بحث متقدم
الزيارة
5294
محدثة عن: 2011/05/19
خلاصة السؤال
جاء فی بعض الآیات أن الإنسان لا تشمله الشفاعة، فهل قصد هذه الآیات هو عالم البرزخ؟
السؤال
جاء فی بعض آیات القرآن العزیز أن الإنسان لا تشمله الشفاعة، فهل قصد هذه الآیات هو عالم البرزخ الذی أخبر عنه الأنبیاء بأنه لا شفاعة فیه أم ماذا؟
الجواب الإجمالي

تنقسم آیات القرآن الکریم التی تتحدث عن الشفاعة الی ثلاثة أقسام، و لابد أن نلتفت الی أن الجامع بینها هو أنه لا یمکن لأیّ أحد أن یشفع بطریقة مستقلة، بل حتی لو حصل أحدٌ علی هذه القدرة فلا تکون الّا بسبب اعطاء الله له إیاها.

استناداً الی اطلاق الآیات القرآنیة و الروایات المتواترة التی تتحدث عن الشفاعة نجد أن الشفاعة غیر منحصرة بیوم القیامة بل علاوة علی ذلک توجد فی البرزخ أیضاً.

الجواب التفصيلي

الشفاعة لغة: الشفع: ضم الشیء الی مثله ... و الشفاعة الانضمام الی آخر ناصراً له و سائلاً عنه، و أکثر ما یستعمل فی انضمام من هو أعلی حرمة و مرتبة الی من هو أدنی. [1]

الشفاعة فی الاصطلاح: الشفاعة فی الاصطلاح هی: جعل مخلوق ما واسطة بین الله و مخلوق آخر، فی ایصال الخیر و دفع الشر، سواءٌ أکان ذلک فی الدنیا أم فی الآخرة. [2]

فالشفاعة على ما نعرف من معناها إجمالا بالقریحة المکتسبة من الاجتماع و التعاون (و هی من الشفع مقابل الوتر کأن الشفیع ینضم إلى الوسیلة الناقصة التی مع المستشفع فیصیر به زوجا بعد ما کان فردا فیقوى على نیل ما یریده، لو لم یکن یناله وحده لنقص وسیلته و ضعفها و قصورها) من الأمور التی نستعملها لإنجاح المقاصد، و نستعین بها على حوائج الحیاة، و جل الموارد التی نستعملها فیها إما مورد یقصد فیها جلب المنفعة و الخیر، و إما مورد یطلب فیها دفع المضرة و الشر. [3]

الشفاعة فی الآیات القرآنیة:

یمکن تقسیم الآیات القرآنیة التی تتحدّث عن الشفاعة الی ثلاثة أقسام: 1- فی القسم الأول توجد آیات تنفی الشفاعة بشکل مطلق مثل آیة «و اتقوا یوماً لا تجزی نفسٌ عن نفس شیئاً و لا یقبل منها شفاعةٌ و لا یؤخذ منها عدلٌ و لا هم ینصرون» [4] و آیة «یا أیها الذین آمنوا أنفقوا مما رزقناکم من قبل أن یأتی یومٌ لا بیعٌ و لا خلّةٌ و لا شفاعةٌ و الکافرون هم الظالمون». [5]

2- فی القسم الثانی هناک آیات تثبت الشفاعة، و لکن لله تعالی فقط، مثل آیة «   وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذینَ یَخافُونَ أَنْ یُحْشَرُوا إِلى‏ رَبِّهِمْ لَیْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِیٌّ وَ لا شَفیعٌ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُون» [6] و آیة «   قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمیعاً لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ ». [7]

3- القسم الثالث تثبت الشفاعة لمن اذن له الله سبحانه فی الشفاعة مثل آیة «   یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْل » [8]

و کیف کان فالآیات تثبت الشفاعة بلا ریب، غیر أن بعضها تثبتها بنحو الأصالة لله وحده من غیر شریک، و بعضها تثبتها لغیره بإذنه و ارتضائه، و قد عرفت أن هناک آیات تنفیها فتکون النسبة بین هذه الآیات کالنسبة بین الآیات النافیة لعلم الغیب عن غیره، و إثباته له تعالى بالاختصاص و لغیره بارتضائه، قال تعالى: «قُلْ لا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَیْبَ»: النمل- 65، و قال تعالى: «وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ لا یَعْلَمُها إِلَّا هُوَ»: الأنعام- 59 و قال تعالى: «عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى‏ غَیْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ»: الجن- 27، و کذلک الآیات الناطقة فی التوفی و الخلق و الرزق و التأثیر و الحکم و الملک و غیر ذلک فإنها شائعة فی أسلوب القرآن، حیث ینفی کل کمال عن غیره تعالى، ثم یثبته لنفسه، ثم یثبته لغیره بإذنه و مشیته، فتفید أن الموجودات غیره تعالى لا تملک ما تملک من هذه الکمالات بنفسها و استقلالها، و إنما تملکها بتملیک الله لها إیاه. [9]

