Please Wait
8712
على أساس نظریة القدماء، الأفلاک هی تلک الأجسام الأثیریة التی تنطوی على طباق تسع، و سمیت سبعة کواکب منها بأسماء الکواکب السبعة و سموا الفلک الثامن بفلک البروج أو الثوابت، و الفلک التاسع بفلک الأطلس أو محدد الجهات، و هو أقصى حد فی عالم الأجسام بکلی نوعیها العنصریة و الأثیریة.
على ما صرحت به الآیات القرآنیة، إن جمیع الکواکب و الأجرام السماویة و المجرات إنما هی زینة السماء الدنیا (السماء الأول) و نحن عاجزون حتى عن درک هذا السماء فی حین أن السماء ینطوی على سبع طبقات و مراتب و کل السموات العلیا خارجة عن حدود السماء الأولى.
علم الأفلاک فی الحکمة القدیمة
على أساس نظریات الحکماء السابقین إن عالم الخلق ینطوی على ثلاث مراتب: عالم العقول (المجردات)، عالم النفوس (حد الواسط بین المادة و المجرد) و عالم الأجسام أو عالم المادة. و نفس عالم الأجسام أیضا ینقسم إلى قسمی الأجسام العنصریة و الأجسام الأثیریة. الأجسام الظاهریة هی هذه المادة الظاهریة و الدنیویة التی تتکون من العناصر المادیة و تتغیر و تتحول دوما. أما الأجسام الأثیریة لها صورة ثابتة و خلقت من مادة لطیفة.[1] و نقصد من الأفلاک فی بحثنا هذه الأجسام الأثیریة.[2]
ثم على أساس النظریة الکونیة فی الحکمة القدیمة، إن العنصریات (المادة العنصریة) منفعلة و تحت تأثیر الأثیریات (الأجسام الأثیریة).
وکذلک الأفلاک أو العوالم الأثیریة تتکون من مراتب و لها إحاطة بالعناصر الأربعة. الفلک الأول المحیط بعالم العناصر أو الفلک الأول أو فلک القمر، إذ أن هذا الفلک قد احتضن کوکب القمر. (و لهذا قد یقال للعالم العنصری، عالم تحت فلک القمر). الفلک الثانی هو فلک العطارد و یقع بعد الفلک الأول بشکل محدب و هو محیط بفلک القمر و کذلک عالم العناصر المادیة. و کذلک باقی الأفلاک الذین سمو بأسماء الکواکب مترتبون واحدا تلو الآخر و کل واحد یحاط بالآخر و هم عبارة عن فلک الزهرة و فلک الشمس و فلک المریخ و فلک المشتری و فلک الزحل. و بعد هذه الأفلاک السبعة هناک فلک الثامن أو فلک الثوابت و هو بنفسه ینقسم إلى البروج الأثنی عشر.[3] و یعتقد القدماء بأنه تترکب آثار هذه البروج الأثنی عشر مع کل من الأفلاک السافلة و تؤثر معا فی تدبیر مختلف أشیاء العالم المادی.[4]
والفلک الأخیر الذی هو محیط بجمیع الأفلاک و یعتبر الحد الأقصى فی عالم المادة بکلی نوعیها العنصریة و الأثیریة یسمى الفلک الأقصى أو فلک الأطلس أو محدد الجهات.
بهذه النظرة یتکون العالم الجسمانی أعم من العنصریات و الأثیریات من تسعة أفلاک متداخلات حیث یحیط الفلک الأعلى بجمیع العوالم السفلى و یعتبر مدبرا لهم.[5]
کما اعتبروا فی الحکمة القدیمة لکل فلک مجموعة من الخصائص و المعالم التی تنسجم معه.[6] و اتجهت بعض العلوم الغریبة لکشف روحانیة الأفلاک و معرفة خصائص کل فلک و کیفیة تأثیره على عالم المادة.[7]
بالنسبة إلى صحة هذه العلوم و سقمها و حقانیتها و بطلانها و التحقیق فی الأصول العلمیة التی کان یعتمدها القدماء و أضرار التعلق بعلم أحکام النجوم فهناک أبحاث مهمة تقتضی دراستها إلى مجال أوسع. و لکن نشیر إجمالا إلى أنه طبقا لروایات أهل البیت (ع) ما یملکه المدعون لهذه العلوم إنما هو قسم ناقص و مملوء بالأخطاء[8] مضافا إلى أن الابتلاء و التعلق بعلم النجوم الکهانة مذموم جدا لما یؤدیه من انحرافات و أضرار مختلفة.[9]
السماوات السبع فی القرآن
إن السماء و شأنها الکبیر فی نظام خلقة الوجود تعد من أهم المفاهیم القرآنیة. فإن تأملنا فی آیات القرآن التی تحدثت عن السماء نجد خصائص ممیزة، من قبیل أن الخیرات و البرکات تنزل من السماء و تفتح أبواب السماء لبعض الناس و فی السماء ما وعدتم من خیرات.[10] و قد حذر الله فی بعض الآیات و قال: "أاَمنتم من فی السماء…"[11]
مجموعة هذه الآیات مضافا إلى الروایات الکثیرة التی وردت حول السماء تدل على أن السماء فوق مستوى علم الإنسان المحدود.
