بحث متقدم
الزيارة
5769
محدثة عن: 2012/02/14
خلاصة السؤال
أخیراً أبدی هاوکینک رأیاً عجیباً حیث ادعی بأن الجنة ما هی الا اسطورة. کیف تُجیبون عن هذا الإدعاء؟
السؤال
أخیراً أبدی هاوکینک رأیاً عجیباً حیث ادعی بأن الجنة ما هی الا اسطورة. کیف تُجیبون عن هذا الإدعاء؟
الجواب الإجمالي

نعم، قد یصح ذلک لو آمنا بان الإنسان کما مثّل هاوکینک، کالحاسوب له مخ آلیّ، و لا ینتقل بعد انطفائه الی عالم و دنیا أخری. لکن حقیقة الإنسان –کما یتضح فی الجواب التفصیلی- أرقی من کونها آلة حساب بلا شک.

الجواب التفصيلي

نعم، قد یصح ذلک لو آمنا بان الإنسان کما مثّل هاوکینک، کالحاسوب له مخ آلیّ، و لا ینتقل بعد انطفائه الی عالم و دنیا أخری، لکن حقیقة الإنسان أرقی من کونها آلة حساب بلا شک. فلو لم نقل بان کلام هاوکینک عن الله و الجنة بانه مجرد مزاح لا غیر، یمکننا القول فی هذا المجال بأنه أخیراً –و علی خلاف آرائه السابقة- تبنی رأیا مفاده أن فیزیائیة العالم لیس إلا حقیقة موجودة لا غیر.

ومن المؤسف ان کثیراً من علماء العلوم الجدیدة عندما یبدون آراءهم فی مسائل ماوراء الطبیعة یستندون الی بعض المعطیات بشکل غیر و یجعلونها الأساس لآرائهم بطریقة بعیدة عن الموضوعیة و بطریقة عجیبة یؤسف لها. و کمثال علی ذلک انه لما کان علم الفلک القدیم لم یکتشف من الکون الال المنظومة الشمسیة ولم یر غیر ذلک من هنا ذهب البعض استنادا الى هذا المعطى العلمی فی حینیه الى القول باستحالة نفی وجود الله تعالى بصورة قطعیة و جازمة، بل لابد من الاستمرار فی التحقیقات العلمیة بشکل أکثر دقة فی هذا المجال، و لکن عندما تطور علم الفلک و اکتشفوا منظومة أخری، وصلوا إلی نتیجة مؤداها القول بنفی وجود الله قطعا، لوجود منظومات أخری عدی منظومتنا فی المجرّة.

فأیّ إله هذا الذی کان هاوکینک سابقاً یشک فی وجوده شکا طفیفا و لکنه جزم أخیرا بانکاره و نفی وجوده؟! و أیّ جنّة هذه التی اعتبرها هاوکینک أسطورة؟ فهل الله کما یتصور هاوکینک شخص واقف فی سطح السماء لیدیر عجلة الوجود، أم أنه حقیقة واقعیة عند عارفی الله الحقیقیین؟ هذا مجرد مثال ذکرناه لیکون مقدمة للدخول فی المباحث العلمیة فی هذا المجال.

فالله الذی یخرج من المدار بمجرد اکتشاف بسیط، فهو فکرة مجعولة جاءت نتیجة تحریف و جهل و شرک أناس لا یستحقون وصفهم بالکفر، کما إن الاعتقاد بوجود هکذا إله لا یتعدی کونه لقلقة کلام و مجرد افکار و لا تمت الی الإیمان بالله الحقیقی بصلة کما أشار الی ذلک القرآن الکریم.

و هذه القصة قد تکرّرت مرراً فی تاریخ العلم، کما أنه باکتشاف غالیلو و بجمیع الاکتشافات العلمیة و تبعاً لها انتشر فکرة نفی وجود الله و عدم الاعتقادبه، لکن المتأخّرین من الباحثین اسقطوا هذه النظریات و ردوا هذه الافکار بالتفریق بین الاله الحقیقی و الاله الذی اسقطه المتشبثون بتلک العلوم، حیث اثاروا بوجههم التساؤل التالی: أیّ إله سقط عن الاعتبار؟، فی الواقع هذه النظریات الأرسطوئیة و التحریفات المسیحیة هی التی طرحت کدین و بعدها تنحّوا عنها جانباً بکل بساطة. و بهذا رفع بساط النّفاق من العالم المسیحی.

