Please Wait
8812
فی البدایة نود ان نشیر الى ان بعض الفروض المطروحة فی الاسئلة غیر صحیحة اصلا؛ مثل الفرض القائل باباحة دم الابن للوالد، فهذا غیر صحیح و لایوجد فقیه یفتی بهذا الحکم ابدا، بل ما افتى به العلماء انه لو وقع القتل من قبل الاب فهل یقتص من الاب بعد ارتکابه لهذا الامر المحرم؟ افتی الفقهاء بانه لاتقتص منه و هذا لایعنی ان دم الولد مباح للاب بحیث انه متى قرر ان یقتل ولده قتله!
و ثانیا ان عدم اقتناع الناس ببعض علل الاحکام لایمثل العقل المراد فی البحث اولا و لا یعد خروجا عن الدین و التوحید ثانیا کما جاء فی مفروض السؤال.
بعد هذه المقدمة نقول:
العقل، حجة الإنسان الباطنة التی ترشده إلى سبیل الکمال، و الشریعة (الدین) هی الحجة الظاهرة لتحریر الإنسان من دوّامة الذنوب و إرشاده نحو الکمال و السعادة الإنسانیة.
و بما أن العقل، ظاهرة من الظواهر و کل ظاهرةٍ، محدودةٌ، فمن الطبیعی أن نطاق و امتداد أفعاله لا یمکن أن تکون غیر محدودة. فإذن تمتد أعمال و أفعال العقل ضمن نطاق المخلوقات، و لدیه قابلیة محدودة فی معرفة الله و لا سبیل له إلى ذات و کنه الله اللامتناهی.
یمکن للعقل أن یتحرک فی امتداد القوانین التکوینیة و التشریعیة و ینال فهمها، و إن کان لا یستغنی حتى فی کلتا الدائرتین ـ التکوینیة و التشریعیة ـ عن الوحی، و أمّا فی المسائل الأخرى کتفاصیل المعاد و مناطات الأحکام، فالعقل قاصر عن فهمها فهو بحاجة الى إرشادات الشریعة. فبالتالی لیس هناک تضاد بین الاسلام و التعقّل، و لکن فی بعض الأحیان، لإدخال مسألة خارجة عن نطاق الدین فی هذا النطاق أو لفقدان البرهان العقلی للشروط و المقدمات الصحیحة، أو لقراءة خاصة عن مفهوم العقل، نقع فی مثل هذا التضاد.
فی البدایة نود ان نشیر الى ان بعض الفروض المطروحة فی الاسئلة غیر صحیحة اصلا؛ مثل الفرض القائل باباحة دم الابن للوالد، فهذا غیر صحیح و لایوجد فقیه یفتی بهذا الحکم ابدا، بل ما افتى به العلماء انه لو وقع القتل من قبل الاب فهل یقتص من الاب بعد ارتکابه لهذا الامر المحرم؟ افتی الفقهاء بانه لاتقتص منه و هذا لایعنی ان دم الولد مباح للاب بحیث انه متى قرر ان یقتل ولده قتله!
و ثانیا ان عدم اقتناع الناس ببعض علل الاحکام لایمثل العقل المراد فی البحث اولا و لا یعد خروجا عن الدین و التوحید ثانیا کما جاء فی مفروض السؤال.
بعد هذه المقدمة نقول:
یعرّف العقل بأنه جوهر بسیط یسترشد به الإنسان إلى الحقائق. فادن العقل هو معرفة الحقائق، و مضافاً إلى معرفة الحقائق، فهو یحافظ على النفس الناطقة و یشرّفها.[1]
فی تعریف الحکماء یقسّم العقل إلى: العقل النظری و العقل العملی؛ فالعقل النظری مهمته هی فهم و معرفة الحقائق و الحکم فیها.[2] و العقل العملی هو القوة التی تراقب و تدیر أفعال الآدمی،[3] أو مهمته أن یفهم ما ینبغی و ما لا ینبغی، و فی الحقیقة العقل العملی هو أساس علوم الحیاة فهو یحکم أنه، هل أنّک تعمل هذا الفعل أم لا؟[4] و بتعبیر الإمام الصادق (ع) العقل العملی هو "ما عبد به الرحمن و اکتسب به الجنان".[5]
و على کل حال، فالمقصود من العقل فی أبحاث العقل و الوحی، هو قوة الإنسان المدرکة التی تدرک القضایا الکلیة.
