بحث متقدم
الزيارة
6054
محدثة عن: 2011/10/19
خلاصة السؤال
لم یتهم الإمام علی (ع) أعداءه الذین خرجوا لقتاله بالکفر و الشرک، أما فی زیارة الجامعة الکبیرة اُعتبروا کفّارا و مشرکین فهل من تعارض بین هذین الأمرین؟
السؤال
أ لم نقرأ فی زیارة الجامعة الکبیرة "و من حاربکم مشرک" أو "من جحدکم کافر"؟ إذن لماذا لم یعترب أمیر المؤمنین الذین خرجوا لقتاله کفّاراً و لا مشرکین و لا حتی فاسقین، بل کان یقول هم إخواننا بغوا علینا؟ و نص الروایة: " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیَرِیُّ فِی قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ‏ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِیَادٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمْ یَکُنْ یَنْسُبُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ حَرْبِهِ إِلَى الشِّرْکِ وَ لَا إِلَى النِّفَاقِ وَ لَکِنَّهُ کَانَ یَقُولُ هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَیْنَا" (وسائل الشیعة، ج15، باب حکم قتال البغاة).
الجواب الإجمالي

الامام علی (ع) حتی و إن لم ینسب أعداءه فی هذه الروایة إلی الکفر و الشرک لکنه (ع) لم یکن یبرئهم أبداً و لم یکن یعتبرهم مسلمین واقعیین أو مؤمنین، بل عدّهم من المتجاوزین، و أعلن بفطنة و ذکاء ان حربه معهم مشروعة بنص القرآن. نحن نقرأ فی القرآن الکریم ان الله سبحانه و تعالی عبّر عن المشرکین بأنهم اخوة النبی (ص) من حیث القومیة و العنصر، لذلک فکلمة "إخواننا أو اخوتنا" لا یُمکن أن تکون ناظرة إلی نظرة الإمام علی (ع) المثبتة لهؤلاء المتجاوزین. و مما لا شک فیه و لا ریب یعتریه أن من قام للحرب ضد إمامه العادل متجاوزاً فهو لا یعدم مراتب کبیرة من الشرک و الکفر حتی لو لم یُرفع منه عنوان المسلم، و إلی هذا المعنی أشارت زیارة الجامعة الکبیرة.

الجواب التفصيلي

فی بدایة الجواب نجلب انتباهکم إلی روایة فی هذا المجال:

عن یحیی بن المساور الهمدانی عن أبیه قال: جاء رجل من أهل الشام إلی علی بن الحسین فقال: أنت علی بن الحسین؟ قال: نعم. قال: أبوک الذی قتل المؤمنین! فبکی علی بن الحسین ثم مسح عینیه فقال: ویلک قطعت علی أبی إنه قتل المؤمنین؟! قال: لقوله إخواننا قد بَغوا علینا فقاتلناهم علی بغیهم. فقال: ویلک! أما تقرأ القرآن؟ قال: بلی. قال: فقد قال الله تعالی "و إلی مدین أخاهم شعیباً" "و إلی ثمود أخاهم صالحا" أ فکانوا إخوانهم فی دینهم أو فی عشیرتهم؟ قال له الرجل: لا بل فی عشیرتهم. قال (ع): فهؤلاء إخوانهم فی عشرتهم و لیسوا إخوانهم فی دینهم. قال: فرجت عینی فرّج الله عنک. [1]

بعد التدقیق فی الروایة لابد من الإشارة إلی عدة نکات فیما یخص سؤالکم:

1- لا حاجة فی هذا الجواب للتحقیق فی سند هذه الروایة و نفرض أن هذه العبارات قد صدرت من أمیر المؤمنین (ع) و ذلک لوجود قرائن تقوی هذا الانتساب من جملتها الروایة التی فی مقدمة الجواب.

2- الروایة ذکرت للکفر و الشرک و لم تذکر الفسق المذکور فی السؤال فی المصدر الذی ذکرته.

