بحث متقدم
الزيارة
6878
محدثة عن: 2012/05/01
خلاصة السؤال
هل هناک مستند و اساس روائي لمقولة " للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد"؟
السؤال
هل هناک مستند و اساس روائي لمقولة " للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد"؟
الجواب الإجمالي

وردت روایة "للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد" عن النبي الاکرم (ص) عن طریق المصادر الرؤائية لأهل السنة، و سلم بها جمیع علماء الشیعة تقریباً. و لکن اصل هذا الحدیث نقل عن نبي الاسلام (ص) بالصياغة التالية: " من اجتهد فاصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر واحد".

الجواب التفصيلي

وردت روایة "للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد" عن النبي الاکرم (ص) عن طریق المصادر الرؤائية لأهل السنة، و سلم بها جمیع علماء الشیعة تقریباً. و لکن صاحب کتاب (الصراط المستقیم الی مستحقي التقدیم) نقل هذا الحدیث عن طریق أهل السنة عن نبي الاسلام (ص) بالصياغة التالية: " من إجتهد فاصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر واحد"[1].

علما أن احدى البحوث المطروحة في علم الاصول هو بحث التخطئة والتصویب، فالتخطئة هي ما یقابل التصویب و هي في اللغة بمعنی نسبة الخطأ الی شخص. و في الاصطلاح تعني احتمال خطأ المجتهد في الوصول الی الحکم الواقعي (و عدم اصابة الحکم الواقعي).[2]

و قد ذهب علماء الإمامیة الی التخطئة، فهم یرون أن لله تعالی في کل واقعة حکما واقعيا ثابتاً في اللوح المحفوظ في حق الجمیع سواء العالم و الجاهل و المسلم و الکافر، و أن الجمیع مکلفون بذلک الواقع، و تمثل الامارات طریقاً الی الواقع، و من هنا قد يكون استنباط المجتهد متطابقاً مع ذلک الحکم الواقعي أحياناً، و هو (المصیب)، و في مثل هذه الحالة یکون الحکم الواقعي منجزاً في حق المجتهد و مقلدیه، و أحیاناً أخرى لا يصيب المجتهد الواقع مع بذله الوسع في الاجتهاد و الاستنباط و يكون ما توصل اليه من رأي علمي مخالفاً للواقع، فحينئذ يوصف بالمخطئ، و في مثل هذه الحالة یکون معذوراً هو و مقلدوه. وشعار علماء الشیعة الذین یقولون بالتخطئة هو (للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد) بمعنى أن المجتهد الذي یصيب باجتهاده الحکم الواقعي ینال أجرين، و اما المجتهد الذي لم یصب الحکم الواقعي مع استخدامه لکل ما یملک من طاقة فان له أجرآً واحداً.[3] [4]

وکما نعلم فان الاجتهاد في اللغة هو بمعنی السعي و بذل الجهد.[5] و تعني هذه اللفظة في دائرة العلوم المختلفة السعي و بذل الجهد العلمي في تلک الدائرة بحيث يعرف  الشخص  في تلک الدائرة بانه صاحب رأي و خبير علمي. و أن اشهر اصطلاح للاجتهاد یرتبط بالاحکام الدینیة و دائرة الفقه و الاصول. و الاجتهاد في هذه الدائرة يعني استنباط الحکم الشرعي من النصوص الدینیة عن طریق الاستدلال و استخدام سلسلة من القواعد التي تقع في طريق الاستنباط و التي تعرف بقواعد أصول الفقه.[6]

یقول الشهید المطهري في بیان المعنی الاصطلاحي للاجتهاد: الاجتهاد یعني السعي العلمي بالاسلوب الصحیح من أجل إدراک المقررات الاسلامیة بالاستفادة من مصادرها، المتمثلة بالکتاب و السنة و الاجماع و العقل[7]. و بناء علی هذا فالاجتهاد في الاصطلاح هو بذل غایة الجهد المنظم من أجل استنباط الاحکام الالهي من المصادر و النصوص الدینیة و الذي یکون له آلیاته الخاصة و مقدماته و شروطه. و الاجتهاد ملکة یتمکن صاحبها من استخدام نظام الاستنباط و ادلته و قواعده بسهولة، سواء کان ذلک في الفقه أم في التاریخ أو الفلسفة أو العلوم الأخری.