و قد أعطى الإسلام للعقل، مکانة رفیعة و شامخة. یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیر المیزان: العقل، أشرف قوة فی وجود الإنسان.[6] و فی أکثر من 300 مرة دعا الله تعالى فی کتابة الکریم الإنسان إلى استغلال هذه القوة الإلهیة و الانتفاع بها.[7] و یرى العلامة الطباطبائی، مکانة التعقّل و التفکّر فی الإسلام رفیعة جداً بحیث إن الله تعالى لم یأمر عباده حتى فی آیة واحدة بألا یفهموا أو یأمرهم لیتّبعوا سبیلاً عشوائیة.[8] فلذلک لیس هناک أی تزاحم او تضاد بین الإسلام و التعقّل. و لکن فی بعض الأحیان، لإدخال مسألة خارجة عن نطاق الدین فی هذا النطاق أو لفقدان البرهان العقلی من الشروط و المقدمات الصحیحة، أو لقراءة خاصة عن مفهوم العقل، نقع فی مثل هذا التضاد.
إذا نظرنا إلى الکلمات المشرقة لأمیر الکلام علی (ع) فی نهج البلاغة حول رسالة الأنبیاء، لوجدنا أن العقل و الشرع لا یتعارضان بل انهما متناسقان و یؤید کل منهما الآخر: "...و یثیروا لهم دفائن العقول...".[9] یقول الإمام علی (ع) فی بیانه عن فلسفة بعثة الأنبیاء: إن الله أرسل رسله إلى الناس حتى یثیروا لهم دفائن عقولهم.
فعقل الإنسان و فطرته کخزائن تحتوی على جمیع الحقائق، و لذلک کلما تقوله الأنبیاء یماثل قول العقل و المنطق.
ثم بحسب المصطلح الأصولی (قاعدة الملازمة): "کل ما حکم به العقل حکم به الشرع".[10] و العکس أیضا صحیح، بمعنى أن "کل ما حکم به الشرع حکم به العقل". و لذا یعدّ العقل من أسس استنباط الأحکام الشرعیة.
إذن أحکام الأنبیاء و الشارع لا تقابل العقل، و ما تقوله الأنبیاء و الشارع هو نفس المرتکزات العقلیة التی غفل الناس عنها بسبب إلقاءات الشیاطین؛ فجاءت الرسل لتذکر الناس بمرتکزات و دفائن عقولهم.
و أساساً، لا یختلف منهج الأنبیاء فی دعوة الناس إلى الحق و الحقیقة مع ما یستنتجه الإنسان بالبرهان و الاستدلال الصحیح و المنطقی، و إنما الفرق الوحید هو أن الأنبیاء کانوا یستمدوّن من الغیب و ینهلون من عذب ینبوع الوحی. و لکن بالرغم من ارتباطهم بعالم الغیب، تنزّلوا إلى مستوى الناس و کانوا یکلّمونهم على قدر عقولهم و إدراکهم و کانوا یطلبون من الناس أن یفعّلوا قواهم الفطریة و الجماعیة حتى یتمسّکوا بالدلیل القاطع و منطق الاستدلال. فإذن الأنبیاء أطهر و أزکى من أن یرغموا الناس على متابعتهم بعشوائیة و من غیر بصیرة.
قال تعالى فی کتابه العزیز: "قل هذه سبیلی أدعو إلى الله على بصیرة أنا و من اتبعنی...".[11]
فعلى ضوء ذلک، الدین و التعقّل، أو الشریعة و الحکمة، المتّحدان فی المقصد و المصدر و المنهج، لا یختلفان أبداً. الدین الحقیقی یدعو الناس لیستیقنوا و یعرفوا عالم الغیب بالدلیل العقلی. فإذن العقل فی طول النقل، و العقل هو حجة الإنسان الباطنة التی ترشده إلى سبیل الکمال، و الشریعة (الدین) هی الحجة الظاهرة لتحریر الإنسان من دوّامة الذنوب و إرشاده نحو الکمال و السعادة الإنسانیة.
