Please Wait
الزيارة
6067
6067
محدثة عن:
2015/06/10
خلاصة السؤال
ما هی الاخلاقیات و القیم التی توجد فی سورة الحجرات؟
السؤال
ما هی الاخلاقیات و القیم التی توجد فی سورة الحجرات؟
الجواب الإجمالي
لاریب أنّ لعلاقة المسلم باللّه و رسوله آداب فی الإسلام یفترض بالمسلم احترامها عند مخاطبتهما، کما أنّ هناک آدابا لعلاقة المسلم بالآخرین تلزمه باحترام أسرارهم و خفایاهم و عیوبهم و أوضاعهم، بحیث لا ینفذ إلیها إلّا بإذن إلهیّ، أو بإذن أصحابها أنفسهم، و لا یذکر من تلک الخفایا إلا ما کان فیه خیر للمسلم... و على المسلمین أن یعیشوا الانفتاح على التنوّع البشری فی ما قسّم اللّه الناس إلیه من شعوب و قبائل، لیکون ذلک أساسا للتعارف و التفاعل، بدلا من أن یکون أساسا للعصبیة و التنابذ و...
تشرع السورة بقوله تعإلى "یاأیها الذین أمنوا...." مما یوحی لنا بأن المربی و المصلح إذا أراد لمنهجه و قیمه النزول إلى أرض الواقع علیه أن یعتمد اسلوبا محببا و خطاباً ینسجم مع طبیعة المخاطبین.
و قد جاءت السورة المبارکة لتنظم هذه العلاقة و تعزز حالة الاحترام و التوقیر للنبی (ص) مبینة قیمة القائد و القیادة، فی قوله تعإلى: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیم".
فیستفاد من الآیة: النهی عن التقدم بین یدی الله تعإلى ورسوله (ص) بأی قول أو فعل. وفی الآیة المبارکة ایحاء بأنّ الله تعإلى أراد للانسان المؤمن أن یصل فی طبیعة تعامله مع الرسول إلى مصاف تعامل الملائکة مع الله تعإلى و أنْ تتم تربیتهم بهذا المستوى من الأدب الرفیع الذی اشارت إلیه الآیة المبارکة:(لایَسبِقونَه بِالقَول و هم باَمرِه یَعمَلون )، و إن الذی یتخطى قیادة الرسول (ص) ویمنح نفسه حق التقدم علیه (ص) بالقول و العمل غیر المسموح به، یکون فی الواقع قد عرض المجتمع إلى ظهور حالة الهرج و المرجع فیه ثم الاخلال بالنظام العام و التلاعب الدستور التربوی و الجزائی و....
وغیر ذلک من النکات الاخلاقیة ذکرناها فی الجواب التفصیلی
تشرع السورة بقوله تعإلى "یاأیها الذین أمنوا...." مما یوحی لنا بأن المربی و المصلح إذا أراد لمنهجه و قیمه النزول إلى أرض الواقع علیه أن یعتمد اسلوبا محببا و خطاباً ینسجم مع طبیعة المخاطبین.
و قد جاءت السورة المبارکة لتنظم هذه العلاقة و تعزز حالة الاحترام و التوقیر للنبی (ص) مبینة قیمة القائد و القیادة، فی قوله تعإلى: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیم".
فیستفاد من الآیة: النهی عن التقدم بین یدی الله تعإلى ورسوله (ص) بأی قول أو فعل. وفی الآیة المبارکة ایحاء بأنّ الله تعإلى أراد للانسان المؤمن أن یصل فی طبیعة تعامله مع الرسول إلى مصاف تعامل الملائکة مع الله تعإلى و أنْ تتم تربیتهم بهذا المستوى من الأدب الرفیع الذی اشارت إلیه الآیة المبارکة:(لایَسبِقونَه بِالقَول و هم باَمرِه یَعمَلون )، و إن الذی یتخطى قیادة الرسول (ص) ویمنح نفسه حق التقدم علیه (ص) بالقول و العمل غیر المسموح به، یکون فی الواقع قد عرض المجتمع إلى ظهور حالة الهرج و المرجع فیه ثم الاخلال بالنظام العام و التلاعب الدستور التربوی و الجزائی و....
وغیر ذلک من النکات الاخلاقیة ذکرناها فی الجواب التفصیلی
الجواب التفصيلي
الحدیث عن الأبعاد الاخلاقیة والتربویة فی سورة الحجرات یحتاج إلى مجال أوسع، و من هنا نحاول تسلیط الاضواء بما یسمح به المجال على الابعاد الاخلاقیة فی الآیات الثلاث الأول من السورة مع الاشارة إلى بعض النکات والتوجیهات التربویة الاخرى فی سائر الآیات.
الآیة الاولى: " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیمٌ".
