Please Wait
6715
عندما نرجع الى المصادر التاریخیة التی تعرضت لشهادة علی الاکبر (ع) نراها تنقسم الى ثلاثة طوائف: طائفة لم تتعرض لطلب الماء اصلا فضلاً عن مص اللسان، و طائفة ثانیة: تعرضت لذکر قضیة طلب الماء الا انها لم تذکر قضیة مص اللسان و اکتفت بان الامام الحسین (ع) قال له: سیسقیک جدک. و طائفة ثالثة: تعرضت لذکر القصة مع طلب الماء و ذکرت مص اللسان. و قد اتضح لنا من خلال مراجعة المصادر أن الغالبیة العظمى من الباحثین و المؤرخین لم یذکروا المقطع الاخیر من القصة و قد ذکرناه مفصلا فی الجواب التفصیلی.
و بالنسبة للاخوة الخطباء الذین یذکرون القصة لا یمکن ادراجهم ضمن قائمة الکاذبین او الوضاعین و انما اعتمدوا على روایة وجدت فی بعض المصادر و قد یکون لهم عذرهم فی هذا النقل. لکن بالنسبة لنا نرى من الافضل فی نقل القضایا التاریخیة ان یکون الباحث اکثر تحریا و بحثا فی هذا المجال و یعتمد الروایات التی لا غرابة فیها خاصة اذا کانت منقول فی المصادر المعتبرة الکبیرة لدى الفریقین الشیعة و السنة على السواء.
اما بالنسبة الى الحکمة من ذلک العمل فعلى الاخذ بالطائفتین الاولى و الثانیة لایبقى مجال للبحث فیها لانتفاء اصل القصة، و اما على الاخذ بالطائفة الثالثة فلعله لاثارة العاطفة او ما شابه ذلک و الله العالم.
و اما هل ورد لهذه القصة ما یشابهها فی الحوادث التاریخیة حسب مطالعاتنا الناقصة لم نعثر على مثل هذه القصة فی حادثة اخرى، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان ثورة الامام الحسین (ع) لها خصوصیتها الممیزة من بین الثورات فمن البعید ان تتکرر مثل هذه القضیة فی معرکة اخرى.
یمکن تصنیف الروایات و النقول التأریخیة التی تعرضت لخصوص ما ورد فی قصة شهادة علی الاکبر (ع) و حدیثه مع والده و طلب الماء منه )ع(و مص لسانه، الى ثلاثة أصناف:
الطائفة الاولى: التی لم تتعرض لطلب الماء اصلا فضلاً عن مص اللسان.
الطائفة الثانیة: تعرضت لذکر قضیة طلب الماء الا انها لم تذکر قضیة مص اللسان او ما شابه ذلک و إنما اکتفت بان الامام الحسین (ع) قال له: سیسقیک جدک.
الطائفة الثالثة: تعرضت لذکر القصة مع طلب الماء و ذکر ما بقی من القصة.
اما الطائفة الاولى: فیندرج فیها المصادر التاریخیة المهمة من الطرفین الشیعة و السنّة، نشیر الیهم هنا:
فمن علماء السنّة نقله کل من:
1. الطبری فی تاریخه:
قال أبو مخنف: حدثنی زهیر بن عبد الرحمن بن زهیر الخثعمی، قال: کان آخر من بقی مع الحسین من أصحابه سوید بن عمرو بن أبی المطاع الخثعمی، قال: وکان أول قتیل من بنی أبی طالب یومئذ علیٌّ الأکبر بن الحسین بن علی، و أمه لیلى ابنة أبی مرة بن عروة بن مسعود الثقفی، و ذلک أنه أخذ یشد على الناس و هو یقول:
أنا علی بن حسین بن علی ... نحن و رب البیت أولى بالنبی
تالله لا یحکم فینا ابن الدعی
قال: ففعل ذلک مراراً، فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدی ثم اللیثی، فقال: علی آثام العرب.[1]
2. ابن الأثیر:
و کان آخر من بقی من أصحاب الحسین سوید بن أبی المطاع الخثعمی، و کان أول من قتل من آل بنی أبی طالب یومئذٍ علی الأکبر ابن الحسین.....فعل ذلک مراراً، فحمل علیه مرة بن منقذ العبدی فطعنه فصرع و قطعه الناس بسیوفهم.[2]
3. الدینوری: فکان أول من تقدم منهم، فقاتل علی بن الحسین، و هو علی الأکبر، فلم یزل یقاتل حتى قتل، طعنه مرة بن منقذ العبدی، فصرعه، و أخذته السیوف فقتل.[3]
4.ابن کثیر:
و کان أول قتیل قتل من أهل الحسین على الأکبر بن الحسین ... طعنه مرة بن منقذ بن النعمان العبدی فقتله...فلما طعنه مرة احتوشته الرجال فقطعوه بأسیافهم فقال الحسین قتل الله قوما قتلوک.[4]
و اما علماء الشیعة فمنهم:
5. الشیخ المفید:
حیث قال: و لم یزل یتقدم رجل رجل من أصحابه (الحسین) فیقتل حتى لم یبق مع الحسین (ع) إلا أهل بیته خاصة فتقدم ابنه علی بن الحسین (ع) و کان من أصبح الناس وجها و له یومئذ بضع عشرة سنة فشد على الناس و هو یقول:
أنا علی بن الحسین بن علی.........
