Please Wait
2371
إنّ التنبؤ بالأحداث العالمية والاخبار عنها بناءً على اوضاع النجوم له صور مختلفة، لكل منها حكمه الخاص. والصورة التي افتی الفقهاء المتقدمین ببطلانها و حرمتها وفقا للروايات هي الصورة التی يعتقد الفلكي من خلالها أن النجوم نفسها هي السبب التام أو الناقص للأحداث الدنيوية.
انّ تسمية كل عام باسم احد الحیوانات لیس له مصدر وسند روایی وهو شائع في تقويم بعض الدول بسبب عوامل دينية أو ثقافية. ما يقوله الفلكي عن كل اسم من هذه الاسماء للسنة هو، أولاً: بحسب ظنه أو تجاربه الشخصیة التی لا اعتبار بها؛ ثانياً: علی فرض قبول ذلک. فانه ليس من نوع السبب والمسبب؛ بمعنی انّ اطلاق اسم الثعبان علی السنة لایکون دلیلا علی جودة اوضاع المناجم فی تلک السنة.
من الموضوعات التي نوقشت في الكتب الفقهية، "علم التنجيم".[1] التنجيم یعنی التنبؤ بأحداث العالم بناءً على اوضاع النجوم.[2] ومن الأمور المتعلقة به تسمیة کل سنة باسم احد الحیوانات.
انّ تسمية کل سنة باسم احد الحيوانات ليس له مصدر وسند روایی ولکنّه شائع في تقويم بعض الدول بسبب عوامل دينية أو ثقافية.
انّ التقويم الایرانی قد تأثر بالتقویم التركي المغولي من القرن السابع الهجري تقريباً؛ أي بعد الفتح المغولي لإيران.[3] هذا التقويم من النوع الشمسي القمري.
ان أسماء الأشهر القمرية الاثنی عشر، یعنی الشهر الأول والشهر الثاني وما إلى ذلك في هذا التقويم باللغة التركية. يحتوي هذا التقويم على فترة مدتها اثنی عشر عامًا باسم الحیوانات، وأسماؤها هي: الفأر، البقرة، النمر، الأرنب(القط)، الحوت(التنين)، الأفعى، الفرس، الکبش(الماعز)، القرد، الدجاجة(الديك)، الكلب والخنزير.[4]
وفقًا لهذا الاعتقاد، فإنّ الأحداث التي تحدث في كل عام، تتأثر بالحيوان الذي يرمز إلى تلك السنة. بالطبع، قد تبدو مثل هذه المعتقدات خرافية ولا أساس لها للبعض، ومن ناحية أخرى قد يكون هناك من يعتبر حركة القمر والشمس واوضاع النجوم من العوامل المؤثرة في حياة الإنسان.
على أي حال؛ بما أن هذه البحث یتعلق باوضاع النجوم وهو من مباحث علم النجوم؛ أولاً، سنناقش موضوع التنجیم بشکل عام من وجهة نظر علم الفقه والروايات، ليتضح لنا حكم الموضوع المذكور من خلال بیان احکامه.
ان التنبؤ بالأحداث العالمية والإخبار عنها بناءً على اوضاع النجوم له أشكال مختلفة، لكل منها حكمه الخاص؛ سنتناول بیان بعض أشكاله فی ما یلی:
الف) جواز الاخبار عن طریق اوضاع النجوم
قد يكون هذا الإخبار على أساس اليقين أو الظن. وهذا النوع من التنجيم قد اعتبر جائزا في الفقه.[5] طبعا هناك أخطاء كثيرة في هذا القسم بسبب أخطاء في حسابات المنجمین، ولا ينبغي الوثوق بأخبارهم إلا في حالات الحاجة، بناء على شهادة شخصين عدلين.[6]
ب) جواز التنبؤ بالاحداث عن طریق آثار اوضاع النجوم مع الاعتقاد بان منشأها الإرادة الإلهية
في هذا القسم، يذكر المنجم أنه بالإرادة الإلهية، عندما يکون نجم معين في موضع معين، ستزدهر الزراعة أو ستحدث المجاعة. فإذا كان لدى المنجم خبرة مؤكدة في هذا المجال، يجوز له شرعا اعلان هذا التنبؤ.[7]
ج) حرمة التنبؤ بأحداث العالم مع الاعتقاد بان منشا تلک الاحداث نفس النجوم و اوضاعها
يعتقد الفلكي فی هذه الصورة من التنبؤ أن النجوم نفسها هي العلة التامة أو الناقصة للأحداث الدنيوية.[8] فالمقصود من فتاوى الفقهاء فی حرمة التنجیم، وكذلك الروايات التي نددت التنجيم هو هذا القسم منه.[9] لذلک فان المراد من کلام النبی(ص) فی کفر من یصدق کلام المنجم،[10] الذی اشارت الیه بعض الروایت هو هذا النوع من علم التنجيم.
