بحث متقدم
الزيارة
6281
محدثة عن: 2011/12/31
خلاصة السؤال
ما هی السبل لرؤیة الله تعالى بعین القلب؟ و ما هی نقطة البدایة التی ینطلق منها المبتدئ؟
السؤال
ما هی السبل لرؤیة الله تعالى بعین القلب؟ و ما هی نقطة البدایة التی ینطلق منها المبتدئ فی هذه السبیل؟
الجواب الإجمالي

الرؤیة القلبیة هی تجلیات الله تعالى و هذا هو المعنى الصحیح لرؤیة الله تعالى و الذی اشیر الیه فی اکثر من موضع و فی العدید من المصنفات، و ان کانت المرتبة الاصلیة لا تحصل الا بعد فناء ذات السالک فی ذات الله تعالى، و  لکن هناک مراتب و درجات أدنى من تلک المرتبة یمکن تحققها قبل مرحلة الفناء و على أثر السیر و السلوک العرفانی حیث تحدث عند السالک جذبات قلبیه فیتجلى الله تعالى له فی مخلوقاته.

الجواب التفصيلي

من المسلم به أن الرؤیة القلبیة ممکنة و قد اتفقت علیها کلمة المسلمین بکافة مذاهبهم و طوائفهم، حیث آمنوا بان الله تعالى یرى بعین القلب و البصیرة.

و لکن مع ذلک ذکرت عدة نظریات فی الکلام و الفلسفة و العرفان لبیان تلک الرؤیة و طریقة مشاهدة الباری تعالى. و من الطبیعی عندما نتحدث عن الوصول الى مقام الشهود، لابد من البحث عن ذلک فی العرفان العملی؛ لان اقصى ما یتعرض له کل من الکلام و الفلسفة بل العرفان النظری، البحث عن امکانیة ذلک و عدمه او التعرض لبعض المباحث الکلیة و العقلیة فی هذا المجال.

و اما ما یمکن استفادته من الآیات و الروایات فی هذا الخصوص؛ هو أن المؤمنین – خلافا للکافرین- یعیشون أمل اللقاء مع الله تعالى، بل من المؤمنین من یتمکن من ذلک فی هذه الحیاة الدنیا، و منهم من یحصل له ذلک فی الآخرة. و قد بنی العرفان على اصل اصیل هو أن المؤمنین بالرسالة المحمدیة لابد لهم من السعی فی هذه الدنیا الى درجة من السیر و السلوک یصلون فیها الى هذه المرتبة السامیة، مرتبة لقاء الله، و هذا ما حصل للنبی الاکرم (ص)، و من هنا روی أن الصلاة معراج، و لاریب ان غایة العروج لقاء الله تعالى.

و هنا یطرح السؤال: ما هی السبیل للمبتدئ لتحصیل هذه الدرجة السامیة؟ و هل یوجد طریق لذلک اساساً؟ او هل هناک درجة من المراتب التی تبعث علة تذوق طعم التجلی و من ثم الوصول الى الله؟

توجد فی هذا المجال روایة فی توحید الصدوق أثارت حولها البحث و الجدل و تعددت التفاسیر و التحلیلات لها، و هی:

" عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (ع) قال: قلت له: أخبرنی عن الله عز و جل هل یراه المؤمنون یوم القیامة؟ قال: نعم. و قد رأوه قبل یوم القیامة! فقلت: متى؟ قال: حین قال لهم (أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلى)‏ ثم سکت ساعة، ثم قال: و إن المؤمنین لیرونه فی الدنیا قبل یوم القیامة، أ لست تراه فی وقتک هذا؟ قال أبو بصیر، فقلت له، جعلت فداک فأحدث بهذا عنک؟ فقال: لا. فإنک إذا حدثت به فأنکره منکر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلک تشبیه کفر، و لیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین تعالى الله عما یصفه المشبهون و الملحدون".[1]

وقد حمل بعض العرفاء کالفیض الکاشانی الرؤیة هنا على مشاهدة مقام التجلی.

و لا یمکن ادراک اسرار هذه الروایة و غیرها من الروایات المشابهة لها. و مع ذلک یمکن الامساک ببعض الخیوط المؤدیة الى الاقتراب من فهم المراد من الرؤیة القلبیة فی العرفان العملی و التعامل مع کحقیقة عرفانیة و الایمان به ثم البحث فی تفسیرها و دراستها.