ففی رأینا إن آراء هاوکینک عن بعض المسائل کالله و الجنة و جهنم أشبه ما تکون بالإنتقاد و السخریة للأدیان الأخری، من کونها تعطی الأدلة علی عدم وجود الله أو عدم وجود العالم الآخر. ذلک و نحن لا ندعی بأنه یعتقد بإله غیر الذی رّده و رفضه، لکن کفرد مثل هاوکینک الذی قضی عمره –کما یدعی- بین الموت و الحیاة و لا یبالی الموت و لا یخافه، فعلی أیّ مبنیً مقبول لدیه یمکن تقییم عمله و جهده و سعیه؟

و بغضّ النظر عن الآراء الشخصیة لهاوکینک نعلم أن الخطاب الملحد الذی یبث فی وسائل الإعلام التبلیغیة و الذی کما یعتبرونه نداءَ إنتصار البشریة علی کل مجهول بما فیه الله و العالم الآخر، و إنه لیس شیء حائز علی الأهمیة إلا حضارتنا المثلی – کمایدعون- و یجب علینا أن نکمل المسیر و المشوار، لأن کل الأدیان خرافة لیس إلا!!. لکن ما نعلمه الآن عن الحضارة التکنلوجیة الحالیة إنها فی أول مسائلها لم تقدّم للبشریة إلا العذاب و آلاف المشاکل المعضلة، فضلاً عن الإدعاء بکونها یمکن أن تحل معضلة الله و الإیمان به و الاعتقاد بالروح و الخلود و المعاد و غیرها.

کثیر من عبّاد العلوم الجدیدة و المنبهرین بها فی عصرنا الراهن یدّعون و باسلوب ساذج بأنهم مهما بحثوا لم یعثروا علی شیءٍ بإسم الله و الدار الآخرة، فهؤلاء منذ البدء لم یکن عندهم أی هدف علی هذا الأمر –بناءً علی اعترافاتهم-، و ذلک لأن وجود الله و الإیمان به یحتاج إلی علم غیر العلم الفنی و المحاسبات الریاضیة و کذلک یحتاج إلی عمل غیر استعمار الدنیا و التسلّط علیها و غیر البحث عن اللذّة المفرطة.

هذه الرؤیة عن الله تذکرنا بقصة فرعون فی القرآن حیث یقول لوزیره إبنِ لی برجاً عالیاً لأطّلع علی إله موسی و لأری مَن هذا الذی یتکلّم موسی عنه، لأنی أضنّه من الکاذبین. [1]

و مما لا شک فیه أنه لو بنی هامان لفرعون صرحاً بارتفاع عدة سنین ضوئیة و لو عرج إلی هناک بأی وسیلة کانت، لما أمکنه أن یطّلع علی أی شیء من إله موسی، لأن الله تعالی لیس فی السماء أو منضما تحت مجموعة من النجم أو إلی الفیزیا و لیس منضما الی أی مجموعة مهما کانت، لأن الله سبحانه مجرد عن المادة و المادیات والجسم و الجسمانیات و لا تتم معرفته إلا عن طریق العقل و  القلب الذی یعتبر الرکن الحی للإنسان و معدن أسراره، و لم یتعرّف البشر –مع الأسف- إلا القلیل القلیل عن بُعده الوجودی الذی هو بوّابة الروح و المنفذ إلیها.

کل الوجود المادّی الذی هو موضع مطالعة العلوم الفیزیائیة فی العالم، لیس إلا زینة السماء، الأولی (الدنیا) فی رأی القرآن [2] و کل السماوات التی تلیها سماوات معنویة لا تفتح أبوابها إلا بوجه من حاز علی قدرة أعلی من القدرة المادیة.

فحقارة الإنسان فی مقابل العلوم و الفنون التکنلوجیة التی هی من صنعه، وصلت فی عصرنا الجدید إلی حد بحیث جعلت الإنسان فی غفلة عمیاء و أبعدته عن مقامه الحقیقی و نحن نعلم بأن الله لا یمکن کشفه و التعرّف علیه إلا بالتعرّف الکامل علی الحقیقة الإنسانیة، لأن الله سبحانه کامن فی سر الوجود الإنسانی و کما قال أمیر المؤمنین (ع): "من عرف نفسه عرف ربّه".[3]

لذا فعدم الوصول إلی معرفة وجود الله مع کل هذا البحث و التحرّی المذکور یعتبر تصدیقاً للآیات القرآنیة و المنکر الغافل عن نفسه، یبحث عن الله فی مکان بعید: "وَ قَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ وَ أَنىَ‏ لهَمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّکاَنِ بَعِیدٍ" وَ قَدْ کَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ وَ یَقْذِفُونَ بِالْغَیْبِ مِن مَّکاَنِ بَعِید".[4]



[1]  القصص، 38. "وَ قَالَ فِرْعَوْنُ یَأَیُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَکُم مِّنْ إِلَهٍ غَیرْى فَأَوْقِدْ لىِ یَاهَامَانُ عَلىَ الطِّینِ فَاجْعَل لىّ‏ِ صَرْحًا لَّعَلىّ‏ِ أَطَّلِعُ إِلىَ إِلاهِ مُوسىَ‏ وَ إِنىّ‏ِ لَأَظُنُّهُ مِنَ الْکَاذِبِین".

[2]  فصلت، 12. "فَقَضَئهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فىِ یَوْمَینْ‏ِ وَ أَوْحَى‏ فىِ کلُ‏ِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَ زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَ حِفْظًا ذَالِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیم".

[3]  الآمدی، عبد الواحد التمیمی، تصنیف غرر الحکم، ص 232، الطبعة الأولی، مکتب الإعلام الإسلامی، قم، 1366 هـ.ش.

[4]  سبأ، 52 – 53.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279428 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257213 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113217 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59824 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59535 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49714 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...