بحث متقدم
الزيارة
11411
محدثة عن: 2009/12/10
خلاصة السؤال
ما هو معنى الحدیث القائل: «إن المغتاب إذا تاب فهو آخر من یدخل الجنة و إن لم یتب فهو أول من یدخل النار»؟
السؤال
یوجد لدینا حدیث یقول أن المغتاب إذا تاب من الغیبة فإنه آخر من یدخل الجنة، و إذا لم یتب فهو أول من یدخل النار، فهل یوجد حدیث آخر یقول مثلاً أن صاحب العمل الفلانی أول من یدخل الجنة، و إذا کان الشخص المغتاب من أصحاب مثل هذا العمل أو الصفة التی یکون فیها مصداقاً لأول من یدخل الجنة، فما هی نتیجة عمله، و کیف یحاسبه الله؟
الجواب الإجمالي

کما أن أعمال الإنسان الصالحة لها درجات متفاوتة من القیمة و الثواب، کذلک أعماله السیئة و ذنوبه لیست هی على درجة واحدة، و الحدیث الذی ذکرتم یبین خطر الغیبة التی تعد من کبائر الذنوب و شدة فسادها، لأن الغیبة تمس أغلى ما عند الناس و هو ماء الوجه، و لذلک ذمها الإسلام و عبر عنها بلهجة شدیدة و عبارات قویة، حتى یلتفت المجتمع إلى أضرارها و آثارها السیئة، و کذلک لیمتنع من ارتکاب مثل هذا الذنب.

و ما ترمی إلیه الروایة المتقدمة هو أن للغیبة أثرٌا سیئٌا إلى درجة أنه حتى لو أن صاحبها أعلن توبته منها مع هذا لاتمحی لأن آثارها لا تمحى بسهولة، و حتى لو أن هذا الشخص أتى بالأعمال الصالحة و الحسنات فإن ما ارتکبه من الغیبة قد یسبب له مشاکل و عقبات فیما إذا سیق إلى الجنة.

و أما فیما یخص الحدیث أو القول الذی یدل على أن العامل للعمل الفلانی أول من یدخل الجنة، فذلک حینما لا یأتی بالأعمال السیئة التی تؤثر على مصیره فی الآخرة، لأن أعمال الإنسان الحسنة و السیئة یؤثر بعضها فی البعض الآخر و ما جاء فی هذه الروایات یدل على تأثیر أعمال الإنسان السیئة على أعماله الحسنة.

الجواب التفصيلي

کما أن أعمال الإنسان الصالحة لها مراتب و درجات مختلفة کذلک أعماله السیئة، لیست على مستوى واحد. فبعض الذنوب لیست لها أهمیة فی نظر الناس و ارتکابها یسهل علیهم، فی حین أنها ممقوتة من قبل الله تعالى، و لا یمکن التغاضی عنها. و من هذه الذنوب غیبة المؤمنین، کان الرسول الأکرم(ص) یقول لأصحابه: «أتدرون ما الغیبة؟ فقالوا: الله و رسوله أعلم. قال: ذکرک أخاک بما یکره»[1].

إن الإسلام یبغض هذا العمل «و هو الکلام فی غیاب الآخرین» و قد بالغ فی ذمه و تقبیحه، کما جاء فی القرآن الکریم: «وَ لَا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضًا أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتًا فَکَرِهْتُمُوهُ»[2]، و یقول الرسول الأکرم(ص): «من مشى فی غیبة أخیه و کشف عورته کانت أول خطوة خطاها وضعها فی جهنم و کشف الله عورته على رؤوس الخلائق»[3]، و یقول الإمام الصادق(ع): «أوحى الله إلى موسى بن عمران: إن المغتاب إذا تاب فهو آخر من یدخل الجنة و إن لم یتب فهو أول من یدخل النار»[4].