لاریب أنّ لعلاقة المسلم باللّه و رسوله آداب فی الإسلام یفترض بالمسلم احترامها عند مخاطبتهما، کما أنّ هناک آدابا لعلاقة المسلم بالآخرین تلزمه باحترام أسرارهم و خفایاهم و عیوبهم و أوضاعهم، بحیث لا ینفذ إلیها إلّا بإذن إلهیّ، أو بإذن أصحابها أنفسهم، و لا یذکر من تلک الخفایا إلا ما کان فیه خیر للمسلم... و على المسلمین أن یعیشوا الانفتاح على التنوّع البشری فی ما قسّم اللّه الناس إلیه من شعوب و قبائل، لیکون ذلک أساسا للتعارف و التفاعل، بدلا من أن یکون أساسا للعصبیة و التنابذ و.... [1]
فسورة الحجرات هی من السور التی تثیر الحسّ التربوی فی المجتمع الإسلامی على اختلاف أوضاعه، على صعید الحیاة و الإنسان، لیتفاعل الإیمان مع الواقع فی عملیة تزاوج روحیِّ و عملیِّ یتحول فیه الإسلام إلى موقف
آداب التعامل مع النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.[2]
و هی تنسجم تماما مع قوله (ص): انما بعثت لاتمم مکارم الاخلاق[3] التی تقوم فی حقیقتها على تعزیز شخصیة الانسان المسلم و التعامل معه بطریقة تحفظ له کرامته من جهة، و تنیر له الطریق و ترشده إلى ما فیه الصلاح من جهة أخرى؛ و من هنا نرى السورة المبارکة تشرع بقوله تعإلى "یاأیها الذین أمنوا...." مما یوحی لنا بأن المربی و المصلح إذا أراد لمنهجه و قیمه النزول إلى أرض الواقع علیه أن یعتمد اسلوبا محببا و خطاباً ینسجم مع طبیعة المخاطبین.[4] و إنّ إطلاق النداء للناس من خلال صفة الإیمان، یوحی بأن هذا التعلیم ینطلق من مضمون الإیمان فی حرکته الروحیة و السلوکیة.[5]
علاقة الأمة مع القائد
تتفق الشعوب و الاقوام على محوریة القائد فی الحرکة و من هنا نراهم یحترمون بل یقدسون أحیانا کلّ ما یمت إلیه بصلة من قبیل الاعتزار بتاریخیه و آثاره و مقتنیاته، فتراهم یطلقون اسماء القادة على الطرق و الجامعات و المؤسسات العلمیة و المطارات، بل یعتزون بالحوادث الوقائع و الاوقات التی عاشوها و الاماکن التی ولدوا فیها و الاماکن التی بعثوا منها: "إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً"[6] "فَاخلَع نَعلَیک انّک بِالوادِ المقدّس طُوى"[7] و.... و هذه قضیة لم یتخلف عنها المسلمون بل کانوا الأکثر تقدیساً و احتراماً للنبی (ص) لإیمانهم العمیق بعظم شخصیته و ارتباطها بالسماء و طبیعة تعامله (ص) التی وصفها القرآن الکریم "لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَریصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنینَ رَؤُفٌ رَحیم".[8] فکان یهتمون بکلّ شیء نسب إلیه و یتبرکون بآثاره و بفاضل ماء وضوئه و....[9] بل أکد القرآن الکریم على احترام اشیاء کثیرة منسوبة إلى الرسول و الشریعة من قبیل المسجد الحرام فی قوله تعإلى: "انّما المشرکون نجس فلایَقربوا المسجد الحرام"[10] وکان من قبل قد أمر إبراهیم و إسماعیل بتطهیره "وَ عَهِدْنا إلى إِبْراهیمَ وَ إِسْماعیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطَّائِفینَ وَ الْعاکِفینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ"[11]
و قد جاءت السورة المبارکة لتنظم هذه العلاقة و تعزز حالة الاحترام و التوقیر للنبی (ص) مبینة قیمة القائد و القیادة، فی قوله تعإلى: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیم".[12]
و الظاهر أن المراد بالتقدم هو الوقوف أمام اللّه و رسوله بمعناه الکنائی، حیث یدل التقدّم علیهما على خضوع الإنسان لهواه أو لفکره الشخصی أو لمزاجه الذاتی، بعیدا عن خط الإیمان الذی یوحی باللّه، أو یلهم به رسوله، مما یوحی بأن من الواجب على المؤمن أن یبقى مشدودا إلى أوامر اللّه و نواهیه، و إلى شرع الرسول و نهجه.[13]
فیستفاد من الآیة:
1) النهی عن التقدم بین یدی الله تعإلى ورسوله (ص) ـ بأی قول أو فعل.
2) الأمر من الله سبحانه و تعالى بالتقوى لقوله سبحانه: "وَاتَّقُوا اللَّهَ".
3) إثبات اسمین من أسماء الله عز وجل وهما السمیع والعلیم وما تضمناه من الصفة . "إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ" فمقتضى ذلک أن لا یسمع منک إلا
ما یرضیه وألا یرى منک إلا ما یرضیه سبحانه وتعالى.