وفي رواية عن عبد الملك بن أعين انه قال: ذهبت إلى الإمام الصادق(ع) فقلت له: انی قد ابتلیت بهذا العلم فارید الحاجة فاذا نظرت الی الطالع ورأیت الطالع الشر جلست ولم اذهب فیها واذا رأیت الطالع الخیر ذهبت فی الحاجة ،فقال لی تقضی، قلت نعم، قال احرق کتبک.[11]
یستفاد من هذه الروایة أن المنجم إذا حكم بظنه وتصوراته فهو حرام، وإلا فلا إشكال في مجرد النظر إلى احوال النجوم والتفال بها.[12]
وما یستفاد ایضا من مثل هذا الروايات،[13] هو حرمة التنبؤ مع الجزم والاعتقاد بسببیة احوال النجوم. اما اذا قال أن اوضاع النجوم تعتبر ارضیة لهذه الأحداث، بحیث ان إرادة الله القاهرة قادرة علی محوها، فلن تكون هناك مشكلة؛ لأن هذه الحالة لاتشملها الروايات التي حرمت التنجيم.[14]
اذا عاد هذا الاعتقاد إلى إنكار الله أو إلى تعطیل تدبیر الله للعالم وإدارة أحداثه، فهو أحد مصادیق الکفر الحقیقی وهو حرام، واما إذا عاد الی أن النجوم كأدوات هي تابعة للإرادة الإلهية، فلا توجد مشكلة. لذلك بشکل عام لا يمكن الحکم بكفر کل من يعتقد باستقلالية النجوم، بل من الضروري فی هذا الامر ملاحظة معتقداته وصلتها بأي من هذه الحالات.[15]
د) حركات النجوم علامات لوقوع الأحداث
ولا أحد من الفقهاء يعتبر هذا الاعتقاد كفرًا. هذه العلامة تشبه علامة حركات النبض ولون الوجه عن اوضاع القلب والحالة الداخلية لجسم الإنسان.[16] ومن وجهة نظر الشيخ بهائي(ره)، ان الروايات التي اعتبرت علم النجوم صحيحاً وسمحت بتعلمه هو هذا النوع من علم النجوم.[17] ان العلامة الحلي والسيد مرتضى علم الهدى والسيد بن طاوس ایضا يؤيدون نفس النظرية. فبرأیهم، وفق ما ورد في بعض الروايات، ان هناک علامات للنجوم فی وقوع بعض الاحداث، يمكن دفع ما هو شر منها بالتوسل واعطاء الصدقة. بالطبع. بما أن علماء النجوم لیست لهم معرفة كافية بجميع العلامات وکذلک الامور الدافعة والمعارضة لها، فانه لا يمكنهم إصدار حكم قطعی او ظنی في هذا القسم من علم النجوم.[18]
يقول الشيخ البهائي: ان الأحداث التي یخبر المنجمون عن وقوعها في المستقبل تنقسم إلى ثلاثة اقسام:
- قسم منها یستفاد من مصادر الوحي والحديث.
- قسم منها یستفاد من التجارب المتمادیة.
- قسم منها یستفاد من حالات النجوم المختلفة التي لا يحيط بها علماء الفلك بشكل كافٍ.
ففي القسمین الأولين؛ تکون اخبارهم صحيحة ومقبولة ولكن فی القسم الثالث لیس کذلک.[19]
يقول الإمام الصادق(ع) في هذا الصدد: "ان معظم قضايا علم النجوم لا یدرکها علماء النجوم والقليل الذی یقع فی ایدیهم لا فائدة کثیرة فیه".[20]
ففی هذه المجموعة من الروایات اشارة الی کون النجوم هی علامات وکذلک إلى وجود کثرة الأخطاء في علم النجوم. ومن تأمّل فی هذه الروايات سيرى أنه لا یحصل له القطع او الظن بقول المنجمین الا اذا کان ذلک معتمدا علی تجاربهم المتمادیة.
لذلک يقول الشيخ الأنصاري: الأولی ان لا یقوم المنجمون بالتنبؤ في البداية، وإذا أرادوا أن يتنبأوا فعليهم تقديمه في شكل كلمات مثل تقریبا او انه لایبعد.[21]
الاستنتاج
- ما يقوله علماء النجوم المسلمین حول احداث السنة عن طریق النجوم، لیس بمعنی استقلالية النجوم في التأثير على أحداث العالم، لإن هذا الاعتقاد باطل ومحرم حسب روايات الفقهاء وآراءهم.