و أما معنى الروایة التی ذکرتم فهو أن الغیبة ذنبٌ قبیح و شدید إلى حد أن فاعله، حتى لو جاء بالأعمال الصالحة بعد التوبة فإن آثار الغیبة لا تمحى بسهولة من صحیفة أعماله، و حتى لو أن توبته و أعماله الصالحة توجب له دخول الجنة إلا أن ما کان یقترفه من الغیبة یشکل عقبات و موانع تجعل منه آخر من یدخل الجنة. و إذا لم یتب عن الغیبة فلا تشفع له أعماله الصالحة فیکون أول شخصٍ یدخل النار.

و على الرغم من أن التوبة دلیل على الرحمة و اللطف الإلهی، کما ورد فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: «إن الله یحب التوابین»[5]، و لکن قبولها مقرون و منوط بعدد من الشروط، و منها أن تمحى آثار الذنوب السابقة، و إن محو بعض الذنوب المتعلقة بحقوق الناس ــ و منها التوبة ــ یتوقف على أصحاب الحقوق التی هدرت و ضیعت و استخف بها، و هو أمرٌ غایة فی الصعوبة و الإشکال، فاستحقاق الجنة لا یترتب على محض التوبة وحدها، لأن الله کما صرح فی القرآن یعفو عن حقه بسهولة، و أنه یبدل سیئات التائبین إلى حسنات[6]. إن التائب الذی یدخل الجنة هو صاحب الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى، و لکن الأمر مختلف بالنسبة إلى حقوق الناس.

و إن صاحب الغیبة إذا تاب و غفرت ذنوبه الکبیرة التی اقترفها، فعلیه أن یأتی بالأعمال الصالحة حتى یستحق دخول الجنة.

و علیه فإن المغتاب إذا تاب لربه، و قد عفى عنه صاحب الحق الذی کان یغتابه فإن ذنوبه الکبیرة سوف تمحى، کما أنه ینجو من العذاب الإلهی، و لدینا روایات کثیرة فی هذا الموضوع، مؤداها أن الشخص إذا أتى بالعمل الفلانی فإن جزاءه الجنة، أو أنه أول من یدخل الجنة، و لکن هذا یتحقق عندما لا یکون لهذا الشخص ذنبٌ آخر، لأن القرآن یقول بهذا الخصوص: «إن الحسنات یذهبن السیئات»[7]، أی أن ما یأتی به الإنسان من حسنات یکون أثرها الأول محو آثار السیئات و الذنوب التی تتعلق بحقوق الناس، و بعد ذلک توجب الارتقاء و التسامی بالإنسان. و من جهة أخرى یفهم من آیات القرآن الکریم أن بعض الذنوب و الأعمال تتسبب فی «الحبط» أی ذهاب الأعمال الحسنة، کالارتداد، و الکفر بآیات الله و الإصرار علیها و عداوة رسول الله(ص)، و رفع الصوت بحضوره و بعض الذنوب الأخرى أیضا تنقل حسنات أصحابها إلى أناسٍ آخرین. کالقتل و الغیبة و البهتان و... و على أی حال فإن أعمال الإنسان الحسنة و السیئة تؤثر بعضها على البعض الآخر[8]. و ما ورد فی الروایات المذکورة تشیر إلى تأثیر أعمال الإنسان السیئة على أعماله الحسنة.



[1]شبر، السید عبد الله، الأخلاق، ترجمة جباران، محمد رضا، ص 234، مؤسسة انتشارات الهجرة، مطبعة سرور، الطبعة الثانیة عشرة، 1386 ش.

2]الحجرات، 12.

3]شبر، السید عبد الله، الأخلاق، ترجمة جباران، محمد رضا، ص 234.

[4]المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 75، ص 222، مؤسسة الوفاء بیروت؛ الدیلمی، حسن بن أبی الحسن محمد، إرشاد القلوب، صححه ووضع حواشیه، العلامة الشعرانی، ترجمة السلگی، علی، ج1، ص 302؛ النراقی، محمد مهدی، جامع السعادات، ج2، ص 303، مؤسسة مطبوعات إسماعیلیان، الطبعة الثالثة، قم.

[5]البقرة، 222.

[6]الفرقان، 70، «إِلَّا مَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ کَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِیمًا».

[7]هود، 11.

[8]للاطلاع الأکثر: انظر: المیزان، ج2، ص 172 ـ 174.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...