ففعل ذلک مرارا و أهل الکوفة یتقون قتله فبصر به مرة بن منقذ العبدی فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع و احتواه القوم فقطعوه بأسیافهم فجاء الحسین )ع( حتى وقف علیه فقال قتل الله قوما قتلوک یا بنی ما أجرأهم على الرحمن و على انتهاک حرمة الرسول و انهملت عیناه بالدموع ثم قال على الدنیا بعدک العفاء.[5]
6. الطبرسی:
حتى لم یبق مع الحسین )ع( إلا أهل بیته خاصة. فتقدم ابنه علی بن الحسین (ع) و کان من أجمل الناس و له یومئذ تسع عشرة سنة فشد على الناس ففعل ذلک مرارا فضربه مرة بن منقذ العبدی فطعنه و صرعه و احتوشه القوم فقطعوه بأسیافهم .[6]
هذه بعض نماذج الطائفة الاولى و انت لو تأملت فیها لم تر فیها ما یشیر الى ما جاء فی متن السؤال.
الطائفة الثانیة: تعرضت لذکر قضیة طلب الماء الا أنها لم تذکر قضیة مص اللسان أو ما شبه ذلک و انما اکتفت بان الامام الحسین (ع) قال له: سیسقیک جدک.
فقد نقل ذلک:
1. ابن شهر آشوب:
"ثم تقدم علی بن الحسین الأکبر، و هو ابن ثمانی عشرة سنة، و یقال : ابن خمس و عشرین، و کان یشبه برسول الله (ص) خَلقاً، و خُلقاً و نطقاً، و هو یرتجز .....
فقتل سبعین مبارزاً، ثم رجع إلى أبیه، و قد أصابته جراحات، فقال: یا أبه، العطش، فقال الحسین: یسقیک جدک فکر علیهم أیضاً.[7]
2. السید ابن طاوس:
ثم رجع إلى أبیه و قال: یا أبت العطش قد قتلنی و ثقل الحدید قد أجهدنی فهل إلی شربة من الماء سبیل فبکى الحسین (ع) و قال: وا غوثاه یا بنی قاتل قلیلا فما أسرع ما تلقى جدک محمدا ص فیسقیک بکأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا فرجع إلى موقف النزال و قاتل أعظم القتال فرماه منقذ بن مرة العبدی بسهم فصرعه.[8]
الطائفة الثالثة: التی تعرضت لذکر القصة مع طلب الماء و ذکر ما بقی من القصة التی جاءت فی متن السؤال، و قد ورد ذلک فی:
1. بحار الانوار: یا أبه العطش قد قتلنی، ثقل الحدید أجهدنی، فهل إلى شربة من ماء سبیل أتقوى بها على الاعداء؟ فبکى الحسین (ع) و قال: یا بنی یعز على محمد (ص) و على علی بن أبی طالب و علی أن تدعوهم فلا یجیبوک، و تستغیث بهم فلا یغیثوک، یا بنی هات لسانک، فأخذ [ب] لسانه فمصه و دفع إلیه خاتمه، و قال (ع): أمسکه فی فیک و ارجع إلى قتال عدوک فإنی أرجو أنک لا تمسی حتى یسقیک جدک بکأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.[9]
2. الشیخ عبد الله البحرانی فی العوالم: نقل نص العبارة تقریبا:... یا بنی هات لسانک، فأخذ [ب] لسانه فمصه ودفع إلیه خاتمه، وقال (ع): أمسکه فی فیک و ارجع إلى قتال عدوک فإنی أرجو أنک لا تمسی حتى یسقیک جدک بکأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.[10]
و بما ان الشیخ البحرانی تملیذ للعلامة المجلسی فمن المقطوع به أنه اعتمد على شیخه المجلسی فی هذه الروایة.[11] و یظهر أن من جاء من بعدهم من الکتاب قد نقلوا العبارة عن البحار نفسه.
