بحث متقدم
الزيارة
5068
محدثة عن: 2012/06/06
خلاصة السؤال
هل العلة في حرمة الذنوب كالغيبة و الكذب و...تكمن في اختبار الانسان خاصة؟ أو هناك علل أخرى؟
السؤال
منعت الشريعة الاسلامية بعض السلوكيات و الاعمال كالغيبة و الكذب و...فهل الممنوعية تكمن في اختبار الانسان خاصة، ليختبر الله المطيع من عبادة و يميزه عن غيره؟ او هناك علل و حكم أخرى؟ فهل من الممكن ان يقول الله تعالى – اختبارا لطاعة عباده-: لا يحرم الكذب و يضع مكانه شيئاً آخر يختبر به عباده و يعتبره هو المحرم؟
الجواب الإجمالي

اختلفت كلمة العلماء و الفرق الاسلامية في هذه القضية التي عرفت باسم "قبح الافعال و حسنها الذاتي". فذهبت الاشاعرة الى القول بان قبح الافعال و حسنها لا يدرك الا من خلال أمر الشارع بها و نهيه عنها، فاذا أمر الله تعالى باداء الامانة اكتشفنا حسن هذا الفعل، و عندما ينهى عن الكذب مثلا نكتشف قبحه لا ان تلك الافعال بنفسها تحتوي على ملاك القبح و الحسن بنفسها.

في المقابل ذهب كل من الشيعة و المعتزلة الى تبني نظرية مخالفة لنظرية الاشاعرة حيث آمنوا بان الله تعالى قد أودع الانسان جوهرة العقل يستطيع من خلالها و بصورة مستقلة إدراك حسن الافعال و قبحها الكامن في ذاتها، و من هنا يدرك جميع الناس الطاهرين و النفوس غير الملوثة حسنَ بعض الافعال و قبحها بغض النظر عن الشريعة التي هم عليها، كادراك الجميع لحسن البر بالوالدين و مساعدة الفقراء و.... وقبح القتل ظلما و السرقة و....

انطلاقا من هذه النظرية تكون جميع الافعال التي أمر الشارع بها أو نهى عنها، ذات ملاكات بنفسها من الحسن و القبح قبل أن يأمر بها أو ينهى عنها، و ان العقل قادر على ادراك تلك الملاكات، لكن من الممكن أن تحجب تلك الافعالُ العقلَ بحجاب من الشهوة و المعاصي تسلبه القدرة على التشخيص و معرفة حقائق الامور و ملاكاتها؛ من هنا نرى أمير المؤمنين (ع) يحدد مهمة الانبياء الاساسية باحياء دور العقل و إزالة الركام عن مدفوناته و ان الله تعالى انما بعث الانبياء للبشر "ليثيروا لهم دفائن العقول".[1]

من هنا، يمكن القول بانه من الممكن ان يختبر الله عباده ليعرف مدى طاعتهم و انقيادهم له، عن طريق وضع بعض المحرمات و الممنوعات الشرعية التي لا يدرك العقل حقيقتها، بل هي مباحة في ذاتها، كما حصل في قصة طالوت و المنع من الاغتراف من النهر اكثر من غرفة واحدة "فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَليكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَليلاً مِنْهُمْ".[2] و لكن هذه الاختبارات مقطعية و متغيرة، فشرب الماء من ذلك النهر غير ممنوع بعد تلك الواقعة قطعاً. أما بالنسبة الى الكذب و الغيبة و.... أو ما يسمّى بالاحكام الثابتة فعللها لا تنحصر في الاختبار، بل العلة الاساسية فيها تكمن فيما تنطوي عليه من ملاكات فالمحرمات إنما حرمت لوجود المفسدة فيها و الواجبات إنما وجبت لوجود المصلحة فيها. و هذه قضية قد بحثت بتفصيل في علم اصول الفقه تحت عنوان ملاكات الاحكام الشرعية.[3]

 


[1] نهج البلاغة، خ1.

[2] البقرة، 249.

[3] انظر: الشهيد السيد محمد باقر الصدر، دورس في علم الاصول، الحلقة الثانية.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280300 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258899 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129701 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115823 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89600 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61143 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60417 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57401 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51759 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47752 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...