- ما يقوله المنجم عن أسماء السنة، انما يقوم على الظن أو التجارب الشخصیة لذلک لا اعتبار به ولا أساس علمي له. وعلی فرض قبول ذلک، فانه ليس من نوع السبب والمسبب؛ ای، أن اطلاق اسم الثعبان علی السنة لا یستلزم جودة اوضاع المناجم فی تلک السنة.
[1]. العلامه الحلّی، الحسن بن یوسف، منتهی المطلب فی تحقیق المذهب، ج 15، ص 390، مشهد، مجمع البحوث الإسلامیة، الطبعة الاولی، 1412ق؛ الحسینی العاملی، سید جواد، مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلاّمة، ج 12، ص 242، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الاولی، 1419ق؛ الشیخ الانصاری، مرتضی، کتاب المکاسب، ج 1، ص 201، قم، المؤتنر العالمی لاحیاء ذکری الشیخ الانصاری، الطبعة الاولی، 1415ق.
[2]. منتهى المطلب فی تحقيق المذهب، ج 15، ص 390؛ الکرکی(المحقق الثانی)، علی بن الحسین، جامع المقاصد فی شرح القواعد، ج 4، ص 31، قم، مؤسسه آل البیت(ع)، الطبعة الثانیة، 1414ق.
[3]. الواله القزوينى الاصفهانى، محمد يوسف، ايران در زمان شاه صفى و شاه عباس دوم، ص 665، طهران، مجمع الآثار الثقافیة، الطبعة الثانیة، 1382ش.
[4]. المستوفى، محمد محسن، زبدة التواريخ، ص 200، طهران، مؤسسة موقوفات دكتر محمود الافشار، الطبعة الاولی، 1375ش.
[5]. العلامه الحلّی، الحسن بن یوسف، تحریر الاحکام الشرعیة علی مذهب الإمامیة، ج 2، ص 261، قم، مؤسسه امام صادق(ع)، الطبعة الاولی، 1420ق؛ ینقل الشیخ الانصاری(ره) بان السید المرتضی وابوالفتوح الکراجکی کانا علی هذا الرأی؛ کتاب المکاسب، ج 1، ص 201.
[6]. کتاب المکاسب، ج 1، ص 203.
[7]. نفس المصدر، ص 203- 204.
[8]. نفس المصدر، ص 204.
[9]. السید المرتضی، علی بن حسین، رسائل الشریف المرتضی، ج 2، ص 310 – 311، قم، دار القرآن الکریم، الطبعة الاولی، 1405ق؛ منتهى المطلب في تحقيق المذهب، ج 15، ص 390؛ العاملی(الشهید الاول)، محمد بن مکی، القواعد و الفوائد، ج 2، ص 35، قم، مکتبة المفید، الطبعة الاولی، بدون تاریخ؛ جامع المقاصد في شرح القواعد، ج 4، ص 32؛ المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 56، ص 300، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، الطبعة الثانیة، 1403ق.
[10]. المحقق الحلّی، نجم الدین جعفر بن الحسن، المعتبر فی شرح المختصر، ج 2، ص 688، قم، مؤسسه سید الشهداء(ع)، الطبعة الاولی، 1407ق؛ ابن فهد الحلّی، جمال الدین احمد بن محمد، المهذب البارع فی شرح المختصر النافع، ج 2، ص 58، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الاولی، 1407ق؛ ابن ابی جمهور الاحسایی، محمد بن علی، عوالی اللئالی العزیزیة، ج 3، ص 140، قم، دار سید الشهداء للنشر، الطبعة الاولی، 1405ق.
[11]. الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 2، ص 267، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الثانیة، 1413ق.
[12]. کتاب المکاسب، ج 1، ص 207؛ الموسوی القزوینی، سید علی، ینابیع الأحکام فی معرفة الحلال و الحرام، ج 2، ص 338 – 339، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الاولی، 1424ق.
[13]. الشیخ حرّ الاملی، وسائل الشیعة، ج 11، ص 370 – 374، قم، مؤسسه آل البیت(ع)، الطبعة الاولی، 1409ق.
[14]. کتاب المکاسب، ج 1، ص 208.
[15]. نفس المصدر، ص 212 – 215.
[16]. نفس المصدر، ص 221 – 222.
[17]. الشیخ البهایی، محمد بن حسین، الحديقة الهلالية، ص 139، قم، مؤسسه آل البیت(ع)، 1410ق.
[18]. کتاب المکاسب، ج 1، ص 222 - 223.
[19]. الحديقة الهلالية، ص 141.
[20]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 8، ص 195، طهران، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[21]. کتاب المکاسب، ج 1، ص 232.