على ما صرحت به الآیات القرآنیة، إن جمیع الکواکب و الأجرام السماویة و المجرات إنما هی زینة السماء الدنیا (السماء الأول) [12] و نحن عاجزون حتى عن درک هذا السماء فی حین أن السماء ینطوی على سبع طبقات و مراتب و کل السموات العلیا و ما تنطوی علیه خارجة عن حدود و نطاق السماء الأولى.
باعتبار ما جاء فی الآیات و الروایات بأن السماء موطن الملائکة و أنهم یهبطون من السماء و یحملون أمر الله إلى الأرض و أن للسماء أبوابا لا تفتّح للکفار و غیر ذلک من الحقائق و ما نعلمه من جانب آخر من أن الملائکة خلقوا من النور، إذن یبدو أنه لیس لخلق السماء و أهلها أی شبه و علاقة بالنظام الموجود فی الأرض.[13]
إذن یمکن أن نقول بأن السماء قد أحاطت بعالم الوجود و هی لیست بواحدة بل إنها سبع سماوات و أقرب سماء هی سماء الدنیا التی أمام أعیننا و التی قد ازدانت بالکرات و المجرات.
یمکن أن نشبه عالم الوجود بجوزة ذات سبعة قشور و ما بین کل قشرین عالم آخر و عالمنا الذی نعیش فیه أو عالم الأرض بمثابة لب الجوز و هو أثقل العوالم و أکثفها مادة و قد أحیط بسبعة عوالم طباقا. إذن، تقع الأرض و المنظومة الشمسیة و جمیع النجوم و المجرات فی لب هذا العالم الذی عبر عنه القرآن بعالم الأرض و المقصود به هو عالم المادة. و العوالم الستة الأخرى تقع فی الطبقات الفوقانیة و تسمى فی ثقافتنا الإسلامیة بالملکوت و الجبروت و اللاهوت و غیرها.[14]
یقول القرآن الکریم: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فی یَوْمَیْنِ و أَوْحى فی کُلِّ سَماءٍ أَمْرَها و زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابیحَ و حِفْظاً ذلِکَ تَقْدیرُ الْعَزیزِ الْعَلیم»[15]
مع ذلک أراد بعض القدماء أن یفسر السماوات السبع المذکورة فی القرآن بالأفلاک السبع فی الهیئة القدیمة (الهیئة البطلمیوسیة) و لکن لا تطابق بین هذا التفسیر و بین ما ذکره القرآن، إذ عندما ذکر القرآن السماوات السبع جعل کل النجوم و الکواکب فی السماء الأولى (السماء الدنیا) و حسب.
ومن جانب آخر، إن الرؤیة العرفانیة القائلة بالأفلاک التسعة التی اعتبروها عوالم أثیریة، تقارب من بعض الجهات المراتب العلیا التی ذکرها القرآن للسماوات السبع خلافا للنظرة المادیة المتمثلة بنظریة الکواکب السبعة.
بالنسبة إلى الجمع بین نظریة القدماء فی الأفلاک و تطبیقها على السماوات السبع فی القرآن یبدو أن فی جمیع الأدوار کانت هناک محاولات قاصدة أم غیر قاصدة لتطبیق الحقائق القرآنیة على مستوى علم ذلک العصر، و قد أدت هذه المحاولات إلى بعض التفاسیر المادیة. و لهذا حاول بعض القدماء أن یفسروا السماوات السبعة على أساس الهیئة القدیمة و لکن هذا ما یعارض ظاهر القرآن. إذن باعتبار بعض الإبهام و الغموض الموجود فی کشف حقائق السماء و الأکوان فلا یمکن أن نفسر هذه الحقیقة القرآنیة من خلال اکتشافات العلوم المختلفة.
