بحث متقدم
الزيارة
5482
محدثة عن: 2012/04/11
خلاصة السؤال
هل یوجد رکوع کعمل عبادي مستقل خارجاً عن الصلاة؟
السؤال
هل یوجد رکوع کعمل عبادي مستقل خارجاً عن الصلاة؟ فقد جاء في الآیة 77 من سورة الحج "يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ارْكَعُواْ وَ اسْجُدُواْ وَ اعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَ افْعَلُواْ الْخَيرْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون". فطبقاً لهذه الآیة و بما ان الرکوع قد جاء في هذه الآیة في سیاق السجود و العبادة فیتصوّر انه موجّه بعنوانه عمل مستحب مستقل و یمکن الاستفادة من هذا الأمر من الآیات 43 من سورة البقرة و 43 من سورة آل عمران و 24 من سورة ص!
الجواب الإجمالي

نفهم من مجموع الآیات القرآنیة أن المراد من الرکوع و السجود في الآیات الواردة في السؤال هو الصلاة و هو من باب تسمیة الکل بإسم الجزء، فبما ان الرکوع و السجود، من أرکان الصلاة و أجزائها المهمة، لذلک ذکر الرکوع و یراد منه الصلاة. و هذا الأمر متداول في الصناعة الأدبیة و لا إشکال فیه. نعم، یمکن أن یکون المراد منه هو نفس الرکوع و السجود و من باب الشکر.

الجواب التفصيلي

یعتقد کثیر من المفسّرین أن الأمر بالرکوع و السجود في الآیة 77 من سورة الحج،[1] أمر بالصلاة و مقتضی المقابلة أن یکون المراد بقوله " اعْبُدُواْ رَبَّكُمْ" الأمر بسائر العبادات المشرعة في الدین کالحج و الصوم.[2]

و يرى بعض المفسّرین، أن الرکوع و السجود نوع من العبادة المستقلة، کما قال النبي (ص): " کانت السماء في لیلة المعراج مملوءة بالملائکة ما بین راکع دائم علی رکوعه و ما بین ساجد و ما بین قائم و ... و للسجود أقسام منه سجود التواضع، و لعل المراد من الرکوع و السجود في هذه الآیة، هو رکوع و سجود التواضع.[3]

کما أن الأمر بالرکوع في الآیة 43 من سورة البقرة[4] هو أمر بالصلاة کما علیه أکثر المفسّرین، سوی إنه أمر بالصلاة جماعة بقرینة الراکعین.[5]

و ذهب البعض الى القول بان "ارکعوا" في هذه الآیة هو أمر بالرکوع فقط، بسبب کون صلاة الیهود من غیر رکوع، فأمرهم القرآن بالرکوع، أي أمرهم بالصلاة مع الرکوع.[6] أما الأمر بالرکوع و السجود بالنسبة للسیدة مریم (ع) في الآیة 43 من سورة آل عمران ففيه إحتمالان:

1- ان الأمر بالرکوع في هذه الآیة هو أمر بصلاة الجماعة و مع الآخرین، بقرینة الراکعین التي جاءت بصیغة الجمع.[7]

2- الإحتمال الآخر هو ان الله سبحانه قد أمرها بثلاثة أوامر و هي (الرکوع و السجود و القنوت) و هذه الأوامر بسبب المواهب الثلاث التي بیّنها الله في الآیة السابقة.[8] فتکون هذه الأوامر في مقابلها و هي (اصطفائها و تطهیرها و اصطفائها علی نساء العالمین).[9]

أما معنی "خرّ راکعاً" في الآیة 24 من سورة ص،[10] فیری بعض المفسّرین أن معنی الرکوع هنا هو السجود،[11] لأن «الخرّ» أو « الخرير» هو بمعنی صوت الماء –الذي یسیل من الأعلی إلی الأسفل- أو صوت مهب الریح، أو السقوط من الأعلی إلی الأسفل. [12][13] و الرکوع هو بمعنی مطلق الإنحناء.[14] فبقرینة «خرّ» نفهم أن الرکوع هنا بمعنی السجود.

إذن نفهم من خلال ما قدّمنا ان المراد من الرکوع و السجود في الآیات المذكورة، الصلاة من باب تسمية الکل بإسم الجزء، فبما ان الرکوع و السجود، من أرکان الصلاة و أجزائها المهمة، لذلک ذکر الرکوع و یراد منه الصلاة. و هذا الأمر متداول في الصناعة الأدبیة و لا إشکال فیه [15] و يحتمل ان يكون المراد منهما الركوع و السجود المستقلين من باب الشکر.

