بحث متقدم
الزيارة
5342
محدثة عن: 2011/10/19
خلاصة السؤال
هل هناک منافاة بین عصمة أمیر المؤمنین (ع) و غضبه بسبب إهانة الأعداء؟
السؤال
فی حرب الخندق عندما تجاسر عمر بن عبدود علی أمیر المؤمنین (ع) قام أمیر المؤمنین (ع) و ابتعد ثم رجع و قتل هذا الملعون، و طبقاً لمعلوماتی السابقة، عندما سُئل أمیر المؤمنین (ع) عن دلیل هذا العمل أجاب خفت أن لا یکون عملی خالصا100/. لله سبحانه، بل أن بعضه بسبب غضبی، لذلک أردت أن ینتهی غضبی ثم اقتله لله سبحانه.
أحد المعمّمین الحوزویین یقول أن هذا الکلام ینافی عصمة الإمام علی (ع)، و الإمام علی (ع) فعل هذا الفعل لکیلا یقول الناس بعد ذلک إنه قتل عمرو بن عبدود بسبب جسارته له. أی الرأیین أصح؟ برأیی هو الرأی الثانی، لکن أرید الجواب القطعی.
الجواب الإجمالي

لیس معنی العصمة ان المعصوم لا یمتلک العواطف و الأحاسیس الإنسانیة. فمما لا شک فیه إن أئمتنا المعصومین (ع) کانوا بشراً یتمتعون بکل ما للبشر من أحاسیس و عواطف إنسانیة. یفرحون للمفرح من القضایا و یحزنون للمحزن و یغضبون للمغضب، لکن عصمتهم تمنعهم من أن یبدوا ردود فعل ظالمة یتخلّلها الذنب و المعصیة. أما ما جاء فی الروایات من ان أمیر المؤمنین (ع) قد تألّم و غضب لإهانة العدو المکسور الذی کان قتله جائز علی کل حال، لکن و بسبب أن یکون قتله له أکثر خلوصاً و أن یکون خالیاً من کل شائبة من شوائب الأنانیة و الدفاع عن النفس لذلک لم یقدم مباشرة علی قتل العدو ثم أقدم علی ذلک بعد أن سکن غضبه. و هذا الأمر لیس فیه أی تنافٍ مع عصمة أمیر المؤمنین (ع) بل یُمکن أن نتلقّی منها مقام أعلی من العصمة. ضمناً إننا لم نجد فی الروایة أی أثر لکلام الناس.

الجواب التفصيلي

مسألة بصاق العدو فی وجه الإمام علی (ع) و غضبه (ع) أثر ذلک قد نقل فی بعض الکتب الروائیة: قیل: أن علیاً (ع) صرع فی بض رجل ا، ثم جلس على صدره لیحتز راسه، فبصق ذلک الرجل فی وجهه، فقام علی (ع) و ترکه، فلما سئل عن سبب قیا مه و ترکه قتل الرجل بعد التمکن منه؟ قال: إنه لما بصق فی وجهی اغتظت منه فحفت ان یکون قتله للغضب و الغ یظ فیه نصیب. و ما   کنت ان اقتله الا خالصاً لوجه الله تعالی. [1]

و توجد روایة اخری مشابهة لهذه الروایة مع قلیل من الاختلاف فی مناقب إبن شهر آشوب و قد نقلها عنه المرحوم المجلسی فی بحار الأنوار و من الاختلاف بین الاثنین ان فی هذه الروایة ذکر إسم المقتول الذی هو عمرو بن عبدود المعروف الذی قتل فی حرب الخندق علی یدی الإمام علی (ع) و ذکر أیضاً أن هذا الملعون لم یکتف بالبصاق فی وجه أمیر المؤمنین (ع) فقط بل شتم امه کذلک. [2]