و يتوقف الاجتهاد في الفقه علی بعض العلوم المقدمية من قبيل: المنطق، و العربیة (النحو و الصرف) و المعاني و البیان و المعقول و الحکمة-علی مستوی  متوسط- و الرجال و الدرایة و أصول الفقه ( الذي هو الاساس في الاجتهاد).

و الاجتهاد الملتزم بالاصول و القواعد الصحيحية مهما کانت نتیجته فهو مقبول و صاحبه مأجور، فان کان مطابقاً للواقع فله أجران و إن تخلف عن الواقع فله أجر واحد.

ومن هنا یتضح معنی کلام النبي (ص) بما ذکرنا في تعریف الاجتهاد، و لیس معناه ان یصدر حکما مستندا في ذلك الى العمل بالرأي أو القیاس أو الاستحسان من دون مقدمات صحیحة، بل حینئذ لا تنطبق المقولة بل تكون من المقولات اللغوية حيث تعني "ان الفقيه اذا اذا اخطا في قياسه فللقائس أو المستحسن أجر واحد علی الاقل عند الله!!، و هذا کلام باطل لا يمكن التفوه به؛ إذ لو کان الامر کذلک بان امکن لکل شخص ان یصدر حکماً لمجموعة من القیاسات و الاستحسانات و من دون اعتماد ضوابط و قوانین الاستنباط، و کانت أحکامه مخالفة للواقع یکون مأجوراً عند الله! و هذا مما لا یرتضیه أي عقل سلیم، لانه لم یجتهد ولم يكلف نفسه عناء تعلم قواعد و مقدمات الاجتهاد، بل اصدر مجموعة من الاحکام قیاساً لها علی أحکام أخری او علی اساس استحسانات عقلیة من دون سند علمي.

ان هذا النوع من الاجتهاد أمر مرفوض طبقاً لمجموعة من الاحادیث التي وردت في المصادر الشیعة، و هو اجتهاد باطل لا قيمة لها قطعا، و مثاله البارز ما فعله الخوارج فی رفعهم لشعار "لا حکم الا لله" في وجه أمیر المؤمنین علي (ع) بطريقة تفتقر الى ابسط قواعد و قوانين الاجتهاد الصحيح، و بذلک تخلفوا عن مواصلة القتال و الحرب بل شهروا السيف بوجه إمامهم الشرعي؛ و ذلک لانهم اعطوا لانفسهم حق الاجتهاد مع وجود الامام الشرعي المفترض الطاعة و الذي يمثل الحجة الالهية على العباد، و مع وجود هكذا إمام  لا يبقی مجال للاجتهاد بحال من الاحوال.



[1] العاملي النباطي، علي بن محمد بن علي بن محمد بن يونس، الصراط المستقيم الی مستحقي التقديم، تحقيق وتصحيح: رمضان، ميخائيل، ج3، ص236، المکتبة الحيدرية، النجف.

[2] لاحظ: الشيخ محمد صنقور، المعجم الاصولي، ص369-372، المؤلف، قم، الطبعة الاولی، 1412ق.

[3] علماء الشيعة والسنة متفقون علی التخطة فی العقليات- أي في غير الاحکام الشرعية کالموضوعات الخارجية والاحکام العقلية غير المرتبطة بالاحکام الشرعية- أي انه يمکن ان يکون حکم المجتهد فيها مطابقاً للواقع أو مخالفاً له.

[4] الاصفهاني، محمد حسين، الفصول الغروية، ص206، دار احياء العلوم الاسلامية، 1404ق

[5] ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص135، لفظة( جهد).

[6] الطباطبائي، السيد محمد حسين، مجموعة المقالات، باهتمام: الخسروشاهي، السيد هادي، ج1، ص201، طهران، مکتب النشر والثقافة الاسلامية، 1371ش.

[7] المطهري، مرتضی، مجموعة الآثار، ج3، ص197، طهران، صدرا، 1372ش.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279466 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257325 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128192 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113308 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89023 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59877 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59588 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56879 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49819 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47189 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...