Please Wait
5628
2ـ- هل أن إتباع الصفویین للأئمة الإثنی عشریة من قبیل اتخاذهم وسیلة لتقویة سلطانهم؟ کما هو الحال بالنسبة إلى السلاطین العثمانیین فی إظهار التسنن کوسیلة لذلک.
و لکن على الرغم من کونهم حکاماً و ملوکاً هل یوجد بینهم أفراد متدینون؟
لا بد أن نعلم أن العلماء و المجتهدین یعتقدون بضرورة أساس کلی و هو وجوب التبلیغ و الترویج للدین و تعالیمه، و لا ینبغی التقصیر فی هذا المجال. و لکن من الممکن أن تختلف الآراء فی الطرق و الأسالیب التی تسلک لتحقیق هذا الهدف المشترک. فالاختلاف موجود، و کلام الإمام الخمینی یقصد فیه حینما وصف الملوک بالمزخرفین هو کیفیة إدارة الدولة بنظام السلطنة، و لا یقصد أن الملوک أنفسهم من المزخرفین، و هذا أمرٌ بدیهی و ذلک لأنه فی کل سلسلة ملکیة سواء کانت إسلامیة أو غیر إسلامیة، لا یمکنها أن تجعل من جمیع أفراد ملوکها على مستوى واحد، و إنما لا بد من وجود اختلاف فی الکثیر من الصفات و الخصال و منها الالتزام بأحکام الشرع و الدین.
1ـ إن تکلیف علماء الدین هو تشخیص المعاییر و الموازین، و لم یتعرضوا عادةً إلى المصادیق، إلا أن تکون معرفة المصداق ضروریة للمجتمع الإسلامی.
و قد واجه الإمام الخمینی(ره) فی مسیرته الثوریة أفراداً على الرغم من إشکالاتهم و انتقادهم لمحمد رضا شاه، إلا أنهم لا یوافقون على اجتثاث نظام السلطنة الملوکی، و کانوا یفکرون على أساس أن الملک ظل الله فی الأرض، و حینما واجه الإمام مثل هذا التفکیر أطلق على نظام الملوکیة و السلطنة الذی لیس للشعب أی مدخلیة فی تعیینه و إقراره بأنه نظام مزخرف. و تعبیره کالآتی: «و لکن الملوکیة و منذ القدم کانت أمراً مزیفاً، حیث یکون فیه الفرد ملکاً و سلطاناً على أمة من دون أن یکون لها أی رأی و حریة فی ذلک»[1].
و بما أن القول: «أن السلطة موهبة إلهیة کلام فارغ، فهو کلام مزیف»[2] أو القول: «أن ملک البلاد ظل الله فی الأرض، إن هذا کلام مزیف»[3].
و بملاحظة کلام الإمام المتقدم و غیرها من خطاباته نصل إلى نتیجة کلیة و هی أن الإمام لدیه اعتراض على أصل نظام الملوکیة و السلطنة بغض النظر عن شخصیة الملک أو السلطان و ما یتمتع به من خصائص، لأنه یعتقد أن هذا النظام مزیف، و لم یصدر منه کلام یصف فیه الصفویین بأنهم مزیفون، و بالاستقراء لم یصدر عنه أی کلام سلبی بشأن إسماعیل الصفوی، مؤسس هذه المملکة و أول حلقة فی سلسلة ملوکها. و من جهة أخرى: یوجد فکر متطرف یعتقد أن أی إتصال بالملوک و السلاطین حتى على مستوى إرشادهم و توجیههم أمر مرفوض و مدان، و لذلک اتهم علماء کبار من أمثال العلامة المجلسی و الخواجة نصیر الدین الطوسی لصلتهم بالملوک فنعتوا بأنهم وعاظ السلاطین. و الإمام الخمینی یعارض هذا التفکیر المتطرف، و یقول فی معرض الدفاع عن هؤلاء العلماء: «کان المرحوم المجلسی ضمن الجهاز الصفوی، و قد صنع منهم ملائیة، و لم یصنعوا منه صفویاً، فقد استدرجهم إلى المدارس و العلم بالقدر الذی کان یستطیع، و هذا العمل من الواجبات الملقاة على عاتقنا الآن، إذا کان باستطاعتنا فیما لو کانوا على استعداد للعمل و الخدمة، فإننا سوف نشارک فی هکذا عمل، لأن هدفنا هو تربیة إنسانٍ مستقیم»[4].