5. وفی الآیة اشارة إلى أنّ التقدم قد یکون بالقول لقوله تعإلى: "إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ" لأنه قد یقدم کلام فلان وفلان على کلام الله ورسوله ـ ص ـ وقد یکون التقدم بالفعل لقوله "عَلِیمٌ" بأفعالکم.[14]
6. فی الآیة المبارکة ایحاء بأنّ الله تعإلى أراد للانسان المؤمن أن یصل فی طبیعة تعامله مع الرسول إلى مصاف تعامل الملائکة مع الله تعإلى وان تتم تربیتهم بهذا المستوى من الأدب الرفیع الذی اشارت إلیه الآیة المبارکة: (لایَسبِقونَه بِالقَول و هم باَمرِه یَعمَلون )[15] و[16]
7. إن الذی یتخطى قیادة الرسول (ص) ویمنح نفسه حق التقدم علیه (ص) بالقول والعمل غیر المسموح به، یکون فی الواقع قد عرض المجتمع إلى ظهور حالة الهرج و المرجع فیه ثم الاخلال بالنظام العام و التلاعب الدستور التربوی و الجزائی و....[17]
8. فی الآیة المبارکة ایحاء بأنّ تعدد مرکز القیادة و منح التشریع و ابداء الرأی المخالف و التقدم على رأی القیادة یؤدی إلى تزلزل مرکزیة القیادة و خروج الامور من ید القائد و هذا ما یترتب علیه مردودات سلبیة خطیرة على المستویین الفردی والاجتماعی.
9. إنّ التقدم على الله ورسوله یتنافى مع حقیقة الاسلام القائمة على التسلیم و الخضوع المطلق لله و رسوله "وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدیدُ الْعِقاب"[18]
10. إن التقدم على الله و رسوله (ص) و عدم التعامل مع الاوامر بجدیة و تسلیم کاملین یؤدی إلى عواقب خطیرة قد تعرض الوجود الاسلامی للخطر کالذی حصل فی معرکة أحد و نزول الرماة من الجبل و ما اعقب ذلک من هزیمة کادت أنْ تعصف بالکیان الاسلامی.[19]
11. إن الالتزام بمفاد الآیة المبارکة و عدم التقدم على الله ورسوله یعد من ابرز مصادیق التقوى؛ و إذا ما التزم المجتمع المؤمن بذلک فلا ریب أنّه سیوفر الأرضیة المناسبة لبروز آثار التقوى و ثمارها البناءة على المستویین الفردی و الاجتماعی.
12. إذا تفاعل الانسان المؤمن مع قوله "إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیمٌ" بصدق و اخلاص یمثل فی نهایة المطاف شعوراً بالرقیب الإلهی على جمیع ما یصدر منه على مستوى القول و الفعل و الشعور بالرقیب یعنی السیر فی الطریق الصحیح، کما یؤکد ذلک ما جاء فی متن الدعاء المعروف بدعاء کمیل "و کنت أنت الرقیب علی من ورائهم و الشاهد لما خفی عنهم....".[20]
الآیة الثانیة: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُون"[21].
تشیر الآیة الثانیة إلى لون آخر من ألوان الأدب الإسلامی فی مخاطبة المسلمین للنبی، تقضی بمراعاة الإخفات فی الکلام، أو الهدوء فی الخطاب، بحیث تکون أصوات المسلمین أخفض من صوته، لتتمیَّز طریقتهم فی الحدیث معه عن طریقتهم فی الحدیث العادی مع بعضهم البعض، لأن تلک الخطوط السلوکیة هی سبیل إشاعة جوِّ من الاحترام و التعظیم یفرضه موقع النبی من أمّته، و یوحی بالهیبة و التوقیر اللذین یؤثّر إشاعتهما فی نفس المسلم إیجابا فی علاقته برسول اللّه، بحیث یلتقی لدیه احترام الوجدان باحترام الطاعة و الالتزام.[22]
و فی الآیة مجموعة من النکات الاخلاقیة منها:
1. شرعت الآیة باعتماد اسلوب الخطاب المحبب لنفس النکتة التی وردت فی تفسیر الآیة الأولى.
2. إذا جهر الإنسان على رسول الله (ص) بالقول و هو لا یقصد الاستهانة کان ذلک مدعاة لأهل النفاق أن یرفعوا أصواتهم فوق صوت النبی (ص)، و قال القرطبی: إنّ فی ذلک مدعاة لأنْ یرفع ضعفة المسلمین أصواتهم فوق صوت النبی (ص).[23] مما یؤدی فی نهایة المطاف إلى زعزعة مکانة القیادة و التقلیل من شأنها و الذی ینعکس سلباً على طریقة التعاطی مع أوامرها و نواهیهیا.
3. الاستهانة به (ص) و بأمره و نهیه، یقودان إلى الابتعاد عن خط الإیمان بطریقة تلقائیة لا شعوریة، تبعا لما تترکه بعض الأوضاع من تأثیر على بعضها الآخر، فالناحیة السلوکیة قد تترک تأثیرها على الناحیة النفسیة، و تؤدی بالتالی إلى لون معیّن من الانحراف فی اتجاه آخر.[24]
4. عندما تشیع حالة السکون و الهدوء فی المجتمع الاسلامی و یتعامل مع القائد بطریقة مؤدبة یشعر المجتمع حینئذ بحالة من الإطمئنان و الهدوء النفسی الأمر الذی یفضی إلى نتائج ایجابیة من قبیل اتخاذ القرارات الصائبة و الخطوات الناجعة فی معالجة الامور، وبهذا یکون المؤمن قد وفرّ الأرضیة المناسبة لنجاح حرکة الرسالة الذی یُعد من أهم تکالیف و أهداف الانسان المؤمن.