کما یقول الإمام الکاظم (ع): "إن لله على الناس حجتین: حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبیاء و الأئمة (ع) و أمّا الباطنة فالعقول".[12]
و على هذا الأساس، لا یمکن أن تتضاد الحجة الباطنة و الظاهرة. لان الحجة تعنی الدلیل و الإمام، و الإمام هو الذی یعرف الطریق و المقصد و نهایته. وفقاً لروایة الإمام الکاظم (ع) هناک دلیلان لأجل الوصول إلى الله الواحد: دلیل من الخارج و دلیل من الداخل. طبعاً یجب أن ننتبه إلى أن هاتین الحجتین ـ الظاهرة و الباطنة ـ لیستا طریقین مستقلین. ینال الإنسان من هدفه إذا کان بین هاتین الحجتین کامل الارتباط و التناسق. لأن کما قال الإمام الحسین (ع): "...لا یکمل العقل إلا باتّباع الحقّ".[13] و قال تعالى فی محکم کتابه: ".ان الله هو الحق..."،[14] و "الحق من ربک".[15]
إذن، ینال العقل کماله إن اتّبع الحق، و من جملة أوامر الله تعالى، هو إتّباع الحجة الظاهرة، فجاء فی کتابه الکریم: "أطیعوا الله و أطیعوا الرسول و أولی الأمر منکم...".[16]
و هناک ملاحظة هامة و هی أن الحقائق العالیة، تارة تتعارض و العقل الدیکارتی الجزئی و الاحتیاطی _ فمن وجهة نظر دیکارت لا یعنی العقل الکلی شیئا فهو لا یقبله و یصب کل اهتمامه على العقل الاحتیاطی و الناظر إلى المدى البعید ـ أو العقل فی المذهب العملی ـ یرى المذهب العملی أنّ العقل المثمر هو العقل الذی یستطیع أن یزیل استفهاماً من المسائل التجریبیة ـ أو العقل النظری فی رأی کانت ـ یرى کانت أن العقل النظری فی حل المسائل ضعیف و الأحکام العقلیة فی هذا المجال فاقدة للقیمة العملیة.
بدیهیُ أنه لا یمکن تحلیل و تبیین الإیثار و التضحیة و الشهادة و الإنفاق و الإیمان بالغیب و آلاف الحقائق الإسلامیة الأساسیة بالعقل الجزئی و الاحتیاطی.
و من جانب آخر، یجب أن نمیّز بین العقل و الوهم، فتارة یستعمل الوهم بدلاً من العقل. و لذلک الأمور البدیلة توضع فی محل الأمور الحقیقیة، کما أشار الله تعالى الى هذا المعنى بقوله فی الآیة المبارکة:."و هم یحسبون أنهم یحسنون صنعاً".[17] لکن فی الحقیقة أفکارهم و حسبانهم کلها عن وهم فهی باطلة.
و الحاصل أنه، بعد أن بینّا التلاؤم و التناسق بین العقل و الدین، و بینّا بطلان فرضیة التضاد و التعارض بین الإسلام و الاستدلالات العقلیة، بسبب الاتحاد فی المقصد و المصدر و المنهج، فبعد هذا، إذا خالفت الحقائق الدینیة أصلاً من الأصول العقلیة، فهو إمّا لفقدان البرهان المنطقی و الاستدلال العقلی من المقدمات و الضوابط أو لقراءة خاطئة و وهمیة عن المفاهیم الدینیة.
و لابد من الالتفات بأن فی نطاق العقائد (الأصول) و الأحکام (فروع)، هناک بعض الأحکام و المسائل الإسلامیة التی تعلو عن مستوى العقل، فالعقل ـ و إن کان لا یخالفها ـ لا یحصل على کنه المسائل هذه و لا یستطیع أن یفهمها کمناطات الأحکام أو المسائل المتعلقة بتفاصیل المعاد.
و أمّا بالنسبة إلى الأحکام التی استشهدتم بها فی تساؤلکم فهی بالأدلة العقلیة و المنطقیة قابلة للإثبات و فی مثل هذه المسائل، لا نجد أی تعارض بین العقل و الوحی.[18]
فعلى سبیل المثال، حرمة الربا فی الإسلام، لها فلسفة خاصة و الإسلام ـ بدلیل منطقی ـ یحرّم أی مرابحة خارجة عن حدود منهجه الاقتصادی، و إن کان الاقتصاد الرأسمالی یؤکد على ضرورتها، و یعتبرها من الحقوق المسلمة التی تثبت إلى صاحب رأس المال و أنّها من العوامل التی تراقب بصورة غیر محسوسة على العملیة الاقتصادیة. و من الدوافع التی یعتبرها النظام الرأسمالی سبباً فی تجویز الربا بل جعلته أمراً ضروریاً هی مسألة المجازفة.[19]
أمّا الإسلام فحرّم الربا و الأشکال الأخرى من المجازفة کالقمار و المشارطة و اعتبر مقدمات استدلالهم مردودة، معارضاً لکون المجازفة مربحةً. و من جانب آخر، إن الربا یزید من اختلاف طبقة الأغنیاء و الفقراء و یوجب تکاثر الأموال و فی نهایة المطاف، تبقى طبقة الفقراء فی المجتمع تعانی من أعباء هذه العملیة.[20] فإذن "الربح أو الربا " لیست غیر مشروعة فحسب، بل لا یعتمد على أی دلیل عقلی و منطقی.