ومن جانب آخر اتخذ بعض العرفاء منحى مستقلا عن لسان الهیئة القدیمة و فسروا السماوات السبعة بالعوالم الروحیة. من قبیل ابن العربی الذی فسر السماوات السبعة بما یلی:
سبع سموات إشارة إلى مراتب عالم الروحانیات، فالأول: هو عالم الملکوت الأرضیة و القوى النفسانیة و الجنّ. و الثانی: عالم النفس. و الثالث: عالم القلب. و الرابع: عالم العقل. و الخامس: عالم السرّ. و السادس: عالم الروح. و السابع: عالم الخفاء الذی هو السرّ الروحیّ غیر السرّ القلبیّ. و إلى هذا أشار أمیر المؤمنین (ع) بقوله: «سلونی عن طرق السماء، فإنی أعلم بها من طرق الأرض».[16]
وإذا أردت أن تطالع أکثر فی هذا المجال راجع سؤال 1756 (الموقع: 1851).
[1] سید محمد خالد غفاری، فرهنگ اصطلاحات آثار شیخ اشراق، ص59، انجمن آثار و مفاخر فرهنگی.
[2] فی الواقع الأثیر عنصر خامس غیر العناصر الأربعة و الذی یکون جرم الأفلاک و لا یعتریه کون و فساد و خرق و التیام. المصدر نفسه ص 60.
[3] الآملی، السید حیدر، تفسیر المحیط الاعظم و البحر الخضم، ج2، ص211. سازمان چاپ و انتشارات اسلامی.
4] المصدر نفسه، ج3، ص 545.
[5] سید جعفر سجادی، فرهنگ معارف اسلامی، ج1، ص 257، انتشارات دانشگاه تهران.
[6] إذا أردت البحث الأکثر فی هذا الموضوع راجع کتاب(أحکام النجوم، تألیف أبو ریحان محمد بن أحمد البیرونی ، طبعة مجلس).
[7] الهیمیاء فرع من العلوم الخفیة الذی یبحث عن تأثیر الطاقات الفلکیة على العناصر و الأشیاء المحاطة بالفلک. (دهخدا).
[8] «إِنَّ النَّاسَ یَقُولُونَ إِنَّ النُّجُومَ لَا یَحِلُّ النَّظَرُ فِیهَا و هِیَ تُعْجِبُنِی فَإِنْ کَانَتْ تُضِرُّ بِدِینِی فَلَا حَاجَةَ لِی فِی شَیْءٍ یُضِرُّ بِدِینِی و إِنْ کَانَتْ لَا تُضِرُّ بِدِینِی فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَأَشْتَهِیهَا و أَشْتَهِی النَّظَرَ فِیهَا فَقَالَ لَیْسَ کَمَا یَقُولُونَ لَا تُضِرُّ بِدِینِکَ ثُمَّ قَالَ إِنَّکُمْ تَنْظُرُونَ فِی شَیْءٍ مِنْهَا کَثِیرُهُ لَا یُدْرَکُ و قَلِیلُهُ لَا یُنْتَفَعُ بِهِ الْحَدِیثَ» و سائل الشیعة، ج17،ص141.
[9] « َّاعَةِ الَّتِی نَالَ فِیهَا النَّفْعَ و أَمِنَ الضُّرَّ ثُمَّ أَقْبَلَ ع عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِیَّاکُمْ و تَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا یُهْتَدَى بِهِ فِی بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْکِهَانَةِ و الْکَاهِنُ کَالسَّاحِرِ و السَّاحِرُ کَالْکَافِرِ و الْکَافِرُ فِی النَّارِ سِیرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ» و سائل الشیعه، ج11، ص373. و قد و ردت فی کتبنا الروائیة روایات کثیرة حول علم النجوم و الکهانة و غیرها و یمکن استنباط موقف أهل البیت تجاه هذه العلوم.
[10] «وَ فِی السَّماءِ رِزْقُکُمْ و ما تُوعَدُون» الذاریات، 22.
[11] الملک، 16. و نعلم أنّ لیس لله مکان فلم یکن فی السماء. و یقول العلامة الطباطبائی إن المقصود من "من فی السماء" هم الملائکة الموکلون على السماء و أحداث العالم. ترجمه المیزان،ج19،ص 358.
[12] «إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِزینَةٍ الْکَواکِب»الصافات 6 و «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فی یَوْمَیْنِ و أَوْحى فی کُلِّ سَماءٍ أَمْرَها و زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابیحَ و حِفْظاً ذلِکَ تَقْدیرُ الْعَزیزِ الْعَلیم» فصلت 12
[13] المیزان
[14] . راجع: علی اکبر خانجانی، خداشناسی طبیعی، ص59، من موسوعة دائره المعارف اسلامی ، إعداد حجة الإسلام رسول ملکیان اصفهانی، مهر 1387.
[15] فصلت، 12
[16] ابن عربی، تفسیر ابن عربی، ج1، ص: 25، دار إحیاء التراث العربی، بیروت 1422.