5. اذا کان الایمان بالرسول و توقیره و احترامه یعد من أولیات عمل الانسان المؤمن فلا ریب أن المحافظة على نتائج تلک الحرکة یعد هو الآخر من أهم الامور التی ترشد إلیها الآیة المبارکة فی قولها "أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ" أی حذرا من أن تحبط أعمالکم إذا أسأتم احترام النبیّ، فلا تکونوا "وَ لا تَکُونُوا کَالَّتی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً"[25] الذی هو مصداق للسفاهة و الجهل و عدم احترام قیمة الوقت و الجهد الذی یبذل إزاء الاعمال الصالحة.
الآیة الثالثة: " إِنَّ الَّذینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِکَ الَّذینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظیمٌ".
1. "إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ" تأدباً و احتراماً و مراعاة للجو الروحی الرفیع الذی یخلقه حضور الرسول فی المجلس، و للموقع الذی یمثله الرسول فی ساحة الرسالة، لیستوعبوا فکریا و روحیا کلماته فی ما یعظهم به، أو یوجههم إلیه، أو یخطط لهم من سبل، أو یفتح لهم من آفاق، و هی أمور تحتاج إلى کثیر من الهدوء لدى سماعها، لیتعلمها الآخرون من الحضور ...[26]
2. فی الآیة ایحاء بضرورة التسلیم المطلق للرسول (ص) على مستوى السلوک و التلقی.
3. الآیة تعطی تشیر إلى ثمرة اخلاقیة کبیرة مترتبة على هذه الخصوصیة تتمثل فی الامتحان و الاختبار فی مجال السلوک العملی "أُولئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى" لأنهم ضغطوا على مشاعرهم و تغلّبوا على عاداتهم، طاعة و انقیادا لأمر اللّه، و التزاما و إیمانا، فنجحوا فی الامتحان الإلهی فی ما یکلف اللّه به عباده من تکالیف تضغط على أوضاعهم التی اعتادوها فی حیاتهم العامة و تدفعهم إلى الابتعاد عنها لمصلحة أوضاع أخرى.[27]
4. ورد فی الحکمة المعروفة أنّه "لا عَقلَ لِمَن لا آدبَ له".[28] و لاریب أنّ عدم توقیر النبی (ص) علامة على اللاعقل؛ و علیه فالانسان الذی یرید أن یکتشف مدى رجاحة عقله علیه أن یتحلى بالخلق الرفیع فی جمیع المواطن و خاصة مع الرجال العظام و على رأسهم الرسول الأکرم (ص).
5. الإنسان بصورة عامة و المؤمنون بصورة خاصّة یسعون جاهدین لاقتطاف ثمار عملهم فصاحب المزرعة و المواشی و المصنع و الطالب فی مقاعد الدراسة و...کلهم یرجعون تجارة لن تبور، و لا ریب أنّ الهمَّ الکبیر الذی یحکم حیاة الانسان المؤمن یتمثل فی السعدی الجاد فی الحصول على المغفرة و الأجر العظیم "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِیمٌ" و ذلک هو الفوز العظیم، و الجزاء الذی أعدّه اللّه لمن یعیشون الإنقیاد المطلق له، و التسلیم الروحی إلیه فی خطّ التقوى و الإیمان.[29]
هذه بعض المؤشرات الاخلاقیة فی الآیات الثلاث الأولى، وهناک نکات اخلاقیة تشیر إلیها سائر الآیات من قبیل:
1. ضرورة مراعاة طبیعة الناس الذین نتعامل و لو کانوا فی قمّة هرم القیادة و المسؤولیة؛ لأنهم فی نهایة المطاف بشر یحتاجون إلى قسط من الراحة و التفرغ لشؤونهم العائلیة و هذا ما تؤکده الآیة المبارکة "إِنَّ الَّذینَ یُنادُونَکَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُون" حیث یرفعون أصواتهم لیقتحموا علیک لحظات نومک و راحتک دون اعتبار لمقامک و حالتک.[30]
2. قوله تعإلى "أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ" فیه تأدیب من الله لعباده حیث أنّه لم یحکم علیهم جمیعاً بعدم العقل بل قال: "أَکْثَرُهُمْ" وفی هذا تهذیب للإنسان أن یکون منصفاً فی قوله لأنهم لیسوا جمیعاً کانوا ینادون من وراء الحجرات بل طائفة منهم وهم أکثرهم. فنستفید أن یکون الإنسان منصفاً فی حکمه و التحرز عن تعمیم الاحکام القاسیة.[31]
3. أنه لا حرج على من ولاه الله أمرا ًمن أمور المسلمین أن یحتجب فی وقت مخصوص لحاجته.[32]
4.ثم قال سبحانه: "وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَیْهِمْ لَکَانَ خَیْرًا لهم" خیراً لهم فی ادارک حاجتهم ، لأن الإنسان إذا رأى طالب الحاجة یأتی بالأسلوب الحسن و یتأدب لاشک أن ذلک أبلغ لمساعدته على حاجته.[33]
5. قوله تعإلى "ان جاءکم فاسق بنبأ...." فیه تحذیر من الندامة على تصدیق الخبر الکاذب وتکذیب الخبر الصادق، و الندامة لسوء الظن بالمسلم الذی صدقت فیه ما لم یکن صحیحاً، و فیه ندامة فیما سعى به الإنسان من نشر هذا الخبر الفاسد بین الناس، ولو أن الناس عملوا بمقتضى هذه الآیة لحصل بذلک مصالح منها : و قف هؤلاء الفسّاق لأن الفاسق إذا علم أن الناس سیتبیّنون من الخبر أقلع عن الکذب. و من فوائد الآیة:
1) وجوب التثبت فی خبر الفاسق .
