بحث متقدم
الزيارة
5962
محدثة عن: 2012/06/26
خلاصة السؤال
ورد فی الآیة 33 من سورة المائدة الاشارة الى حکم المحارب، فهل یطبق الحکم الیوم أو هو من ضمن الاحکام المعطلة؟
السؤال
جاء فی الآیة 33 من سورة المائدة: {إنَّمَا جَزَاء الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَاداً أَن یُقَتَّلُواْ أَوْ یُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ یُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیَا وَلَهُمْ فِی الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ}, متى تترتب هذه العقوبة و هل هی من الأحکام المعطلة؟
الجواب الإجمالي

حدد القرآن الکریم عقوبة للمحارب فی قوله تعالى: {إنَّمَا جَزَاء الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَاداً أَن یُقَتَّلُواْ أَوْ یُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ یُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیَا وَلَهُمْ فِی الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ}.

و المراد بالمحاربة و الإفساد على ما هو الظاهر هو الإخلال بالأمن العام، و الأمن العام إنما یختل بإیجاد الخوف العام و حلوله محله، و لا یکون بحسب الطبع و العادة إلا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا و لهذا ورد فیما ورد من السنة تفسیر الفساد فی الأرض بشهر السیف و نحوه. لا شهر السلاح بوجه شخص واحد مثلا.

فحکم المحارب حکم قرآنی لا یمکن المناقشة فیه؛ یعنی أن الحکم الاولی بحق المحارب ثابت قرآنیاً، لکن قد ترى الحکومة الاسلامیة لاسباب و ظروف خاصة إقامة الحکم بطریقة أخرى، او تأجیل التنفیذ و تأخیره لاسباب ما. و هذا ما یعبر عنه بالحکم الثانوی. فالحکم الاولی الوارد فی الآیة المبارکة ثابت و اما الحکم الثانوی فتابع لتشخیص الحاکم الشرعی و یتبع الزمان و المکان، و لا یعنی ذلک بحال من الاحوال إنکار الحکم الاولی او التطاول علیه قطعاً.

الجواب التفصيلي

فی البدء لا بد من تسلیط الاضواء على أنواع الاحکام الإلهیة، ثم التعریج على السؤال المطروح:

تتشکل الدساتیر الالهیة من قسمین: قسم العناصر الثابتة و العناصر المتغیرة. و الاحکام الثابتة و المطلقة هی الاحکام الشاملة لجمیع الاعصار و الازمان، و هی ناظرة الى هویة الانسان الثابتة و غیر المتغیرة دائماً. أما الدساتیر و الارشادات المتغیرة فناظرة الى البعد المتغیر فی شخصیة الانسان، و نعنی بالمتغیر تلک الطائفة من الدساتیر و الاحکام  التابعة للشروط و الظروف الاجتماعیة أو السیاسیة أو الثقافیة. و بعبارة أخرى: الاحکام التابعة للزمان و المکان.[1]

 و هناک أحکام یقع تنفیذها على کاهل الافراد مع توفر الشروط المذکورة فی المصنفات الفقهیة کالصلاة و الصوم و الحج و...، و هناک أحکام تقع على کاهل الحکومة کإقامة الحدود و التعزیرات و جبایة الخراج و....

و نحن اذا رجعنا الى القرآن الکریم نجده یحدد عقوبة للمحارب فی قوله تعالى: {إنَّمَا جَزَاء الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَاداً أَن یُقَتَّلُواْ أَوْ یُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ یُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیَا وَلَهُمْ فِی الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ}[2]

و هنا لابد من التعرض لبعض النکات الضروریة:

1. المراد بالمحاربة و الإفساد على ما هو الظاهر هو الإخلال بالأمن العام، و الأمن العام إنما یختل بإیجاد الخوف العام و حلوله محله، و لا یکون بحسب الطبع و العادة إلا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا و لهذا ورد فیما ورد من السنة تفسیر الفساد فی الأرض بشهر السیف و نحوه.[3] فاذا قام شخص او جماعة بتهدید المجتمع و أوجد رعباً جماعیاً و کان خطراً على الجمیع من خلال شهر السلاح بوجوههم تهدیداً أو سلباً و.. فیجب التصدی له و اعادة الامن الاجتماعی الى نصابه و یعد المتصف به من مصادیق قوله تعالى " الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ".

2. أما الحکم الشرعی،  فقد  اختلف فی حدّه فقیل على التخییر لظاهر الآیة إذ المجاز و الإضمار على خلاف الأصل فیتخیّر الامام بین الأقسام الأربعة على أیّ فعل صدر منه من قتل أو أخذ مال أو جرح أو إخافة، فعلى هذا یصلب حیّا قطعا. و قیل: بالترتیب و التفصیل و هو أقسام الأوّل: یقتل إن قتل خاصّة، فلو عفى الولی قتل حدّا و لا معه قصاصا؛ الثانی: إن أخذ المال و قتل، استرجع المال، و قطع مخالفا ثمّ قتل و صلب؛ الثالث: إن أخذ المال خاصّة قطع مخالفا و نفی؛ الرابع: إن جرح و لم یأخذ شیئا اقتصّ منه و نفی؛ الخامس: إن أشهر السلاح و أخاف خاصّة نفی لا غیر.[4] و هناک روایات کثیرة حول هذا الموضوع[5] و قد توسع الفقهاء فی بیانها و شرحها لایسع المجال للتعرض لجمیع ما جاء عنهم هنا.

و الحاصل: إن المحارب من یسلب الامن الاجتماعی، و لاریب أن مثل هؤلاء بمنزلة الوباء الذی یعم البلد، فلا بد من قعلة و استئصاله من الوجود، و ان الحکم الصادر بحقهم یمثل الضمانة الکبرى للمجتمع للتخلص من هذه النماذج الخطیرة و فی الوقت نفسه یکون رادعاً لکل من تسول له نفسه فی التعرض لأمن المجتمع و استقرار المواطنین. فحکم المحارب حکم قرآنی لا یمکن المناقشة فیه؛ یعنی أن الحکم الاولی بحق المحارب ثابت قرآنیاً، لکن قد ترى الحکومة الاسلامیة لاسباب و ظروف خاصة إقامة الحکم بطریقة أخرى، او تأجیل التنفیذ و تأخیره لاسباب ما. و هذا ما یعبر عنه بالحکم الثانوی. فالحکم الاولی الوارد فی الآیة المبارکة ثابت و اما الحکم الثانوی فهو ما یشخصه الحاکم الشرعی و یتبع الزمان و المکان، فقد یرى الحاکم الشرعی الضرورة و المصلحة فی التأجیل مثلا، و لا یعنی ذلک بحال من الاحوال انکار الحکم الاولی أو التطاول علیه قطعاً.

 

[1] اقتباس من السؤال؛ 3428 (الرقم فی الموقع: 4115).

[2] المائدة، 33.

[3] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 5، ص 327، منشورات جماعة‏ مدرسی الحوزة العلمیة، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.

[4] لمزید الاطلاع انظر: : الفاضل المقداد جمال الدین مقداد بن عبدالله، کنزالعرفان فی فقه القرآن، ج 2، ص 352، المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة، الطبعة الاولی، 1419ق.

[5] انظر: العروسی الحویزی، عبد العلی بن جمعة، تفسیر نور الثقلین، ج1، ص 621- 624، اسماعیلیان، قم، الطبعة الرابعة، 1415 ق.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...