إذن الشفاعة لغیر الله سبحانه لها وجود و لکن بإذنه تعالی. و هناک روایة عن الإمام الصادق (ع) یحذر فیها الشیعة و یخوفهم من البرزخ حیث یقول (ع): «و الله ما أخاف علیکم الّا البرزخ، فأما اذا صار الأمر الینا فنحن اولی بکم». [10]

ما نفهمه من هذه الروایة هو أن عالم البرزخ عالم شدید و صعب علی بعض الشیعة، حیث نری أن الإمام الصادق (ع) یظهر القلق علی شیعته، و لکن لیس معنی ذلک أن مسألة الشفاعة منتفیة، بل لو توفّرت فی مؤمن ما شروط الشفاعة فمن الطبیعی أن ینقذه النبی (ص) و أهل بیته من تبعات ذنوبه یوم القیامة و یشفعوا له.

من الضروری هنا الاشارة الی عدة نکات:

1- جاء فی کتاب «بدائع الإسلام فی تفسیر الأحکام» [11] فی ذیل هذه الروایة أقول لا یخفی ما فی متن الروایة الأخیرة من الاضطراب مع احتمال ما أرسله على ابن إبراهیم هو عین روایة الکافی فیکون مرجع جمیعها إلى روایة واحدة و ثانیا ان هذه الروایات مع قطع النظر عما ذکرناه معارضة بطوائف مع الروایات فلا یصلح لتقیید الآیات المطلقة التی أشرنا إلیها.

2- الشیء الآخر، أن ما یمکن الحصول علیه من روایات الشفاعة، هو أن الشفاعة غیر منحصرة فی عالم القیامة بل یمکن أن تشمل شفاعة الرسول الأکرم (ص) و أهل بیته (ع) بعض الأفراد فی البرزخ لتوفر شروط الشفاعة فیه.

فقد وردت روایات کثیرة فی هذا المورد تؤکّد علی أن النبی الأکرم (ص) و أهل بیته (ع) یحضرون المیت عند احتضاره أو بعد موته و یطلبون الاستغفار له من الله سبحانه ثم یرفع العذاب عن هذا المیت بسبب دعائهم (ع). بل حتی قد جاء فی بعض الروایات أن النبی الأعظم (ص) یأمر ملک الموت أن یخفّف علیه العذاب عند قبض روحه. لذلک فإن استغفار النبی (ص) و أهل بیته (ع) و ترحّمهم علی المیت و طلبهم التخفیف عنه من ملک الموت و حضورهم عند جنازته کل هذه الامور دالّة علی شفاعتهم فی عالم البرزخ. [12]

روی عن النبی (ص) فی روایة طویلة مخاطباً بها أمیر المؤمنین جاء فیها: «... وَ أَمَّا وَلِیُّکَ فَإِنَّهُ یَرَاکَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَکُونُ لَهُ شَفِیعاً وَ مُبَشِّراً وَ قُرَّةَ عَیْنٍ ». [13]

فی النتیجة فنحن لم نعثر علی روایات تنفی الشفاعة فی عالم البرزخ، بل أن کل ما حصلنا علیه من اطلاق آیات القرآن الکریم و الروایات المتواترة فی هذا المجال هو إثبات الشفاعة حتی فی عالم البرزخ.

المواضیع المرتبطة:

الشفاعة فی القیامة، 1567 (الموقع: 2849).

مفهوم الشفاعة فی الإسلام، 1423 (الموقع: 2164).

الشفاعة و الرضا الإلهی، 634 (الموقع: 693).

نفی مالکیة النفع و الضرر بالنسبة للنبی و طلب الشفاعة و الشفاء منه، 618 (الموقع: 676).



[1] حسین بن محمد الراغب الأصفهانی، المفردات فی فی غریب القرآن، ص457، دار العلم الدار الشامیة، دمشق، بیروت، 1412 هـ.ق.

[2]    برنامج پرسمان 2.

[3]     الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص: 157، النشر: مؤسسة

لنشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة بقم، 1417 هـ، الطبعة

لخامسة، قم.

[4]    البقرة، 48.

[5]    البقرة، 254.

[6]    الأنعام، 51.

[7]    الزمر، 44.

[8]    طه، 109.

[9]     المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص:156- 157.

[10]    بحار الأنوار للشیخ محمد باقر المجلسی، ج6، ص214، مؤسسة الوفاء، 1404 ق.

[11]    محمد باقر الملکی المیانجی فی بدائع الکلام فی تفسیر آیات الأحکام، ص158، مؤسسة

لوفاء، بیروت 1400هـ.ق.

[12]    للإستفادة أکثر فی هذا المجال یرجی مراجعة بدائع الکلام فی تفسیر آیات الأحکام ص158.

[13]    بحار الأنوار، ج6، ص194.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...