بحث متقدم
الزيارة
5699
محدثة عن: 2013/01/15
خلاصة السؤال
ما المراد من الموقف الرهیب الذی جاء فی الآیات 21، 22، 23 من سورة "ق"؟
السؤال
السلام علیکم و رحمة الله و برکاته سورة ق المبارکة: الآیات الکریمة (وَ جاءَتْ کُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهید (21) لَقَدْ کُنْتَ فی‏ غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدید (22) وَ قالَ قَرینُهُ هذا ما لَدَیَّ عَتید (23)، الرجاء توضیح هذا الموقف الرهیب فی هذه الآیات الثلاث؟
الجواب الإجمالي
هذه الآیات تصوّر نبذة عن کیفیة حساب الناس یوم القیامة، فلو فکّرنا فی هذا الصورة ملیّا لرأیناها مرعبة جداً و هی أن لکل شخص ملکین یصحبانه أحدهم یسوقه و یقدمه إلى محشره و مکان حسابه و الآخر یتبعه بصفة شاهد و ناظر على أعماله لیشهد علیها. فی ذلک الیوم یکون بصر الإنسان حادّ جدّاً، یرى الحقائق بوضوح کما هی و کما بلّغها الأنبیاء فی الدنیا و أنکرها هو، و هذان الملکان یسلمانه للحق تعالى مع أعماله لینال جزاءه فیها. إذن، فالموقف الرهیب هناک هو نفس هذا السوق و التقدیم للإنسان بوضعیته خاصة حیث لا مجال للإنسان لا للإنکار و لا للمقاومة و التخلص.
الجواب التفصيلي
یخبر الله سبحانه فی هذه الآیات عن حال الإنسان بعد بعثه فی یوم القیامة حیث یقول: "وَ جَاءَتْ کلُ‏ُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائقٌ وَ شهَید".[1] یعنی یحضر کل شخص مکلف عند الله سبحانه یوم القیامة و معه ملکان یصحبانه، الأول یسوقه إلى محشره و مکان حسابه ـ و بالطبع لا یکون هذا السوق بشکل عادی و مألوف بل على حد تعبیر القرآن مقروناً بالأغلال و السلاسل و الغضب و الغلبة[2]ـ و الملک الآخر، شاهد على أعماله و قد کتب و سجّل کل أعماله، فلا مجال للفرار و الإنکار.[3]
و لأمیر المؤمنین (ع) کلام فی الخطبة 85 من نهج البلاغة یصف فیها لحظات الموت المؤلمة و تسلیم الروح و کیفیة سوق الإنسان إلى محشره و محل حسابه حیث تهز کل شاهد و تدعوه إلى التفکیر حیث یقول (ع): "...فکأنّ قد علقتکم مخالب المنیة، و إنقطعت بکم علائق الأمنیة، و دهمتکم مفظعات الأمور، و السیاقة إلى الورد المورود فـ "کل نفس معها سائق و شهید"، سائق یسوقها إلى محشرها، و شاهد یشهد علیها بعملها".[4]
قال بعض المفسرین:[5] "السائق من الملائکة و الشهید الجوارح تشهد علیها".[6]
2ـ "لَّقَدْ کُنتَ فىِ غَفْلَةٍ مِّنْ هَاذَا فَکَشَفْنَا عَنکَ غِطَاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِید".[7]
و الغفلة: "ذهاب المعنى عن النفس".[8] أی یقال له فی یوم القیامة لقد کنت فی سهو و نسیان من هذا الیوم فی الدنیا، فمع إعلام الأنبیاء و أنبائهم لک بوجود یوم القیامة و هو یوم الحساب و الکتاب لکنّک لم تصدق به بل غفلت عنه.[9]
یقول المفسرون: الخطاب موجّه لجمیع المکلفین برّهم و فاجرهم، فیکون معنى الآیة: "نحن الیوم، کشفنا عنک أیها الإنسان ذلک الغطاء الذی کان یغطی قلبک و سمعک و بصرک فی الدنیا لتتّضح لک حقائق الأمور بلا حاجة للإستدلال".[10] و قال البعض: هذا الخطاب منه تعالى لنبیه (ص)، و ذلک لأن "کنت" و"عنک" و "غطاءک" و "بصرک" کلها خطاب لشخص حاضر و إشارة إلى أنک أیها النبی (ص)، لقد کنت قبل الرسالة و نزول الوحی فی غفلة عن أحداث و وقائق المحشر بسبب إعتبار مرتبتک البشریة و حالک قبل نزول الوحی لکی بعد البعثة کشفنا عنک غطاءک فبصرک الیوم حادّ و حدید فکل ما هو بحاجة إلى الإستدلال للآخرین بالنسبة لک بدیهی و ضروری لا یحتاج إلى الإستدلال.[11]
3ـ "وَ قَالَ قَرِینُهُ هَاذَا مَا لَدَىَّ عَتِید"[12]
قال البعض: "لا یخلو السیاق من ظهور فی أن المراد بهذا القرین الملک الموکل به".[13]و هناک روایة عن الإمام الصادق (ع) فی معنى هذه الآیة تؤید هذا الکلام.
