Please Wait
7077
1. صحيح أن الآية المذكورة و ما سبقها من الآيات تشير الى انتفاء علاقة الموتى بعالم الدنيا، لكن المتأمل فيها يرى انها كانت تتحدث عن عدم إدراك الموتى بالشكل الطبيعي و الاعتيادي، الا انه من الممكن و تحت شروط خاصة ان تنعقد العلاقة بين الميت و عالم الدنيا و هذا ما دلت عليه الآيات و الروايات الاخرى التي تتحدث عن مخاطبة كل من النبي الاكرم و أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) للموتى في بدر و بعد معركة صفين، و كذللك تلقين الميّت، فكل ذلك يكشف لنا عن وجود تلك العلاقة في ظروف خاصّة و غير عاديّة، حيث إنّ اللّه سبحانه مكّن حديث الرّسول و الامام (ص) في تلك الحالة من الوصول إلى أسماع الموتى.
2. إنما يرد الاشكال فيما اذا ساوينا بين الرسول الاكرم (ص) و الائمة الاطهار (ع) من جهة و بين سائر الناس من جهة أخرى، و قلنا: كل حكم يسرى على سائر الناس فهو جار عليهم السلام، فحينئذ لما كان الارتباط بعامة الناس غير ممكن بعد الموت فكذلك هو غير ممكن بالنسبة الى الانبياء و الائمة (عليهم السلام)، و لا يمكن حينئذ حل اشكالية التوسل المطروح في متن السؤال. و لكن عندما نرجع الى المصادر الحديثية و آيات الذكر الحكم نراها تجعل للمعصومين (ع) ميزة خاصة، و أن شأنهم (صلوات الله عليهم) ليس كشأن سائر الناس، بل هناك فروق معنوية تؤهلهم لمواصلة العلاقة مع الدنيا حتى بعد الموت، و يمكن من خلالها الاجابة عن الاشكالية المطروحة من جهة و يمكن للمتوسل الانطلاق منها للتوسل بهم الى الله تعالى في قضاء حوائجه.
انظر الشواهد في الجواب التفصيلي.
جاء في آيات الذكر الحكيم " وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُور".[1]
و يمكن الاجابة عن التساؤل المطروح من خلال النقاط التالية:
1.المراد من الآية المباركة: كيف يقول تعالى في القرآن الكريم مخاطبا الرّسول (ص): "وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ"؟ مع أنّه جاء في الحديث المعروف أنّ الرّسول الأكرم (ص) خاطب صناديد قريش الذين قذفوا في طويّ[2] من أطواء بدر خبيث مخبث، يناديهم بأسمائهم و أسماء آبائهم: يا فلان بن فلان و يا فلان بن فلان أ يسّركم أنّكم أطعتم اللّه و رسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ أو ما ورد في آداب دفن الموتى من تلقينهم عقائد الحقّ؟.
فكيف يمكن التوفيق بين هذه الأمور و الآيات مورد البحث أعلاه؟.
يتّضح الجواب عن هذا السؤال إذا أخذنا بنظر الإعتبار ما يلي: إنّ الحديث في الآيات كان حول عدم إدراك الموتى بالشكل الطبيعي و الاعتيادي، أمّا الرواية التي ذكرناها أو تلقين الميّت فإنّما ترتبط بظروف خاصّة و غير عاديّة، حيث أنّ اللّه سبحانه مكّن حديث الرّسول (ص) في تلك الحالة من الوصول إلى أسماع الموتى.
و بتعبير آخر فإنّ الإنسان في عالم البرزخ ينقطع ارتباطه مع عالم الدنيا، إلّا في الموارد التي يأذن اللّه فيها أن يوصل هذا الارتباط، و لذا فإنّنا لا نستطيع عادة الاتّصال بالموتى في الظروف العادية.[3]
2. التوسل عقيدة صحيحة لا تنبع من فراغ: اذا ساوينا بين الرسول الاكرم (ص) و الائمة الاطهار (ع) من جهة و بين سائر الناس من جهة أخرى، و قلنا: كل حكم يسرى على سائر الناس فهو جار عليهم السلام، فحينئذ لما كان الارتباط بعامة الناس غير ممكن بعد الموت فكذلك هو غير ممكن بالنسبة الى الانبياء و الائمة (عليهم السلام)، و لا يمكن حينئذ حل اشكالية التوسل المطروح في متن السؤال. و لكن عندما نرجع الى المصادر الحديثية و آيات الذكر الحكم نراها تجعل للمعصومين (ع) ميزة خاصة، و أن شأن النبي الاكرم (ص) و الائمة الاطهار (ع) ليس كشأن سائر الناس، بل هناك فروق معنوية، يمكن ان تكون منطلقا للاجابة عن الاشكالية المطروحة، من قبيل:
1. يؤكد القرآن إستمرارية حياة طائفة من الناس بعد الموت، كما في قوله تعالى " وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُو ن".[4] فلا تعتقدوا فيهم الفناء و البطلان كما يفيده لفظ الموت عندكم.[5]
2. ورد في بعض الروايات أن اعمال المسلمين تعرض على النبي الاكرم (ص) و الائمة الاطهار (ع)، كما ورد في الكافي وغيره باب عرضِ الأَعمال على النَبيِّ (ص) و الأَئمَّة (ع).[6] و هذا المعنى لا ينسجم الا مع القول بحضورهم و اشرافهم (ص) و وجود العلاقة بينهم و بين عالم الدنيا.