3- من التدابیر المستعملة فی الحرب و الاشتباک هو عدم استعمال العبارات النابیة و المهیّجة للطرف الآخر و التی تدعوا إلی تقویة أنفسهم علی إدامة الحرب، بل یجب استعمال الکلام اللطیف معهم لیجعل الطریق مفتوحاً أمامهم دائماً لتجدید النظر فی آرائهم (طبعاً لیس هذا التدبیر مثمراً دائماً، بل یجب الالتفات إلی شروط الحرب أیضاً).

الإمام علی (ع) و فی هذا الظرف الحسّاس الذی یعتبر کلا من الطرفین أنفسهم مسلمین و مؤمنین إذا اتهم الطرف المقابل –المتقلّب فی الجهل و الذی کان آلة بید محترفی السیاسة المتظاهرین بالتدیّن- بالکفر و الشرک سیشعل فی دائرتهم ناراً لا یستفید منها إلا أمثال عمرو بن العاص و لا تعود بالضرر إلا علی جیش جبهة الحق.

فالإمام علی (ع) بفطنته و فراسته و بدون أن یبرئهم صریحاً من أعمالهم الطالحة و الباطلة أو کما یفعل البعض بأن یعلق أعمالهم الباطلة علی حساب اجتهادهم لیستفید من ذلک، اتبع الثقافة القرآنیة و بدون أن ینسبهم رسماً إلی الإسلام و الإیمان الواقعی استعمل عبارات خاصة لا تثیر حساسیتهم من جهة و من جهة أخری یُمکن أن نصل منها إلی الحقیقة بأقل دقة.  

کما لاحظتم ان استعمال کلمة أخوة بالنسبة للکفّار و المشرکین لها سابقة قرآنیة حیث عبّر الله سبحانه عن المشرکین بأنهم أخوة النبی (ص) من حیث العنصر و القومیة، و من جهة أخری فکلمة (البغی) فی کلام خلیفة رسول الله (ص) هی لوحدها کافیة لأن تُبیّن فسق الطرف الآخر، لاحظوا هاتین الآیتین:

1-3: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبىّ‏َِ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهْا وَ مَا بَطَنَ وَ الْاثْمَ وَ الْبَغْىَ بِغَیرْ الْحَقّ‏ِ وَ أَن تُشرْکُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ یُنزَّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَ أَن تَقُولُواْ عَلىَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُون‏"[2]

2-3: "* إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاحْسَنِ وَ إِیتَاى ذِى الْقُرْبىَ‏ وَ یَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنکَرِ وَ الْبَغْىِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُون‏"[3]

فمن جهة و علی أساس الآیة التاسعة من سورة الحجرات اعتبر الله الحرب مع الباغین و المتجاوزین مشروعة. لهذا نجد أمیر المؤمنین و بکلامه اللطیف أعلن عن مشروعیة حربه و تجاوز الطرف الآخر و فی النتیجة فسقهم.

أما زیارة الجامعة، فلم توضع فی متناول المسلمین إلا و قد توضحت حقانیة اهل البیت (ع) بتوضیح و إظهار ائمة الشیعة (ع)، لذا نجد الحکّام المعاصرین للنسل الأخیر من الائمة مع کونهم یخافون الائمة (ع) و یخشونهم کثیراً و یعتبرونهم خطراً علی حکومتهم لکنهم فی نفس الوقت یحترمونهم و یحفظون حرمتهم ظاهراً، و یتظاهرون أمام الناس بأن الامام علیاً و الحسن و الحسین (ع) کانوا محقّین فی حربهم و جهادهم مع بعض الطوائف الباغیة من المسلمین.

فاعتبار الخارج للحرب ضد الائمة مشرکاً أو کافراً آنذلک لیس فیه تلک الحساسیة التی کانت زمن حاکمیة بنی امیة، و بما ان الشرک و الکفر له مراتب، فما جاء فی زیارة الجامعة لیس من الضروری أن یکون بحیث یخرج المسلم من دائرة المسلمین و تنطبق علی أحکام الکفر.

راجعوا السؤال 2791 (الموقع: 3500) فیما یخص القسم الأخیر.



[1]  المجلسی، محمد باقر، بحار الدنوار، ج32، ص345، ح329، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ].ق.

[2]  الأعراف، 33.

[3]  النحل، 90.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...