2) ذم الفاسق لأنه لم یقبل خبره إلا بعد التثبت .
3) التحذیر من الفسق.
4) أن خبر الفاسق لا یرد ولا یقبل.
5) ذم التعجل قبل التثبت .
6) أن المتعجل فی قبول الخبر قد یفعل الشیء مع الجهالة.
7) أن المعتمد على خبر الفاسق إذا قبله وتعجل أو رد وتعجل ولم یتبین سوف یندم.[34]
هذه بعض النکات الاخلاقیة و التربویة التی یمکن رصدها فی الآیات الاولى من السورة المبارکة.
الآیة الاولى: " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیمٌ".
لاریب أنّ لعلاقة المسلم باللّه و رسوله آداب فی الإسلام یفترض بالمسلم احترامها عند مخاطبتهما، کما أنّ هناک آدابا لعلاقة المسلم بالآخرین تلزمه باحترام أسرارهم و خفایاهم و عیوبهم و أوضاعهم، بحیث لا ینفذ إلیها إلّا بإذن إلهیّ، أو بإذن أصحابها أنفسهم، و لا یذکر من تلک الخفایا إلا ما کان فیه خیر للمسلم... و على المسلمین أن یعیشوا الانفتاح على التنوّع البشری فی ما قسّم اللّه الناس إلیه من شعوب و قبائل، لیکون ذلک أساسا للتعارف و التفاعل، بدلا من أن یکون أساسا للعصبیة و التنابذ و.... [1]
فسورة الحجرات هی من السور التی تثیر الحسّ التربوی فی المجتمع الإسلامی على اختلاف أوضاعه، على صعید الحیاة و الإنسان، لیتفاعل الإیمان مع الواقع فی عملیة تزاوج روحیِّ و عملیِّ یتحول فیه الإسلام إلى موقف
آداب التعامل مع النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.[2]
و هی تنسجم تماما مع قوله (ص): انما بعثت لاتمم مکارم الاخلاق[3] التی تقوم فی حقیقتها على تعزیز شخصیة الانسان المسلم و التعامل معه بطریقة تحفظ له کرامته من جهة، و تنیر له الطریق و ترشده إلى ما فیه الصلاح من جهة أخرى؛ و من هنا نرى السورة المبارکة تشرع بقوله تعإلى "یاأیها الذین أمنوا...." مما یوحی لنا بأن المربی و المصلح إذا أراد لمنهجه و قیمه النزول إلى أرض الواقع علیه أن یعتمد اسلوبا محببا و خطاباً ینسجم مع طبیعة المخاطبین.[4] و إنّ إطلاق النداء للناس من خلال صفة الإیمان، یوحی بأن هذا التعلیم ینطلق من مضمون الإیمان فی حرکته الروحیة و السلوکیة.[5]
علاقة الأمة مع القائد
تتفق الشعوب و الاقوام على محوریة القائد فی الحرکة و من هنا نراهم یحترمون بل یقدسون أحیانا کلّ ما یمت إلیه بصلة من قبیل الاعتزار بتاریخیه و آثاره و مقتنیاته، فتراهم یطلقون اسماء القادة على الطرق و الجامعات و المؤسسات العلمیة و المطارات، بل یعتزون بالحوادث الوقائع و الاوقات التی عاشوها و الاماکن التی ولدوا فیها و الاماکن التی بعثوا منها: "إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً"[6] "فَاخلَع نَعلَیک انّک بِالوادِ المقدّس طُوى"[7] و.... و هذه قضیة لم یتخلف عنها المسلمون بل کانوا الأکثر تقدیساً و احتراماً للنبی (ص) لإیمانهم العمیق بعظم شخصیته و ارتباطها بالسماء و طبیعة تعامله (ص) التی وصفها القرآن الکریم "لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَریصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنینَ رَؤُفٌ رَحیم".[8] فکان یهتمون بکلّ شیء نسب إلیه و یتبرکون بآثاره و بفاضل ماء وضوئه و....[9] بل أکد القرآن الکریم على احترام اشیاء کثیرة منسوبة إلى الرسول و الشریعة من قبیل المسجد الحرام فی قوله تعإلى: "انّما المشرکون نجس فلایَقربوا المسجد الحرام"[10] وکان من قبل قد أمر إبراهیم و إسماعیل بتطهیره "وَ عَهِدْنا إلى إِبْراهیمَ وَ إِسْماعیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطَّائِفینَ وَ الْعاکِفینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ"[11]
و قد جاءت السورة المبارکة لتنظم هذه العلاقة و تعزز حالة الاحترام و التوقیر للنبی (ص) مبینة قیمة القائد و القیادة، فی قوله تعإلى: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیم".[12]
و الظاهر أن المراد بالتقدم هو الوقوف أمام اللّه و رسوله بمعناه الکنائی، حیث یدل التقدّم علیهما على خضوع الإنسان لهواه أو لفکره الشخصی أو لمزاجه الذاتی، بعیدا عن خط الإیمان الذی یوحی باللّه، أو یلهم به رسوله، مما یوحی بأن من الواجب على المؤمن أن یبقى مشدودا إلى أوامر اللّه و نواهیه، و إلى شرع الرسول و نهجه.[13]
فیستفاد من الآیة:
1) النهی عن التقدم بین یدی الله تعإلى ورسوله (ص) ـ بأی قول أو فعل.
