بحث متقدم
الزيارة
5014
محدثة عن: 2013/06/22
خلاصة السؤال
ما هو طریق حل التعارض بین دلیلین معتبرین دل أحدهما على الوجوب و الآخر على الحرمة؟ إضربوا مثالاً على ذلک.
السؤال
السلام علیکم و رحمة الله و برکاته، دلیلان معتبران متعارضان بالتضاد دلّ أحدهما على وجوب شیءو الآخر على حرمته، أرجو إعطائی مثالا واقعیا من روایتین مرویتین عن النبی (ص) أو عن أحد المعصومین (ع) یتخیر الفقهاء بالعمل بأحدهما؟
الجواب الإجمالي
أول مهمة للفقیه عند حصول التعارض الإبتدائی بین دلیلین، هو الجمع العرفی و العقلائی بینهما. فإذا لم یمکن الجمع العرفی و العقلائی یتحول للمرجحات المنصوصة[1] فیرجح ما توفّر على ملاک الترجیح على غیره، و أما لو کانت الادلة المتعارضة متساویة فی جمیع الجهات و المرجحات، فبعض الفقهاء یقول بالتساقط و البعض الآخر یقول بالتخییر و کلٌّ یعمل على مبناه الفقهی.[2]
للتعارض أقسام منها، التعارض على نحو التضاد، فدلیل یدل على وجوب عمل ما و دلیل یدل على حرمة نفس العمل. و لا یمکن الجمع بینهما.[3] کنموذج على ذلک: یمکن الإشارة إلى الروایات الواردة فی صلاة الجمعة فی زمن الغیبة، فدلیل یدلّ على وجوبها و الآخر یدل على حرمتها. نکتفی بذکر روایة لکل منها.
یروى عن الإمام السجاد (ع) عن الإمام علی (ع) أنه قال: "لا یصحّ الحکم و لا الحدود و لا الجمعة إلا بإمام".[4]  فبعض الفقهاء و إستناداً إلى هذه المجموعة من الروایات، یشترطون حضور المعصوم أو إذنه فی إقامة صلاة الجمعة، و من هنا یُفتون بحرمة إقامة صلاة الجمعة فی زمن غیبة الإمام الحجة المنتظر ـ عج ـ لعدم توفر هذین الشرطین.[5]
بید أنه المشهور عند الفقهاء هو الفتوى بوجوب صلاة الجمعة ـ العینی أو التخییری ـ فی زمان الغیبة و یستدلون بالآیة المبارکة "یَأَیهُّا الَّذِینَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلىَ‏ ذِکْرِ اللَّهِ وَ ذَرُواْ الْبَیْعَ  ذَالِکُمْ خَیرْ لَّکُمْ إِن کُنتُمْ تَعْلَمُون"،[6] و مجموعة أخرى من الروایات و لا یشترطون حضور المعصوم و لا إذنه فی ذلک،[7] و من الروایات التی یستدلون بها على ذلک ما روی عن الإمام الباقر (ع) حیث یقول: "فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثین صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله فی جماعة و هی الجمعة و وضعها عن تسعة عن الصغیر و الکبیر و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المریض و الأعمى و من کان على رأس فرسخین".[8] و عنه (ع) قال: "من ترک الجمعة ثلاثاً متوالیات بغیر علة طبع الله على قلبه".[9]
فالتعارض بین هاتین المجموعتین من الروایات بسبب التضاد فیما بینها، لذا فالمشهور عند الفقهاء هو قبول مدلول و محتوى و أدلة المجموعة الثانیة من الروایات و قد أفتوا طبقاً لها.
 

[1] أسباب ترجیح روایة على روایة کثیرة، منها: 1ـ الترجیح بالصفات، و المراد من الصفات صفات الراوی من العدالة و الصدق فی نقل الروایة، 2ـ الترجیح بالشهرة: فکل روایة أشهر من غیرها تُرجح على غیر المشهورة، سواء أکانت الشهرة فتوائیة أم روائیة، 3ـ الترجیح بموافقة الکتاب، أی تُرجح الروایة التی یوافق مضمونها الکتاب على الروایة التی یخالف مضمونها القرآن الکریم. راجعوا: المظفر، محمد رضا، أصول الفقه، ج 2، ص 247 ـ 255، إنتشارات إسماعیلیان، قم، الطبعة الخامسة.
[2] راجعوا: المجتهدی التبریزی، غلامحسین، الأصول المهذبة، ص 130 ـ 134، طبعة طوس، مشهد، الطبعة الثانیة.
[3] المیرزای النائینی، محمد حسین، أجود التقریرات، المقرر: الخوئی، السید أبو القاسم، ج 2،ص  501، إنتشارات المصطفوی، قم، 1368 ش.
[4] الکوفی، محمد بن محمد الأشعث، الجعفریان (الأشعثیان)، ص 43، مکتبة نینوى الحدیثة، طهران، الطبعة الأولى، إبن حیون، نعمان بن محمد المغربی، دعائم الإسلام و ذکر الحلال و الحرام و القضایا و الأحکام، المحقق و المصحح: الفیضی، آصف، ج 1، ص 182، مؤسسة آل البیت (ع)، قم، الطبعة الثانیة، 1385 ق. و راجعوا: الترحینی العاملی، سید محمد حسین، الزبدة الفقهیة فی شرح الروضة البهیة، ج 2، ص 283، دار الفقه للطباعة و النشر، قم، الطبعة الرابعة، 1427 ق.
[5] کإبن إدریس الحلّی، السرائر الحاوی لتحریر الفتاوی، المحقق و المصحح: الموسوی، حسن بن أحمد، إبن مسیح، أبو الحسن، ج 1، ص 290 و ج 2، ص 26، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة، 1410 ق.
[6] الجمعة، 9.
[7] راجعوا: الشهید الثانی، زین الدین بن علی، رسائل الشهید الثانی، ص 50 ـ 62، مؤسسة الإعلام الإسلامی، قم، الطبعة الأولى، 1421 ق، المحدث البحرانی، یوسف بن احمد، الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة، المحقق و المصحح: الإیروانی، محمد تقی، المقرم، سید عبد الرزاق، ج 9، ص 378 ـ 396، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الأولى، 1405 ق، الزبدة الفقهیة فی شرح الروضة البهیة، ج 2، ص 284 ـ 287.
[8] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، المحقق و المصحح: الغفاری، علی أکبر، الآخوندی، محمد، ج 3، ص 419، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407 ق.
[9] الشیخ الصدوق، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ص 232، دار الشریف الرضی للنشر، قم، الطبعة الثانیة، 1406 ق.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280270 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258846 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129641 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115675 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89568 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61060 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60378 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57381 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51647 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47721 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...