افضلیتهم علی سائر الموجودات.

ان الامام السجاد(ع) کان یدعوا بهذا الدعاء عندما تجمع المائده: «الحمد لله الذي حملنا في البر والبحر ورزقنا من الطيبات وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا».[3]

لکن السؤال هو، لماذا ظهر هذا المعتقد لدی بعض الخاصة والعامة من الناس بانه یجب ان نعتبر انفسنا ادنی من الجمیع؟

علی الرغم من تصریح القرآن الکریم بکرامة بنی آدم[4] فان هذا الاتجاه المشدد یذکر قصة لموسی(ع) بانه لو ادعی فی محضر الله -اجارنا الله- انه افضل من کلب لمحی اسمه من دیوان من النبوة.[5]

یمکننا ان نقول ان سبب هذا الاعتقاد هو الروایات التی عند النظر الیها فی بادی الامر یظهر منها ان الانسان المتخلق هو من یری جمیع من عداه افضل منه.

ان حوارنا ایضا یجري علی اساس احد هذه الروايات : «....يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ وَ يَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ وَ يَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْراً مِنْهُ وَ أَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِه‏».[6]

مع ذلک یجب علینا ان نعلم هل مراد الامام(ع) هو ان یعتبر الانسان نفسه ادنی من سائر الناس حتی اولئک الذین یعتقد بجهلهم وبعدم ایمانهم؟

في رأينا ان مثل هذا الاستنباط والتلقی الواسع من الروایات لیس بصحیح؛ لان الامام الکاظم(ع) بعد ذکر کلام امیرالمؤمنین(ع) ینصح راوی هذا الحدیث فیقول: «يَا هِشَامُ لَا تَمْنَحُوا الْجُهَّالَ الْحِكْمَةَ فَتَظْلِمُوهَا».[7]

وفقا لهذه النصيحة اذا تعرف الانسان علی غیره وعلم بجهله فمن الطبیعی ان یعتبر نفسه عالما وافضل منه وهذا الاختبار والعلم او الکشف یوجد الشعور بالافضلیة فی ذهن الانسان. علی هذا الاساس نعتقد ان نصیحة الامام(ع) فی بدء الحدیث لیست نصیحة عامة غیر قابلة للاستثناء حتی یجب علینا ان نتصور انفسنا ادنی من الاخرین حتی اولئک الذین هم ادنی منا.

اننا نلاحظ مثل هذا الاختلاف فی القرآن ایضا وذلک عندما ینصح لقمان الحکیم ابنه قائلا: «ولا تصعر خدک للناس»،[8] ولکن الله تعالی یقول لنبیه(ص) «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا».[9] او «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلين».‏[10]

ففي الآيات التي اشرنا اليها یوجد امر کلی بعدم الاعراض عن الناس وتوجد توصیة خاصة ایضا بالاعراض عن الجهلاء والدنیویین.

من الطبیعی ان العمل بالتوصیة الثانیة یکون ممکننا عند ما نعتقد بجهل احد او دنیویته ثم نعرض عنه. فنفس هذا الاعتقاد والعمل بهذه التوصیه علامة علی اننا نعتبر انفسنا افضل منه وانه ادون منزلة منا.

لايتصور حیث ان الخطاب فی الآیتیین یختص بالنبی(ص) لیس علی الآخرین ان یعتروا ذلک الخطاب لهم ایضا؛ لاننا نجیب عن ذلک بان الآیات التی تأمر المؤمنین مباشرة او غیر مباشرة بالابتعاد عن الآخرین بسب افضلیتهم علیهم لیست بقلیلة. ومنها هذه الآیة الکریمة "وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَن‏ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في‏ حَديثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقينَ وَ الْكافِرينَ في‏ جَهَنَّمَ جَميعا".[11]

فعلی اساس ما ذکرنا، فمعنی کلام الامام(ع) هو اننا اذا کنا فی ضمن مجموعة واحدة وکنّا علی مستوی واحد من حیث العلم والممارسات الاجتماعیة والعبادیة، لا ینبغی لنا ان نتکبر ونعتبر انفسنا افضل من الآخرین، اما بالنسبة الی الذین ترجی توبتهم ورجوعهم الی الحق یجب علینا دائما ان نتصور فلاحهم وحسن عاقبتهم وسوء عاقبتنا اعاذنا الله من ذلک. بعبارة اخری، حتی لو کان ادنی احتمال بان احدا افضل منا لا یحق لنا ابدا ان نظن خلاف ذلک ونعتبر انفسنا افضل منه. اضافة الی ذلک انه عندما یصل الانسان الی منزلة رفیعة فی المجتمع یجب علیه ان یزید علی تواضعه بجعل نفسه امام عظمة العالم، لا انه یعتبر نفسه اقل شأنا حتی من الجهلاء والمشرکین .

فهذا النمط من الکلام الذی یذکر فیه الناس بشکل عام، ولکن یقصد منه فئة منهم قد یوجد ایضا فی روایات اخری. من جمله ذلک ما روی عن الصادق(ع): «وَجَدْتُ عُلُومَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي أَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ وَ الثَّانِي أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ وَ الثَّالِثُ أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْكَ وَ الرَّابِعَةُ أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ مِنْ دَيْنِك».‏[12]

باقل تدقیق فی هذا النص یمکننا ان نفهم ببساطة ان مراد الامام(ع) من جمیع الناس جمیع العلماء الذین عرضوا النصائح والتوصیات الاخلاقیة والدینیة للناس ولیس کل جاهل.

 


[1]. النمل، 15.

[2]. راجع: نهج البلاغة، الخطبه 3(الشقشقیة).

[3]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 6، ص 294، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1407ق.

[4]. الاسراء، 70.

[5]. الحلی، ابن فهد، عدة الداعی، ص 218، دار الکتاب الإسلامی، 1407ق.

[6]. الحرانی، الحسن بن علی بن شعبة، تحف العقول، ص 388، قم، منشورات جامعة المدرسین، 1363ش.

[7]. نفس المصدر، ص 389.

[8]. لقمان، 18.

[9]. النجم، 29.

[10]. الاعراف، 199.

[11]. النساء، 140.

[12]. البرقی، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، ج 1، ص 233، قم، دار الکتب الإسلامیة، 1371ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257247 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49740 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...