Please Wait
5611
هناک قاعدة في الفقة مفادها ان الله قد رفع الاحکام الحرجیة الشاقة عن الأمة الاسلامية من باب اللطف و التفضل. و بعبارة أخری أن ما یستفاد من الآيات و الروايات هو أن التکليف و الاکراه علی الاعمال المشتملة علی العسر و الحرج و المشقة منفي من قبل الله الحکيم. و تسمی هذه المسألة بقاعدة (نفي العسر و الحرج).
مقدمة:
إن علاقة الانسان بالاعمال – فعلاً و ترکاً-لا تخرج عن أحد حالات ثلاث:
1 – الاعمال التي یمکن القيامة بها بسهولة كالاکل و الشرب و التکلم.
2-الاعمال التي لا يتمکن الانسان من القيام بها، کالطيران من دون وسيلة.
3-الاعمال التي يتمکن الانسان من القيام بها بمشقة تامّة، کالصوم فی حال المرض.
ومن الواضح أن تعلق الأوامر و النواهي و التکليف الالهي بالقسم الاول ليس محالا ولا يعد قبيحاً عقلا، فان الاحکام التکليفية قد تعلقت بذلک القسم من الاعمال، خلافاً للقسم الثاني حيث يقبح التکليف بها عقلاً. لان عقلاء الناس لا يکلفون بغير المقدور. فالله الحکيم سوف لن يأمر بذلک يقيناً.[1]
و أما القسم الثالث أي التکليف والاکراه علی الاعمال المشتملة علی العسر و الحرج، فان ما يستفاد من الادلة في هذا المورد هو انتفاء مثل هذا التکليف، و قاعدة (النفي العسر و الحرج) سارية في مثل هذا المورد.[2]
مفهوم العسر و الحرج:
لفظة (العسر) مضادة (لليسر) و تستعمل في معنی الصعب و الضيق و الشاق و المشکل و المعقد و ضیق المعیشة[3]. و قد وردت هذه اللفظة في القرآن بهذا المعنی، كما في قوله تعالی: (فان مع العسر یسراً)[4]، و قوله سبحانه: ( سیجعل الله من بعد عسر یسراً)[5] و علیه، فمعنی العسر هو عبارة عن الصعوبة و المشقة و الشدة.
و الحرج في اللغة أیضاً بمعنی الضیق و الضائقة و المعصیة و الحرام. و قیل ان الحرج في الاصل بمعنی مجتمع الشيء، و تصور منه ضیق ما بینهما فقیل للضیق حرج و للاثم حرج.[6]
وقد استعملت لفظة الحرج في القرآن بمعنی الضیق و المشقة حیث یقول الله تعالی: ( ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم)[7]، و قد ورد فی آیة أخری: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجا)[8]، و قال تعالی: (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[9]، حیث ان الحرج في کلتا الآیتین يأتي بمعنی الضیق و المشقة.
ثم ان الحرج قد ورد في بعض الآیات بمعنی (الذنب)، حیث یقول تعالی: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَج)[10]، و قال عز من قائل: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَج)[11]، فلا ذنب على الاعمی و الاعرج و المریض.في الامور التي تحتاج الى توفر البصر و القدرة مثلا[12].
أدلة قاعدة نفي العسر و الحرج:
و قد استدل الفقهاء لقاعدة نفي العسر و الحرج بآیات القرآن و الروایات، منها:
1-قول الله تعالی: ( وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)[13].
2- و قوله تعالی أیضاً: (يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[14].
3- و یقول نبي الاسلام (ص): "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةُ أَشْيَاءَ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لا يَعْلَمُونَ وَ مَا لا يُطِيقُون"[15].
4- و یقول (ص) في موضع آخر: " لَمْ يُرْسِلْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ وَ لَكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ"[16].
ویستفاد من مجموع الآیات و الروایات أن الله تعالی قد رفع الاحکام الحرجیة الشاقة عن الأمة الاسلامیة من باب اللطف و التفضل. و یسمی ذلک بقاعدة نفي العسر و الحرج.[17]
وفي الختام نرى من الضروري التأکید علی أن هناک الکثیر من الاحکام في الدین الاسلامي، یکون امتثالها شاقاً، کالجهاد و المقاومة و الصیام في أیام الصیف الشديدة الحرارة الی درجة 50 و..
ومن الواضح ان هذه القاعدة لا تجري في هذه الموارد، حیث ان مقتضی اللطف و التفضل الالهي الذي هو رفع العسر و الحرج، یقتضي بنفسه عدم اجراء القاعدة المذکورة في هذه الموارد.
و بعبارة أوضح: یقع التزاحم في هذه الموارد بین الاهم والمهم، فان مصلحة المجتمع الاسلامی تقتضی الجهاد و الدفاع عن کیان الاسلام و الأمة الاسلامیة، و من المتیقن أن القاعدة المذکورة لا تجري في مثل هذه الموارد. فاذا لم یقع کل المکلفین في عسر و حرج بسبب تشریع کل الاحکام، بل وقع البعض منهم في مثل هذه المشکلة، کأن یکون الوضوء أو الصوم حرجیاً علی شخص أو عدة أشخاص، فان هذا الحکم یرفع عنهم استناداً الی هذه القاعدة.
[1] ُ (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها)، البقرة: 285 ، ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها)، الطلاق:7
[2] لاحظ: المشکیني، المیرزا علي، اصطلاحات الاصول ومعظم أبحاثها، ص212، الهادي، قم، الطبعة السادسة، 1416ق، الولائي، عیسی، القاموس المفصل لاصطلاحات الاصول، ص277، منشورات نی، طهران، الطبعة الاولی، 1374ش.
[3] الراغب الاصفهاني، المفردات في غریب القرآن، لفظة (عسر).
[4] الانشراح: 5.
[5] الطلاق:7.
[6] المفردات في غریب القرآن، لفظة ( حرج).
[7] المائدة: 6.
[8] الانعام: 125.
[9] الحج: 78.
[10] التوبة: 91.
[11] النور: 61.
[12] لاحظ: المحقق الداماد، السید مصطفی، قواعد الفقه، ج2، ص79-111، مرکز نشر العلوم الاسلامیة، طهران، الطبعة الثانیة عشرة، 1406ق.
[13] الحج:78.
[14] البقرة: 185.
[15] الحر العاملي، وسائل الشیعة، ج15، ص396، مؤسسة آل البیت، قم، 1409ق.
[16] الکلیني، الکافي، ج5، ص494، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش.
[17] لاحظ: القاموس المفصل لاصطلاحات الاصول، ص278.