Please Wait
11352
کما أن أعمال الإنسان الصالحة لها درجات متفاوتة من القیمة و الثواب، کذلک أعماله السیئة و ذنوبه لیست هی على درجة واحدة، و الحدیث الذی ذکرتم یبین خطر الغیبة التی تعد من کبائر الذنوب و شدة فسادها، لأن الغیبة تمس أغلى ما عند الناس و هو ماء الوجه، و لذلک ذمها الإسلام و عبر عنها بلهجة شدیدة و عبارات قویة، حتى یلتفت المجتمع إلى أضرارها و آثارها السیئة، و کذلک لیمتنع من ارتکاب مثل هذا الذنب.
و ما ترمی إلیه الروایة المتقدمة هو أن للغیبة أثرٌا سیئٌا إلى درجة أنه حتى لو أن صاحبها أعلن توبته منها مع هذا لاتمحی لأن آثارها لا تمحى بسهولة، و حتى لو أن هذا الشخص أتى بالأعمال الصالحة و الحسنات فإن ما ارتکبه من الغیبة قد یسبب له مشاکل و عقبات فیما إذا سیق إلى الجنة.
و أما فیما یخص الحدیث أو القول الذی یدل على أن العامل للعمل الفلانی أول من یدخل الجنة، فذلک حینما لا یأتی بالأعمال السیئة التی تؤثر على مصیره فی الآخرة، لأن أعمال الإنسان الحسنة و السیئة یؤثر بعضها فی البعض الآخر و ما جاء فی هذه الروایات یدل على تأثیر أعمال الإنسان السیئة على أعماله الحسنة.
کما أن أعمال الإنسان الصالحة لها مراتب و درجات مختلفة کذلک أعماله السیئة، لیست على مستوى واحد. فبعض الذنوب لیست لها أهمیة فی نظر الناس و ارتکابها یسهل علیهم، فی حین أنها ممقوتة من قبل الله تعالى، و لا یمکن التغاضی عنها. و من هذه الذنوب غیبة المؤمنین، کان الرسول الأکرم(ص) یقول لأصحابه: «أتدرون ما الغیبة؟ فقالوا: الله و رسوله أعلم. قال: ذکرک أخاک بما یکره»[1].
إن الإسلام یبغض هذا العمل «و هو الکلام فی غیاب الآخرین» و قد بالغ فی ذمه و تقبیحه، کما جاء فی القرآن الکریم: «وَ لَا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضًا أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتًا فَکَرِهْتُمُوهُ»[2]، و یقول الرسول الأکرم(ص): «من مشى فی غیبة أخیه و کشف عورته کانت أول خطوة خطاها وضعها فی جهنم و کشف الله عورته على رؤوس الخلائق»[3]، و یقول الإمام الصادق(ع): «أوحى الله إلى موسى بن عمران: إن المغتاب إذا تاب فهو آخر من یدخل الجنة و إن لم یتب فهو أول من یدخل النار»[4].
و أما معنى الروایة التی ذکرتم فهو أن الغیبة ذنبٌ قبیح و شدید إلى حد أن فاعله، حتى لو جاء بالأعمال الصالحة بعد التوبة فإن آثار الغیبة لا تمحى بسهولة من صحیفة أعماله، و حتى لو أن توبته و أعماله الصالحة توجب له دخول الجنة إلا أن ما کان یقترفه من الغیبة یشکل عقبات و موانع تجعل منه آخر من یدخل الجنة. و إذا لم یتب عن الغیبة فلا تشفع له أعماله الصالحة فیکون أول شخصٍ یدخل النار.
و على الرغم من أن التوبة دلیل على الرحمة و اللطف الإلهی، کما ورد فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: «إن الله یحب التوابین»[5]، و لکن قبولها مقرون و منوط بعدد من الشروط، و منها أن تمحى آثار الذنوب السابقة، و إن محو بعض الذنوب المتعلقة بحقوق الناس ــ و منها التوبة ــ یتوقف على أصحاب الحقوق التی هدرت و ضیعت و استخف بها، و هو أمرٌ غایة فی الصعوبة و الإشکال، فاستحقاق الجنة لا یترتب على محض التوبة وحدها، لأن الله کما صرح فی القرآن یعفو عن حقه بسهولة، و أنه یبدل سیئات التائبین إلى حسنات[6]. إن التائب الذی یدخل الجنة هو صاحب الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى، و لکن الأمر مختلف بالنسبة إلى حقوق الناس.
و إن صاحب الغیبة إذا تاب و غفرت ذنوبه الکبیرة التی اقترفها، فعلیه أن یأتی بالأعمال الصالحة حتى یستحق دخول الجنة.
و علیه فإن المغتاب إذا تاب لربه، و قد عفى عنه صاحب الحق الذی کان یغتابه فإن ذنوبه الکبیرة سوف تمحى، کما أنه ینجو من العذاب الإلهی، و لدینا روایات کثیرة فی هذا الموضوع، مؤداها أن الشخص إذا أتى بالعمل الفلانی فإن جزاءه الجنة، أو أنه أول من یدخل الجنة، و لکن هذا یتحقق عندما لا یکون لهذا الشخص ذنبٌ آخر، لأن القرآن یقول بهذا الخصوص: «إن الحسنات یذهبن السیئات»[7]، أی أن ما یأتی به الإنسان من حسنات یکون أثرها الأول محو آثار السیئات و الذنوب التی تتعلق بحقوق الناس، و بعد ذلک توجب الارتقاء و التسامی بالإنسان. و من جهة أخرى یفهم من آیات القرآن الکریم أن بعض الذنوب و الأعمال تتسبب فی «الحبط» أی ذهاب الأعمال الحسنة، کالارتداد، و الکفر بآیات الله و الإصرار علیها و عداوة رسول الله(ص)، و رفع الصوت بحضوره و بعض الذنوب الأخرى أیضا تنقل حسنات أصحابها إلى أناسٍ آخرین. کالقتل و الغیبة و البهتان و... و على أی حال فإن أعمال الإنسان الحسنة و السیئة تؤثر بعضها على البعض الآخر[8]. و ما ورد فی الروایات المذکورة تشیر إلى تأثیر أعمال الإنسان السیئة على أعماله الحسنة.
[1]شبر، السید عبد الله، الأخلاق، ترجمة جباران، محمد رضا، ص 234، مؤسسة انتشارات الهجرة، مطبعة سرور، الطبعة الثانیة عشرة، 1386 ش.
2]الحجرات، 12.
3]شبر، السید عبد الله، الأخلاق، ترجمة جباران، محمد رضا، ص 234.
[4]المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 75، ص 222، مؤسسة الوفاء بیروت؛ الدیلمی، حسن بن أبی الحسن محمد، إرشاد القلوب، صححه ووضع حواشیه، العلامة الشعرانی، ترجمة السلگی، علی، ج1، ص 302؛ النراقی، محمد مهدی، جامع السعادات، ج2، ص 303، مؤسسة مطبوعات إسماعیلیان، الطبعة الثالثة، قم.
[5]البقرة، 222.
[6]الفرقان، 70، «إِلَّا مَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ کَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِیمًا».
[7]هود، 11.
[8]للاطلاع الأکثر: انظر: المیزان، ج2، ص 172 ـ 174.