2) الأمر من الله سبحانه و تعالى بالتقوى لقوله سبحانه: "وَاتَّقُوا اللَّهَ".
3) إثبات اسمین من أسماء الله عز وجل وهما السمیع والعلیم وما تضمناه من الصفة . "إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ" فمقتضى ذلک أن لا یسمع منک إلا
ما یرضیه وألا یرى منک إلا ما یرضیه سبحانه وتعالى.
5. وفی الآیة اشارة إلى أنّ التقدم قد یکون بالقول لقوله تعإلى: "إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ" لأنه قد یقدم کلام فلان وفلان على کلام الله ورسوله ـ ص ـ وقد یکون التقدم بالفعل لقوله "عَلِیمٌ" بأفعالکم.[14]
6. فی الآیة المبارکة ایحاء بأنّ الله تعإلى أراد للانسان المؤمن أن یصل فی طبیعة تعامله مع الرسول إلى مصاف تعامل الملائکة مع الله تعإلى وان تتم تربیتهم بهذا المستوى من الأدب الرفیع الذی اشارت إلیه الآیة المبارکة: (لایَسبِقونَه بِالقَول و هم باَمرِه یَعمَلون )[15] و[16]
7. إن الذی یتخطى قیادة الرسول (ص) ویمنح نفسه حق التقدم علیه (ص) بالقول والعمل غیر المسموح به، یکون فی الواقع قد عرض المجتمع إلى ظهور حالة الهرج و المرجع فیه ثم الاخلال بالنظام العام و التلاعب الدستور التربوی و الجزائی و....[17]
8. فی الآیة المبارکة ایحاء بأنّ تعدد مرکز القیادة و منح التشریع و ابداء الرأی المخالف و التقدم على رأی القیادة یؤدی إلى تزلزل مرکزیة القیادة و خروج الامور من ید القائد و هذا ما یترتب علیه مردودات سلبیة خطیرة على المستویین الفردی والاجتماعی.
9. إنّ التقدم على الله ورسوله یتنافى مع حقیقة الاسلام القائمة على التسلیم و الخضوع المطلق لله و رسوله "وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدیدُ الْعِقاب"[18]
10. إن التقدم على الله و رسوله (ص) و عدم التعامل مع الاوامر بجدیة و تسلیم کاملین یؤدی إلى عواقب خطیرة قد تعرض الوجود الاسلامی للخطر کالذی حصل فی معرکة أحد و نزول الرماة من الجبل و ما اعقب ذلک من هزیمة کادت أنْ تعصف بالکیان الاسلامی.[19]
11. إن الالتزام بمفاد الآیة المبارکة و عدم التقدم على الله ورسوله یعد من ابرز مصادیق التقوى؛ و إذا ما التزم المجتمع المؤمن بذلک فلا ریب أنّه سیوفر الأرضیة المناسبة لبروز آثار التقوى و ثمارها البناءة على المستویین الفردی و الاجتماعی.
12. إذا تفاعل الانسان المؤمن مع قوله "إِنَّ اللَّهَ سَمیعٌ عَلیمٌ" بصدق و اخلاص یمثل فی نهایة المطاف شعوراً بالرقیب الإلهی على جمیع ما یصدر منه على مستوى القول و الفعل و الشعور بالرقیب یعنی السیر فی الطریق الصحیح، کما یؤکد ذلک ما جاء فی متن الدعاء المعروف بدعاء کمیل "و کنت أنت الرقیب علی من ورائهم و الشاهد لما خفی عنهم....".[20]
الآیة الثانیة: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُون"[21].
تشیر الآیة الثانیة إلى لون آخر من ألوان الأدب الإسلامی فی مخاطبة المسلمین للنبی، تقضی بمراعاة الإخفات فی الکلام، أو الهدوء فی الخطاب، بحیث تکون أصوات المسلمین أخفض من صوته، لتتمیَّز طریقتهم فی الحدیث معه عن طریقتهم فی الحدیث العادی مع بعضهم البعض، لأن تلک الخطوط السلوکیة هی سبیل إشاعة جوِّ من الاحترام و التعظیم یفرضه موقع النبی من أمّته، و یوحی بالهیبة و التوقیر اللذین یؤثّر إشاعتهما فی نفس المسلم إیجابا فی علاقته برسول اللّه، بحیث یلتقی لدیه احترام الوجدان باحترام الطاعة و الالتزام.[22]
و فی الآیة مجموعة من النکات الاخلاقیة منها:
1. شرعت الآیة باعتماد اسلوب الخطاب المحبب لنفس النکتة التی وردت فی تفسیر الآیة الأولى.