عن أبی بصیر قال: سئل الإمام الصادق (ع) عن قوله تعالى: "هذا ما لدّی عتید"؟ فقال (ع): "إنه الملک الشهید".[14]
و قیل:[15] "المراد من القرین هو الشیطان[16] الذی وکّل به و قیّض له".[17]و قیل: "المراد من القرین هو جلساؤه فی الدنیا".[18]
فإذا کان المراد من القرین الملک "الشهید" فمعناه "هذا حسابه حاضر لدیّ فی هذا الکتاب أی یقول لربّه: کنت وکلتنی به فما کتبت من عمله حاضر عندی".[19]  و إن کان المراد من القرین، الملک "السائق" کان معنى قوله: "هذا ما لدی عتید" أی "هذا الإنسان الذی هو عندی حاضر".[20] و إذا کان المراد به الشیطان أو القرین من الإنس فی الدنیا کان المعنى: "هذا الإنسان هو الذی تولیت أمره و ملکته حاضر ـ بسبب ذنوبه التی إرتکبها بإغوائی ـ و مهیأ لدخول جهنم".[21]
 

[1]  ق، 21.
[2]  خذوه فغلّوه ثمّ الجحیم صلّوه ثمّ فی سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلکوه، الحاقة، 30 ـ 32.
[3]  الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان، ج 9، ص 219، ناصر خسرو، طهران، 1372 ش، الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان، ج 18، ص 349، مکتب الإنتشارات الإسلامیة، قم، 1417 ق، المکارم، الشیرازی ناصر، تفسیر نمونة، ج 22، ص 259، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1374 ش.
[4]  الشریف الرضی، محمد بن حسین، نهج البلاغة (للصبحی صالح)، ص116، الهجرة، قم، الطبعة الأولى، 1414 ق.
[5]  الضحاک.
[6]  مجمع البیان، ج 9، ص 219.
[7]  ق، 22.
[8]  الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، ج 5، ص 435، مکتبة المرتضوی، طهران، 1375 ش، مجمع البیان، ج 9، ص 219.
[9]  السیدة الإصفهانی، السیدة نصرة الأمین، مخزن العرفان فی تفسیر القرآن، ج 13، ص 281، نهضة النساءالمسلمات، طهران، 1361 ش.
[10]  مجمع البیان، نفس المصدر، المیزان، نفس المصدر، ص 349 ـ 350، تفسیر الأمثل، نفس المصدر.
[11]  مخزن العرفان، نفس المصدر، ص 281 ـ 282.
[12]  ق، 23.
[13]  المیزان، نفس المصدر، ص 351، مغنیة، محمد جواد، التفسیر المبین، ص 690، مؤسسة البعثة، قم، بی تا، السید الکریمی الحسینی، سید عباس، تفسیر علیین، ص 519، أسوة، قم، الطبعة الأولى، 1382 ش.
[14]  المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، المحقق، و المصحح، جمع من المحققین، ج 5، ص 323، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الثانیة، 1403 ق.
[15]  مجاهد.
[16]  "وَ مَن یَعْشُ عَن ذِکْرِ الرَّحْمَانِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِین"، زخرف، 36.
[17]  القمی، علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، تحقیق، الموسوی الجزایری، السید طیب، ج 2، ص 324، دار الکتاب، قم، الطبعة الرابعة، 1367 ش، الطبرسی، فضل بن حسن، تفسیر جوامع الجامع، ج 4، ص 167 ـ 168، نشر جامعة طهران و مدیریة الحوزة العلمیة فی قم، طهران، الطبعة الأولى، 1377 ش.
[18]  مجمع البیان، نفس المصدر، ص 220.
[19]  مجمع البیان، نفس المصدر، المیزان، نفس المصدر، ص 351، الطیب، السید عبد الحسین، اطیب البیان فی تفسیر القرآن،ج 12، ص 249، إنتشارات الإسلام، طهران، الطبعة الثانیة، 1378 ش.
[20]  المیزان، نفس المصدر، ص 351.
[21]  المیزان، نفس المصدر، تفسیر الأمثل، نفس المصدر، ص 269.
 
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...