الجدیر بالذکر إن رکوعات القرآن هي تلک المجموعة من الآیات التي وردت في موضوع واحد و لها اتحاد في المضمون و المعنی، فبابتداء هذا الموضوع یبدأ الرکوع و بتغییر الکلام و تحویله إلی موضوع آخر ینتهي الموضوع. فلا يکون عدد آیات کل رکوع واحدة بل تتزداد مرة و تقل أخری. أما سبب تسمیتها بالرکوع هو أن المصلي في الصلوات الیومیة یمکنه أن یقرأ بعد سورة الحمد سورة أخری أو الاکتفاء بقراءة عدة آیات –علی أقل التقادیر-  منهنا ذهب المختصون بالشأن القرآني الى تحديد کل مجموعة من الآیات التي تتکلّم عن موضوع و عنوان واحد و أطلقوا علیها إسم الرکوع، بسبب کون المصلي یمکنه الهبوط إلی الرکوع بعد نهایة هذه المجموعة، حيث وصل عدد رکوعات القرآن علی هذا المبنی الى 540 رکوعاً –حسب المشهور- و هذا یعني –تقریباً- ان لکل صفحة من القرآن رکوعاًواحداً.[16]

 


[1]  الحج، 77.

[2]  الطباطبائي، محمد حسین، المیزان في تفسیر القرآن، ج 14، ص 411، مکتب إنتشارات الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق؛ الزمخشري، محمود، الکشّاف عن حقائق غوامض التحقیق، ج 3، ص 172؛ الطبرسي، فضل بن حسن، مجمع البیان في تفسیر القرآن، ج 7، ص 154، نشر ناصر خسرو، طهران، 1372 ش؛ الحقي البروسوي، إسماعیل، تفسیر روح البیان، ج 6، ص 63، دار الفکر، بیروت، بي تا.  

[3]  الطیب، سید عبد الحسین، أطیب البیان في تفسیر القرآن، ج 9، ص 349، نشر الإسلام، طهران، الطبعة الثانیة، 1378 ش.

[4]  "وَ أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَ ارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين"، البقرة، 43.

[5]  السبزواري النجفي، محمد بن حبیب الله، إرشاد الأذهان إلی تفسیر القرآن، ص 13، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، الطبعة الأولی، 1419 ق؛ المکارم الشیرازي، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 1، ص 186، مدرسة الإمام علي (ع)، قم، 1421 ق؛ الصادقي الطهراني، محمد، البلاغ في تفسیر القرآن بالقرآن، ص 7، المؤلّف، قم، 1419 ق؛ أطیب البیان، ج 2، ص 16.

[6]  إرشاد الأذهان، ص 13؛ الأمثل، ج 1، ص 209.

[7]  آل عمران، 43 "يَامَرْيَمُ اقْنُتىِ لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِى وَ ارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِين".

[8]  الأمثل، ج 2، ص 494؛ الکشّاف، ج 1، ص 362.

[9]  "وَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَئكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَئكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفَئكِ عَلىَ‏ نِسَاءِ الْعَالَمِين" آل عمران، 42.

[10]  تفسیر المیزان، ج 3، ص 189.

[11]  ص، 24 "قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلىَ‏ نِعَاجِهِ  وَ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الخْلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلىَ‏ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ  وَ ظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ رَاكِعًا وَ أَنَاب".

[12] الأمثل،‌ج 14، ص 477.

[13]  المهیار، رضا، المعجم الأبجدي، ص 358.

[14]  الراغب الأصفهاني، المفردات، ج 1، ص 364؛ الطریحي، فخر الدین، مجمع البیان، ج 4، ص 340.

[15]  جمع من اساتیذ الحوزة العلمیة، جواهر البلاغة، ص 234، نشر مرکز مدیریة الحوزة العلمیة في قم، الطبعة الخامسة، 1386 ش.

[16]  الحریري، محمد یوسف، معجم الاصطلاحات القرآنیة، ص 161 و 162، نشر الهجرة، قم، الطبعة الثانیة، 1384 ش؛ راجعوا: المستفید، حمید رضا، الدولتي، کریم، التقسیم القرآني و السور المکیة و المدنیة، ص 15 – 17، وزارة الإرشاد، طهران، الطبعة الأولی، 1384 ش؛ جوان الآراستة، حسین، درسنامه علوم قرآني، ص 477، بستان الکتاب، قم، الطبعة السادسة، 1380 ش.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...