بحث متقدم
الزيارة
6560
محدثة عن: 2010/12/01
خلاصة السؤال
لماذا کان النبی عیسی(ع) یسمّی روح الله؟
السؤال
لماذا کان النبی عیسی(ع) یسمّی روح الله؟ و ما المراد بأن الله تعالی قد نفخ من روحه فی نبیّه (النبی آدم)؟
الجواب الإجمالي

بالرغم من أن بعض الخصائص تتوفّر فی الأشیاء و الأفراد المختلفة و الکثیرة و لکن بعض الأسباب تؤدی الی بروز هذه الخصائص فی فرد أو شیء خاص بصورة ممیّزة، و کمثال علی ذلک فقد تمیّزت الکعبة بأنها بیت الله من بین جمیع السماوات و الأرضین التی هی ملک لله.

و من هذا الباب فإنه مع کون جمیع الأنبیاء و الناس المؤمنین منتسبین الی روح الله، و لکن هذه النسبة قد تجلّت بصورة بارزة فی النبی عیسی(ع) و النبی آدم(ع) أیضاً، و ذلک بسبب الطریقة الخاصة لخلقتهما. و علی هذا الأساس أیضاً فقد عرف عیسی(ع) بأنه روح الله، من دون أن یسبّب مثل هذا اللقب و العنوان خللاً و عیباً فی عبودیته لله، أو یوصله الی مرتبة الإلوهیة.

الجواب التفصيلي

هناک آیة فی القرآن الکریم تتحدث عن صفة هذا النبی الإلهی بقولها: "إنما المسیح عیسی بن مریم رسول الله و کلمته ألقاها الی مریم و روح منه". [1]

و استناداً الی هذه الآیة فقد استعمل لفظ "روح الله" فی النصوص الإسلامیة و اعتبر إسماً من أسماء عیسی(ع).

و من جانب آخر ینبغی أن نعلم أن (الروح) من الامور التی صرّح القرآن الکریم بأنه لا یمکن الاحاطة بجمیع جوانبها بالمعرفة البشریة الضئیلة. [2] و لکن مع ذلک نری آیات کثیرة فی القرآن تجعل للفظة (الروح) معانی متعددة و ربما یکون بینها وجه مشترک، و من المعانی التی وردت فی القرآن للروح ما یلی:

1- الملک الإلهی المقرّب و هو الذی یقوم بایصال الرسالة الإلهیة الی الأنبیاء. [3]

2- الکتاب السماوی. [4]

3- الامداد الغیبی من قبل الله لعباده. [5]

4- خصوصیة للنبی عیسی(ع).

و فی المورد الأخیر نری القرآن قد أطلق مرّة واحدة علی عیسی(ع) بأنه روح من الله. [6] و فی موضع آخر ذکر بأنه مؤیّد بروح القدس. [7] و هذا الاختلاف فی التعبیر قد یکون ناظراً الی النواحی المختلفة ل "الروح" التی هی لیست واضحة لنا بصورة دقیقة.

إن جمیع ما تقدّم ذکره لا یؤدی بمفرده الی إیجاد شبهة أو إبهام، و لکن العقائد الخاصة للمسیحیّین و خصوصاً عقیدة التثلیث [8] أدّت الی أن یحاولوا عن طریق هذه الآیات أن یقولوا للمسلمین بأن القرآن أیضاً قد أثبت لعیسی(ع) صفات تؤدّی بالنهایة الی تقویة عقیدة المسیحیین فیما یرتبط به حیث أنهم یرون أنه قدیم و أنه لیس مخلوقاً لله، بل أنه ابن الله.

و ینبغی أن نعلم بأن هذا الأمر کان مطروحاً منذ القدم، و ان أئمتنا المعصومین کانوا یبینون لأتباعهم الجواب المناسب عن مثل هذه الشبهات و فیما یلی نموذجان من ذلک:

1- عن حمران قال: سألت أبا عبد الله (الصادق) (ع) عن قول الله عزوجل "وروح منه"؟. قال:"ی روح الله مخلوقة خلقها فی آدم و عیسی(ع). [9]

و بذلک یدفع الإمام (ع) هذه الشبهة و هی أن روح الله إذا کانت فی إنسان فإنه سیکون مثل ربه أزلیّاً و أبدیاً.

2- و عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عزوجل "و نُفخت فیه من روحی" کیف هذا النفخ؟ فقال: إن الروح متحرّک کالریح و إنما سمّی روحاً لأنه اشتق إسمه من الریح و إنما أخرجه عن لفظة الریح لأن الأرواح مجانسة للریح و إنما أضافه الی نفسه لأنه اصطفاه علی سائر الأرواح کما قال لبیت من البیوت: بیتی، و لرسول من الرسل: خلیلی. و أشباه ذلک، و کل ذلک مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبّر. [10]

و یشیر الإمام (ع) هنا الی ملاحظة مهمة و هی أن الله یمیّز أحیاناً إحدی الخصائص الموجودة عند الجمیع أو عند کثیر من الأفراد فیجعلها بارزة فی مورد شیء أو شخص لأسباب تدعو لذلک، و لکن لیس معنی ذلک أن هذه الصفة لیست موجودة لدی الآخرین و کمثال علی ذلک:

1- فمع أن الکون کله ملک لله، [11] فإنه یبرز موضعاً صغیراً فی مدینة مکة و یصفه بأنه بیته فیقول: "بیتی". [12]

2- و مع أن جمیع الأنبیاء و الملائکة مصطَفون من قبل الله بتصریح القرآن الکریم، [13] فقد ذکر فی موضع آخر من ذلک الکتاب المقدس و رکّز علی اصطفاء فریق من الأنبیاء. [14]

3- و فی الختام فمع أن الروح الإلهیة قد حلّت فی جمیع الأنبیاء، و أن جمیعهم و حتی باقی المؤمنین یؤیّدون بروح من الله [15] و لکن هذه الخصوصیة قد ذکرت بشکل بارز فی مورد عیسی المسیح (ع) و أیضاً فی النبی آدم(ع) قبله. [16]

و علی هذا الأساس فلا ینبغی أن یفهم من کون عیسی(ع) "روح الله" خصوصیته تجعلنا نتصوّر له حالة شبیهة بالله و کأنه قد تجسّد فیه جزء من الله. [17]

أن أول حدیث لعیسی (ع) فی المهد هو أنه عبد الله [18] و فی المقطع الأخیر من رسالته أیضاً یقول لله بإنی أمرت أتباعی بأن اعبدوا الله الذی هو ربی و ربکم، [19] و انک تعلم ما فی نفسی و لا أعلم ما فی نفسک [20] ...

و ذلک یکون قد أعلن عبودیته مجدداً. و کان هذا النبی الإلهی قد خلق من غیر أب، کما أن آدم قد خلق من غیر أب و أم، و علی هذا الأساس و مع أن خلق کل فرد من أفراد البشر هو اعجاز من قبل الله، و لکن هذه المعجزة قد تمیّزت فی هذین النبیّین و برزت بشکل أوضح، و علی هذا الأساس فقد أبرزها الله من بین الأنبیاء و نسبهما الی روحه، مع أن الحق أن الله یلقی روحه الی من یشاء من عباد. [21]

و القسم الثانی من سؤالکم اجیب عنه فی السؤال 7316 (الموقع 7649) و یمکنکم مراجعته اذا رغبتم فی ذلک.



[1]     النساء ، 171.

[2]    الأسراء، 85 "و یسئلونک عن الروح قل الروح من أمر ربی و ما اوتیتم من العلم الّا قلیلا".

[3]    النحل، 102؛ مریم، 17؛ الشعراء، 193 و ...

[4]    الشوری، 52.

[5]    المجادلة، 22؛ البقرة، 87.

[6]    النساء، 171 "و روح منه".

[7]    البقرة، 87 و 253 "و اتینا عیسی بم مریم و ایّدناه بروح القدس".

[8]    هناک البعض من متکلّمی المسیحیة من لا یعتبر نفسه قائلاً بعقیدة التثلیث و هم یحاولون عن طریق التأویلات و التوجیهات إثبات کونهم موحّدین و یعبدون الاله الواحد. و ینبغی أن نعلم أن المسیحیین الحقیقیین کانوا موحّدین و قد ذکرت هذه الحقیقة فی الآیة 64 من سورة آل عمران.

[9]    الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص133، ح2، دار الکتب الإسلامیة طهران 1365 ش.

[10]    نفس المصدر، ح3.

[11]     آل عمران، 189 "و لله ملک السماوات و الأرض" .. و عشرات الآیات المشابهة الأخری.

[12]    البقرة، 125 "أن طهرا بیتی"؛ الحج، 26 "طهر بیتی للطائفین و القائمین و الرکّع السجود".

[13]    الحج، 75 "الله یصطفی من الملائکة رسلاً و من الناس".

[14]    آل عمران، 33 "ان الله اصطفی آدم و نوحاً و آل إبراهیم و آل عمران علی العالمین"؛

لبقرة، 130 "و من یرغب عن ملة إبراهیم الا من سفه نفسه و لقد اصطفیناه فی الدنیا ..".

[15]    المجادلة، 22 "اولئک کتب فی قلوبهم الإیمان و ایّدهم بروح منه".

[16]    الحجر، 29، ص72 "فإذا سویته و نفخت فیه من روحی فقعوا له ساجدین".

[17]     یمکنکم فی هذا المجال أیضاً مراجعة السؤال 4671 لهذا الموقع.

[18]     مریم، 30 "قال إنی عبد الله".

[19]     المائدة، 117 "و ما قلت لهم الا ما امرتنی به أن اعبدوا الله ربی و ربکم".

[20]    المائدة، 116 "تعلم ما فی نفسی و لا أعلم ما فی نفسک".

[21]   غافر، 15 "یلقی الروح من أمره علی من یشاء من عباده".

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280270 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258846 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129641 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115675 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89568 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61060 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60378 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57381 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51647 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47721 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...