3. ورد في بعض الاحاديث الشريفة أن النبي الاكرم (ص) و الائمة الاطهار (ع) يسمعون كلال الزائر و يردون سلامه و يقضون حوائجه بإذن الله تعالى.[7]
4. الجدير بالملاحظة أنّنا مأمورون بالسلام على الرّسول )ص( في التشهّد الأخير للصلوات اليومية، و هذا إعتقاد المسلمين عامّة، أعمّ من كونهم شيعة أو سنّة، فكيف يمكن مخاطبة من لا يمكنه السماع أصلا.[8]
5. كذلك وردت روايات متعدّدة في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة، عن الرّسول (ص) أنّه قال: «لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللّه»[9] و هل ينسجم ذلك مع انكار سماع الموتى للكلام؟![10]
6. كذلك وردت الإشارة في نهج البلاغة إلى مسألة الارتباط مع أرواح الموتى، فعند ما كان أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه راجعا من صفّين أشرف على القبور بظاهر الكوفة و قال مخاطبا اهل القبور: «يا أهل الديار الموحشة ... إلى أن قال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزاد التقوى».[11]
تحصل: ان القضية ليست كما وردت في متن السؤال و ان ليس كل من يموت تنقطع علاقته بالدنيا انقطاعا تاماً، بل هناك من تبقى له نوع علاقة – و فقا لشروط خاصة- مع عالم الدنيا، و بعض هؤلاء تستمر علاقته مع الدنيا حتى بعد موته كالنبي الاكرم (ص) و الائمة الاطهار (ع)، و منهم من يرتبط بعالم الدنيا ارتباطا مؤقتاً. من هنا تصبح ظاهرة التوسل بالمعصومين (ع) مسألة طبيعية جداً لا تتضاد مع أي مسلمة من مسلمات الدين الحنيف.
لمزيد الاطلاع انظر:
«التوسل في القرآن و السنة»، سؤال 2032 (الموقع: 2265).
«فلسفۀ التوسل بأهل البیت (ع)»، سؤال 1321 (الموقع: 1316).
«القدرة الالهية و الاسباب و المسببات»، سؤال 12513 (الموقع: 12326)
[1] فاطر، 22
[2] البئر.
[3] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج14، ص: 63- 64، نشر مدرسة الامام علي بن ابي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[4] آل عمران، 169.
[5] الطباطبائي، محمد حسین، المیزان في تفسیر القرآن، ج 1، ص 347، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.
[6] الكليني، محمد، الکافي، ج 1، ص 219 و 220، دار الکتب الاسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407 ق؛ الصفّار، محمد، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ص)، ج 1، ص 427 - 430، مکتبة آیة الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الثانية، 1404 ق.
[7] انظر: البحراني، سید هاشم، مدینة معاجز الائمّة الاثني عشر، ج 2، ص 221، مؤسسة المعارف الاسلامیه، قم، الطبعة الاولى، 1413 ق؛ ابن شاذان القمي،
ابوالفضل، الفضائل، ص 99، مكتبة الرضي، قم، الطبعة الثانية، 1363 ش؛ النوري، حسین، مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل، ج 10، ص 345، مؤسسة آل البیت علیهم السلام، قم، الطبعة الاولى، 1408 ق.
[8] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج14، ص: 64.
[9] صحيح مسلم، كتاب الجنائز، حديث 1 و 2( المجلّد 2، صفحة 631) نقلا عن تفسير الامثل.
[10] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج14، ص: 64.
[11] نفس المصدر؛ و انظر: نهج البلاغة، الكلمات القصار، جملة 130.