الرؤیة القلبیة هی تجلیات الله تعالى و هذا هو المعنى الصحیح لرؤیة الله تعالى و الذی اشیر الیه فی اکثر من موضع و فی الکثیر من المصنفات، و ان کانت المرتبة الاصلیة لا تحصل الا بعد فناء ذات السالک و هی المرتبة التی طلبها موسى (ع)، لکن هناک مراتب و درجات أدنى من تلک المرتبة یمکن تحققها قبل مرحلة الفناء، کما فی الحدیث النبوی " من رآنی فقد رآنی" [2]بمعنى ان نفس مشاهدة الجمال المحمدی یمثل تجلیا لرؤیة الحقیقة المحمدیة فی الیقظة، و هذا الجمال یمکن رؤیته فی جمال الائمة (ع) و الذی یعد منطلقا للقاء الله تعالى، و من هنا جاء فی الحدیث " النظر إلى وجه علی بن أبی طالب عبادة".[3]

إن مدرسة العشق فی العرفان الاسلامی هی مذهب رؤیة الله تعالى فی التجلیات و من هنا نجد دواوین الادب الفارسی کدیوان حافظ و مولانا و عطار و.... مشحونة بالاسرار و الرموز التی تعکس ذلک الاتجاه و المذهب المعروف فی الثقافة الایرانیة.

و بتعبیر الفیض الکاشانی – فی توضیحه لروایة أبی بصیر المار ذکرها- الجمیع یرى تجلیات الله تعالى و لکن تمایز البشر فی المعرفة و الایمان. و من کلامه (قدس) فی کتاب "الکلمات المکنونة":

" صحیح أنه لا طریق لمعرفة کنه الذات الالهیة المقدسة؛ و ذلک لانها محیطة بکل الاشیاء و لا یمکن ان تقع محاطة بشیء آخر، و أما باعتبار تجلیها فی مظاهر الاسماء و الصفات فلها وجه فی کل موجود و تجل فی کل مرآة، کما ورد فی قوله تعالى " فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه‏"[4] و فی بعض الروایات أن الله تعالى لا یخلو منه مکان حتى من غاص فی اعماق الارض وجده تعالى. و من هنا یمکن معرفته تعالى و رؤیته، بل الکل یحصل له هذا التجلی الا ان الخواص یدرکون ما یشاهدونه؛ و لذا یقولون: " ما وجدت شیئا الا وجدت الله فیه" و هذا ما لا یدرکه عوام الناس، و کما ورد فی الذکر الحکیم "أَلا إِنَّهُمْ فی‏ مِرْیَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْ‏ءٍ مُحیط".[5]

و هذا المعنى ورد الادب الفارسی:

قلت ساحظى قریبا بعذب الوصال فقال لعلک و صلت و لم تشعر[6]

و قد ذکر العرفاء قانونا عاماً لکی یتلقى الانسان من خلاله التجلیات الالهیة و یصل الى هذه المرتبة السامیة و هذا القانون یکمن فی تصفیة القلب و تطهیره من شوائب الکفر و النفاق و الشرک، فان القلب السلیم هو القلب الخالی من غیر الله تعالى و لا یحضر فیه الا هو سبحانه. و هذا الحضور یعنی تجلی الله تعالى فی القلب و الیقین بذلک التلجی. و هذه المقامات و المنازل ممکنة الحصول و الوصول الیها و طریق الوصل الیها نفی الذات و ازاحة سائر المحبوبات من دائرة القلب، و هذا هو المعنى الذی یهدف الیه العرفان الاسلامی و لا یبغی العرفاء سواه.

نعم، اذا نظرنا الى البشر المنتشرین على وجه الارض لا نجد من یتوفر على هذا العزم الا ثلة قلیلة من الناس الذین یملکون إرادة تحقق هذه الغایة السامیة، و لکن سیاتی الیوم الذی ینکشف للجمیع ذلک الطریق یوم یکون البصر حدیدا و کما قال الباری تعالی: " قَدْ خَسِرَ الَّذینَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا یا حَسْرَتَنا عَلى‏ ما فَرَّطْنا فیها".[7]



[1] الصدوق، التوحید، ص 117، باب ما جاء فی الرؤیة، ح 20، نشر جماعة المدرسین، قم، 1357ش.

[2] « و صاحب هذا المقام هو الموسوم بالخلیفة الأعظم و قطب الاقطاب و الإنسان الکبیر و آدم الحقیقىّ، المعبّر عنه بالقلم الأعلى، و العقل الاوّل، و الروح الأعظم، و أمثال ذلک.و الیه أشار النبىّ (ص) «خلق الله آدم على صورته». و کذلک «من رآنی فقد رأى الحقّ». آملی، سید حیدر، جامع الاسرار، ص 380. انتشارات علمی و فرهنگی.

[3] الشیخ الطوسی، الامالی، ص 350، دار الثقافة، قم.

[4]البقرة، 115.

[5]فصلت،54.

[6] الفیض الکاشانی، محسن، الکلمات المکنونه فی علوم اهل الحکمة و المعرفة، ص 4و5، بلا تاریخ و لا مکان(بتصرف و تلخیص).

[7]الاعراف، 31.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257227 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128137 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113236 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88993 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59834 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59548 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49726 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47163 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...