و یجب الإشارة إلی کلام أمیر المؤمنین (ع) فی هذه القضیة حیث قال: "قد کان شتم امی و تفل فی وجهی، فخشیت أن أضربه لحظّ نفسی، فترکته حتی سکن ما بی، ثم قتلته فی الله". و من الواضح أن هذا الأمر لیس فیه ای تنافٍ مع مقام العصمة، و ذلک لأنه لیس معنی العصمة هو أن یکون الفرد المعصوم خالیا من الأحاسیس و العواطف الإنسانیة، فمما لا شک فیه أن الائمة المعصومین (ع) کانوا بشراً و یتمتعون بالأحاسیس و العواطف البشریة. فیفرحون لما یُفرح من القضایا و یتألّمون و یغضبون لما یُغضب منها، و یعطون لکل من هذه الحوادث ما یُناسبه من جواب و ردود فعل، فالإنفعال أثر الأحاسیس و ردود الفعل المناسبة لا تتنافی العصمة بتاتاً، بل یُنافیها الظلم و التعدّی و الافراط و التفریط فی الإجابة علی الأحاسیس و العواطف لذلک تکون العصمة مانعة من صدورها.

ففی هذا الصعید، و فی هذه القصة نجد الإمام علیاً (ع) مع أنه کان مجازاً بقتل هذا العدو الذی برز إلی میدان الحرب و شهر سیفه أمام جیش المسلمین و قصد قتل أمیر المؤمنین (ع) و باقی المسلمین، لکنه (ع) عندما تألم و غضب لإهانة و جسارة العدو لم یقدم فوراً علی قتله بل انتظر فترة حتی یسکن غضبه ثم یقدم علی قتله، و إن کان غضبه و تألّمه لا یستدعی تأخیر القتل، لکنه فعل هذا لیکون عمله أکثر خلوصاً و لکی لا یتخلّله أیّ شائبة من شوائب الأنانیة و الدفاع عن النفس، لذلک لم یقدم مباشرة علی قتل العدو ثم أقدم علی ذلک بعد أن سکن غضبه. و هذه القضیة لیس فقط لا یوجد فیها ما ینافی العصمة فحسب، بل یُمکن أن نتلقی منها مقاما أعلی من العصمة، و هو إنه علی حد عالٍ جداً من خلوص نیته بحیث احجم عن أمرٍ لم یکن ذنباً بل کان الإقدام علیه فیما بعد یُعتبر أکثر إخلاصاً و هذا العمل یجب أن یکون قدوة لکل الأبطال و المجاهدین فی سبیل الله.

ثم اننا، من خلال الروایات المتعلقة بهذه القصة، نفهم إنه لم یکن أحد مطّلعاً علی قضیة الشتم و البصاق إلا الإمام علیا (ع) حتی نقول إنه (ع) آخر قتله له خوفاً من الناس و لو أقدم الإمام (ع) علی قتله فی هذه اللحظة لم یکن أحد یعلم بدوافعه حتی یرید التکلّم عن هذه المسألة.

لمزید من الاطلاع علی معنی و حقیقة العصمة راجعوا الأجوبة التالیة:

1- الموضوع: مفهوم العصمة و إمکان عصمة الأفراد، السؤال 1201 (الموقع: 1955).

2- الموضوع: عصمة الإمام علی (ع) و الاستغفار فی الدعاء، السؤال 5315 (الموقع: 5545).

3- الموضوع: معنی العصمة، السؤال 1738 (الموقع: 1885).



[1]     إبن الطقطقی، الفخری، ص49، الفخری فی الآداب السلطانیة، تحقیق عبد القادر محمد مایو، بیروت، دار القلم العربی، الطبعة الأولی، 1418 هـ.ق/ 1997 م.

[2]    محمد بن شهر آشوب، مناقب آل أبی طالب، ج3، ص319، مؤسسة نشر علامة، قم، 1379 هـ.ق. و کذلک: المجلسی، محمد تقی، بحار الأنوار، ج41، ص50، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ.ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279421 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257169 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128118 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113185 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88976 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59796 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59519 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56843 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49697 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47148 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...