اتضح من خلال ما مر أن الغالبیة العظمى من الباحثین و المؤرخین لم یذکروا المقطع الاخیر من القصة، و من هنا نرى الباحث الکبیر العلامة السید محسن الامین العاملی حینما ترجم لعلی الاکبر (ع) فی موسوعته المعروفة اعیان الشیعة، لم یتعرض هو الآخر لذکر هذا المقطع من القصة و اکتفى بالقول: فجعل یشد علیهم ثم یرجع الى ابیه فیقول: یا اباه العطش، فیقول له الحسین (ع) اصبر حبیبی فانک لا تمسی حتی یسقیک رسول الله بکأسه. ثم اکتفى العلامة الامین بنقل عبارة اللهوف التی ذکرناها و کذلک کلام الشیخ المفید الذی مر آنفاً.[12] و هذا یکشف عن عدم اعتماده على روایة البحار و العوالم التی هی روایة واحدة کما قلنا.
الخلاصة أن الاخوة من الخطباء الذین یذکرون قصة مص اللسان او وضع الخاتم فی الفم لا یمکن بحال من الاحوال ادراجهم ضمن قائمة الکاذبین نعوذ بالله او الوضاعین و انما اعتمدوا على الروایة التی نقلها صاحب البحار کما قلنا و قد یکون لهم عذرهم فی هذا النقل. لکن بالنسبة لنا نرى من الافضل فی نقل القضایا التاریخیة ان یکون الباحث اکثر تحریا و بحثا فی هذا المجال و یعتمد الروایات التی لا غرابة فیها خاصة اذا کانت منقول فی المصادر المعتبرة الکبیرة لدى الفریقین الشیعة و السنة على السواء.
اما بالنسبة الى الحکمة من ذلک العمل فعلى الاخذ بالطائفتین الاولى و الثانیة لایبقى مجال للبحث فیه لانتفاء اصل القصة، و اما على الاخذ بالطائفة الثالثة فلعله لاثارة العاطفة او ما شابه ذلک و الله العالم.
و اما هل ورد لهذه القصة ما یشابهها فی الحوادث التاریخیة حسب مطالعاتنا الناقصة لم نعثر على مثل هذه القصة فی حادثة اخرى، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان ثورة الامام الحسین (ع) لها خصوصیتها الممیزة من بین الثورات فمن البعید ان تتکرر مثل هذه القضیة فی معرکة أخرى.
[1] الطبری، أبو جعفر محمد بن جریر تاریخ الامم والملوک، ج 5 ص 446، تحقیق محمد أبو الفضل ابراهیم ، بیروت، دار التراث ، ط الثانیة، 1387/1967.
[2] ابن الاثیر ، عز الدین أبو الحسن على بن ابى الکرم، الکامل فی التاریخ، ج 4، ص 74، بیروت، دار صادر - دار بیروت، 1385/1965.
[3] الدینوری، ابو حنیفه احمد بن داود، الاخبار الطوال، ج 1، ص 256، تحقیق عبد المنعم عامر مراجعة جمال الدین شیال،قم، منشورات الرضى، 1368ش.
[4] ابن کثیر، أبو الفداء اسماعیل بن عمر بن کثیر الدمشقى، البدایة و النهایة، ج 8، ص 185، بیروت، دار الفکر، 1407/ 1986.
[5] الشیخ المفید، الإرشاد، ج 2، ص 106،نشر موتمر الشیخ المفید عام، 1413هـ ق.
[6] الطبرسی ، امین الاسلام فضل بن الحسن ، إعلامالورى، ص 246، دار الکتب الاسلامیه طهران.
[7]ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل ابی طالب (ع)، ج 4، ص 109، مؤسسة انتشارات علامة،قم، 1379هـ ق.
[8]ابن طاوس، سید علی بن موسى ، اللهوف، ص 43 ، انتشارات جهان تهران، 1348 هـ ش.
[9] العلامة المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 45، ص 43، مؤسسة الوفاء بیروت، لبنان، 1404هـ ق.
[10] البحرانی، الشیخ عبدالله، العوالم، قسم الامام الحسین (ع)، ج1 ، ص304.
[11]انظر ترجمة کتاب العوالم، العلامة الطهرانی، فی کتاب الذریعة الى تصانیف الشیعة، ج 15، ص 365، رقم الترجمة 2282.
[12]الامین، السید محسن، اعیان الشیعة، ج 8، ص 207، نشر دار التعارف للمطبوعات، بیروت.