و أما أنه لماذا فی فکرنا و رؤیتنا بعض الأحکام تعارض العقل و تخالفه فهناک سببان:
أولهما: أنه لا یمکن تحلیل و تبیین الحقائق الإسلامیة الأساسیة بالعقل الجزئی و الاحتیاطی.
و الثانی: یجب أن نمیّز بین العقل و الوهم فکما ذکرنا مسبقاً قد نحکم خطأ على المکتسبات الوهمیة بأنها عقلیة.
و الحاصل أنه، البرهان العقلی حجة الله فمن راجع النصوص الدینیة متلبساً بالعقل و البرهان العقلی فیجد حظاً وافراً من هذه النصوص. و لکن من اعتمد فی قراءة النصوص المقدسة و فهمها على الاستقراء الناقص او التمثیل المنطقی أو المغالطة ـ بأنواعها ـ فقد حال بجهله و عدم معرفته بین مفاهیم النصوص الدینیة و العقول البشریة و یجعل هذه النصوص ضبابیة.
و أیضاً فی الإجابة عن السائلین بأن: هل یمکن تقدیم براهین عقلیة على جمیع قضایا الدین العامة و التفصیلیة. فنقول: إن العقل، ضروری لفهم الدین و لکنه لا یکفی. و على هذا فلا یمکن أن ندافع عن تفاصیل الدین بالعقل، لأن التفاصیل لا تدخل ضمن حدود البرهان العقلی، سواء کانت تفاصیل الطبیعة أو الشریعة. و بعبارة أخرى، التفاصیل العلمیة و العینیة و الحقیقیة و الاعتباریة فهی خارجة عن حدود البرهان العقلی و ما کان خارج عن نطاق العقل فلا یمکن تعلیله و تبریره بالعقل و لکن یمکن التعلیل العقلی فی المسائل الکلیة و الخطوط العامة فی الطبیعة و الشریعة.
و بعبارة أوضح، إن العقل یجد نفسه فی کثیر من المسائل عاجزاً و ضعیفاً فیستعین بالوحی. و منطق العقل یقول بأنی أعلم بأنی لا أعلم کثیر من الأمور و أحتاج إلى الوحی.[21]
لمزید الإطلاع راجع:
أ ـ تفکر در قرآن، العلامة الطباطبائی، السید محمد حسین.
ب ـ حکمت نظرى و عملى در نهج البلاغه، جوادی آملی، عبد الله.
ج ـ شریعت در آینه معرفت، جوادی آملی، عبد الله، ص 224ـ 199.
د ـ دین شناسى، جوادی آملی، عبد الله، ص 174ـ 170.
ه ـ باورها و برسشها، هادوی تهرانی، مهدی، ص 58ـ 51.
و ـ مبانی کلامی اجتهاد، هادوی تهرانی، مهدی، ص 284 280.
ز ـ نشرة "پرسمان"، العدد 12، مرداد سنة 1381، مقالة: اسلام و عقل، همسویی یا تضاد، رضانیا، حمید رضا.
[1] کرجی، علی، اصطلاحات فلسفی و تفاوت آنها با یکدیگر، ص 171 – 172.
[2] الشهید مطهری، ده گفتار، ص30 – 31.
[3] جوادی آملی، عبد الله، رحیق مختوم، ج 1، الباب الاول، ص153.
[4] الشهید مطهری، ده گفتار، ص 30 – 31.
[5] کلینی، اصول الکافی، ج 1، ص 11، الحدیث 3 .
[6] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان، ج 3، ص 57.
[7] نفس المصدر، ج 5، ص 255.
[8] نفیسی، شادی، عقل گرایی در تفاسیر قرن چهاردهم، ص 194 – 195.
[9] نهج البلاغة، الخطبة 1.
[10] السبزواری، السید عبد الاعلی، تهذیب الاصول، ج 1، ص 145؛ مظفر، محمد رضا، اصول الفقه، ج 1، ص 217 .
[11] یوسف، 108.
[12] راجع: منتخب میزان الحکمة، ری شهری، محمد، الروایة 4387.
[13] راجع: منتخب میزان الحکمة، ص 359، الروایة 4407.
[14]لقمان، 30.
[15] آل عمران، 60.
[16] النساء، 59.
[17] کهف، 104.
[18] لمزید الإطلاع على معلومات اکثر حول المصادیق المذکورة فی سؤالکم، أطرحوا سؤال خاص بهذه المصادیق کی نرسل لکم الاجابة بعد التحقیق و التأکد منها.
[19] راجع کتاب (مکتب و نظام اقتصادی اسلام)، هادوی تهرانی، ص180.
[20] نفس المصدر، ص180ـ 181 .
[21] جوادی آملی، عبد الله، دین شناسی (سلسله بحث هاى فلسفه دین)، ص 174ـ 127.