2. إذا جهر الإنسان على رسول الله (ص) بالقول و هو لا یقصد الاستهانة کان ذلک مدعاة لأهل النفاق أن یرفعوا أصواتهم فوق صوت النبی (ص)، و قال القرطبی: إنّ فی ذلک مدعاة لأنْ یرفع ضعفة المسلمین أصواتهم فوق صوت النبی (ص).[23] مما یؤدی فی نهایة المطاف إلى زعزعة مکانة القیادة و التقلیل من شأنها و الذی ینعکس سلباً على طریقة التعاطی مع أوامرها و نواهیهیا.
3. الاستهانة به (ص) و بأمره و نهیه، یقودان إلى الابتعاد عن خط الإیمان بطریقة تلقائیة لا شعوریة، تبعا لما تترکه بعض الأوضاع من تأثیر على بعضها الآخر، فالناحیة السلوکیة قد تترک تأثیرها على الناحیة النفسیة، و تؤدی بالتالی إلى لون معیّن من الانحراف فی اتجاه آخر.[24]
4. عندما تشیع حالة السکون و الهدوء فی المجتمع الاسلامی و یتعامل مع القائد بطریقة مؤدبة یشعر المجتمع حینئذ بحالة من الإطمئنان و الهدوء النفسی الأمر الذی یفضی إلى نتائج ایجابیة من قبیل اتخاذ القرارات الصائبة و الخطوات الناجعة فی معالجة الامور، وبهذا یکون المؤمن قد وفرّ الأرضیة المناسبة لنجاح حرکة الرسالة الذی یُعد من أهم تکالیف و أهداف الانسان المؤمن.
5. اذا کان الایمان بالرسول و توقیره و احترامه یعد من أولیات عمل الانسان المؤمن فلا ریب أن المحافظة على نتائج تلک الحرکة یعد هو الآخر من أهم الامور التی ترشد إلیها الآیة المبارکة فی قولها "أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ" أی حذرا من أن تحبط أعمالکم إذا أسأتم احترام النبیّ، فلا تکونوا "وَ لا تَکُونُوا کَالَّتی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً"[25] الذی هو مصداق للسفاهة و الجهل و عدم احترام قیمة الوقت و الجهد الذی یبذل إزاء الاعمال الصالحة.
الآیة الثالثة: " إِنَّ الَّذینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِکَ الَّذینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظیمٌ".
1. "إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ" تأدباً و احتراماً و مراعاة للجو الروحی الرفیع الذی یخلقه حضور الرسول فی المجلس، و للموقع الذی یمثله الرسول فی ساحة الرسالة، لیستوعبوا فکریا و روحیا کلماته فی ما یعظهم به، أو یوجههم إلیه، أو یخطط لهم من سبل، أو یفتح لهم من آفاق، و هی أمور تحتاج إلى کثیر من الهدوء لدى سماعها، لیتعلمها الآخرون من الحضور ...[26]
2. فی الآیة ایحاء بضرورة التسلیم المطلق للرسول (ص) على مستوى السلوک و التلقی.
3. الآیة تعطی تشیر إلى ثمرة اخلاقیة کبیرة مترتبة على هذه الخصوصیة تتمثل فی الامتحان و الاختبار فی مجال السلوک العملی "أُولئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى" لأنهم ضغطوا على مشاعرهم و تغلّبوا على عاداتهم، طاعة و انقیادا لأمر اللّه، و التزاما و إیمانا، فنجحوا فی الامتحان الإلهی فی ما یکلف اللّه به عباده من تکالیف تضغط على أوضاعهم التی اعتادوها فی حیاتهم العامة و تدفعهم إلى الابتعاد عنها لمصلحة أوضاع أخرى.[27]
4. ورد فی الحکمة المعروفة أنّه "لا عَقلَ لِمَن لا آدبَ له".[28] و لاریب أنّ عدم توقیر النبی (ص) علامة على اللاعقل؛ و علیه فالانسان الذی یرید أن یکتشف مدى رجاحة عقله علیه أن یتحلى بالخلق الرفیع فی جمیع المواطن و خاصة مع الرجال العظام و على رأسهم الرسول الأکرم (ص).