و نستنتج من هذا الکلام، أن الإمام على الرغم من انتقاده الشدید لنظام الملوکیة و السلطنة، إلا أنه یرى التعاون معهم مجازاً فی بعض الموارد، و فی کلامه دلالة فی الجملة على أن الملوک الصفویین أفضل من سلسلة الملوک القاجاریین الفهلویین، لأن ما یفهم من کلامه أن الصفویین تأثروا کثیراً بمصاحبة العلماء، و لا شک أن هذا الأمر یعد من النقاط الإیجابیة التی تسجل لهؤلاء الملوک.
2ـ و لا بد من التنویه بأمرٍ مهم فی بیان الإجابة عن سؤالکم:
تارةً یطرح کلام مؤداه أن أهل إیران و العراق کانوا من أهل السنة، و أن الحکومة الصفویة الشیعیة أجبرتهم على الدخول فی التشیع، و تارةً نسمع تحلیلاً یرى أن الصفویین استغلوا المیول الإیرانیة إلى التشیع لبث دعوتهم و بسط نفوذهم. و کلا الأمرین یراد منه توجیه ضربة إلى الشیعة الإیرانیین فی دائرة العالم الإسلامی، فهل لأصحاب هذه الأقوال أن یجیبوا عن سؤالنا: فی نهایة المطاف أخبرونا هل أن الصفویین استغلوا تشیع الإیرانیین لتقویة دولتهم، أم أنهم أجبروا الإیرانیین على التشیع؟
و لکن المؤسف أن بعض العلماء لیس لهم القدرة على مواجهة التشیع بالأدلة المنطقیة، و لیس بإمکانهم إظهار الحقائق لذلک یلتجئون إلى إثارة النعرات و العصبیات القومیة للحیلولة دون انتشار هذا المذهب.
إنهم یقولون للشعب العراقی أن المذهب من صنع الإیرانیین العجم، و أنهم فرضوه علیکم بالإجبار و یقولون للأتراک أنهم وارثوا دولة بنی عثمان عدوة الإیرانیین الشیعة، و التی کانت تمثل العالم الإسلامی فی یوم من الأیام، و لا یلیق بکم أن ترضخوا لـتاثیر مذهب العلویین و أخیراً یخاطبون الإیرانیین بالقول: إنکم إن لم تکونوا شیعةً فی السابق، و إنما أدخلتم فی التشیع بعد مجیء السلطة الصفویة، و إذا ما حللنا مثل هذه الخطابات بإنصاف و موضوعیة فلا نجد أحداً منها یتصف بالواقعیة، و إنما الواقع هو أن التشیع و الإسلام تکاملا معاً.
أما بالنسبة إلى القول أن الملوک الصفویین یعتقدون بالتشیع حقیقةً أم أنهم انتحلوه لتثبیت سلطانهم؟ فلا بد من القول أنه لا یوجد تنافٍ بین الأمرین. فقد حدث هذا فی صدر الإسلام، فکان بعض الأمراء یعتقدون بالإسلام حقیقةً، و کانوا یستفیدون من المعتقدات الإسلامیة لتعبئة جنودهم من أجل إحراز الانتصارات. و هذا ممکن فی زمن الصفویین، فقد یستفید هؤلاء الملوک من میول الشعب إلى التشیع و لکن هذا لا یعنی أنهم غیر معتقدین بالتشیع فی قلوبهم.