5. الإنسان بصورة عامة و المؤمنون بصورة خاصّة یسعون جاهدین لاقتطاف ثمار عملهم فصاحب المزرعة و المواشی و المصنع و الطالب فی مقاعد الدراسة و...کلهم یرجعون تجارة لن تبور، و لا ریب أنّ الهمَّ الکبیر الذی یحکم حیاة الانسان المؤمن یتمثل فی السعدی الجاد فی الحصول على المغفرة و الأجر العظیم "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِیمٌ" و ذلک هو الفوز العظیم، و الجزاء الذی أعدّه اللّه لمن یعیشون الإنقیاد المطلق له، و التسلیم الروحی إلیه فی خطّ التقوى و الإیمان.[29]
هذه بعض المؤشرات الاخلاقیة فی الآیات الثلاث الأولى، وهناک نکات اخلاقیة تشیر إلیها سائر الآیات من قبیل:
1. ضرورة مراعاة طبیعة الناس الذین نتعامل و لو کانوا فی قمّة هرم القیادة و المسؤولیة؛ لأنهم فی نهایة المطاف بشر یحتاجون إلى قسط من الراحة و التفرغ لشؤونهم العائلیة و هذا ما تؤکده الآیة المبارکة "إِنَّ الَّذینَ یُنادُونَکَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُون" حیث یرفعون أصواتهم لیقتحموا علیک لحظات نومک و راحتک دون اعتبار لمقامک و حالتک.[30]
2. قوله تعإلى "أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ" فیه تأدیب من الله لعباده حیث أنّه لم یحکم علیهم جمیعاً بعدم العقل بل قال: "أَکْثَرُهُمْ" وفی هذا تهذیب للإنسان أن یکون منصفاً فی قوله لأنهم لیسوا جمیعاً کانوا ینادون من وراء الحجرات بل طائفة منهم وهم أکثرهم. فنستفید أن یکون الإنسان منصفاً فی حکمه و التحرز عن تعمیم الاحکام القاسیة.[31]
3. أنه لا حرج على من ولاه الله أمرا ًمن أمور المسلمین أن یحتجب فی وقت مخصوص لحاجته.[32]
4.ثم قال سبحانه: "وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَیْهِمْ لَکَانَ خَیْرًا لهم" خیراً لهم فی ادارک حاجتهم ، لأن الإنسان إذا رأى طالب الحاجة یأتی بالأسلوب الحسن و یتأدب لاشک أن ذلک أبلغ لمساعدته على حاجته.[33]
5. قوله تعإلى "ان جاءکم فاسق بنبأ...." فیه تحذیر من الندامة على تصدیق الخبر الکاذب وتکذیب الخبر الصادق، و الندامة لسوء الظن بالمسلم الذی صدقت فیه ما لم یکن صحیحاً، و فیه ندامة فیما سعى به الإنسان من نشر هذا الخبر الفاسد بین الناس، ولو أن الناس عملوا بمقتضى هذه الآیة لحصل بذلک مصالح منها : و قف هؤلاء الفسّاق لأن الفاسق إذا علم أن الناس سیتبیّنون من الخبر أقلع عن الکذب. و من فوائد الآیة:
1) وجوب التثبت فی خبر الفاسق .
2) ذم الفاسق لأنه لم یقبل خبره إلا بعد التثبت .
3) التحذیر من الفسق.
4) أن خبر الفاسق لا یرد ولا یقبل.
5) ذم التعجل قبل التثبت .
6) أن المتعجل فی قبول الخبر قد یفعل الشیء مع الجهالة.
7) أن المعتمد على خبر الفاسق إذا قبله وتعجل أو رد وتعجل ولم یتبین سوف یندم.[34]
هذه بعض النکات الاخلاقیة و التربویة التی یمکن رصدها فی الآیات الاولى من السورة المبارکة.
[1] محمد حسین فضل الله، تفسیر من وحی القرآن، ج21، ص: 133، دار الملاک للطباعة و النشر، بیروت، 1419ق الطبعة الثانیة.
[2]. تفسیر من وحی القرآن، ج21، ص: 136
[3]. النوری، حسین، مستدرکالوسائل ج : 11 ص : 187.
[4]. محسن قرائتی، تفسیر سورة الحجرات، تفسیر الآیة الاولى، المکتبة الشاملة باللغة الفارسیة.
[5]. من وحی القرآن، ج21، ص 136.
[6].النازعات، 16.
[7]. طه، 12
[8]. التوبة، 128.
[9]. انظر: المیانجی، تبرک المسلمین بآثار النبی.
[10]. التوبة، 28.
[11].البقرة، 125.
[12]. الحجرات، 1.
[13]. من وحی القرآن، ج21، ص 137.
[14]. تفسیر سورة الحجرات، فهد بن ناصر السلیمان، المکتبة الشاملة
.[15] الأنبیاء، 27.
[16]. محسن قرائتی، تفسیر سورة الحجرات، تفسیر الآیة الاولى، ستاد تفسیر قرآن کریم، طهران ساحة فلسطین تلفکس : 8893928.
[17]. قرائتی، تفسیر سورة الحجرات.
[18]. الحشر، 7.
[19]. انظر: تاریخ الأمم و الملوک ج2،ص:508، أبو جعفر محمد بن جریر الطبری (م 310)، تحقیق محمد أبو الفضل ابراهیم ، بیروت، دار التراث ، ط الثانیة، 1387/1967.
[20]. السید ابن طاووس، إقبال الاعمال، ص 708.
[21]. الحجرات، 2.
[22]. من وحی القرآن، ج21، ص 136.
[23]. تفسیر سورة الحجرات، فهد بن ناصر السلیمان.
[24]. تفسیر من وحی القرآن، ج21، ص: 137.
[25]. النحل، 92.
.[26] من وحی القرآن، ج21، ص 138.
.[27] نفس المصدر.
[28]. غرر الحکمة، رقم 5105
[29]. من وحی القرآن، ج21، ص 138.
[30]. نفس المصدر.
[31]. تفسیر سورة الحجرات، فهد بن ناصر السلیمان.
[32]. نفس المصدر.
[33] نفس المصدر.
.[34] نفس المصدر.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات